عرف أمبرطو إيكو باهتمامه الأكاديمي بالتأويل السيميائي، فالنصّ كما يقول بنفسه آلة كسولة تطلب من القارئ عملا تعاونيا لملء الفراغات، التي لم تملأ أو بقيت كذلك. من هنا تبرز قيمة المتلقي في تحريك الدلالات والانفتاح على أقصى حالات التأويل. برزت التكنولوجيا الحديثة بأثرها على فعلي القراءة والتواصل، فامتد تأثيرها إلى رقمنة الكتب على النت، ترى كيف سيكون موقف أحد أكبر الكتاب العالميين حول هذه الظاهرة، هل ستستطيع التكنولوجيا أن تكتب نهاية الكتاب الورقي؟ يجري الصحافيان اميلي روسو وفلوري كليرك هذا الحوار مع العاشق الكبير للكتب القديمة. * قال أحد الصحافيين في جريدة (Libération) ماكس أرماني أن «للكتاب علاقة حسية بالمعرفة، إذا ما اختفى، سيكون لهذا الاختفاء عواقب وخيمة على حضارتنا» ما رأيكم؟ * جوابي موجود في كتابي المعنون «لا تأملوا في التخلّص من الكتب المنشور بمعية جان كلود كاريير المفهوم بسيط: لا وجود لتكنولوجيا اغتالت سابقتها. لم تقتل الفوتوغرافيا فن الرسم، لم تقتل الطائرة القطار. إذن، أعتقد أنه بإمكاني أن أتخيل مستقبلا حيث بإمكان الناس أن يقرأوا الكتب في الأيباد I pad (اللوحة الإلكترونية). أما فيما يتعلق بالكتاب، فبقاؤه حيا يقوم على الارتباط الحسي (الجسدي). إذا وجدتم في الدور التحتي لبناياتكم كتبا كنتم قد قرأتموها عندما كان سنّكم ثمانية أعوام، ستجدون أنّها لازالت تحمل أيضا بصمات أصابعكم، وأثر الخربشات التي كنتم تقومون بها. الكتاب هو موضوع يذكركم بطفولتكم. إذا كان محمّلا على جهاز للتخزين USB فلن تكون له نفس الدّلالة. أعتقد أن الكتب ليست فقط ذات أهمية بالنسبة لمحتواها، بل كذلك بالنسبة للذاكرة بأكملها التي تحملها في داخلها. أنا هاوٍ كبير لجمع الكتب. بالنّسبة لي، الكتاب مملوء بالإخبارات: بصمات الملكية، نمط الطباعة، الورق... تعتبر هذه العناصر شكلا من الارتباط الشهواني بالكتب التي لا يمكن أن تعوّض أبدا ! على العكس من ذلك، إن طفلا صغيرا يحمل محتوى ثلاثة معاجم في اللوحة الإلكترونية I pad بدلا من حقيبته على ظهره (لتجنُّب أن يصبح أحدب مثل شخصية فكتور هوغو في روايته «أحدب نوتردام» كي يذهب إلى المدرسة، أجد ذلك شيئا جيّدا جدّا، إنّه شيء ملائم وجيّد بالنّسبة لصحته. *مثل الكتاب، تعتبر اللوحة الإلكترونية موضوعا فيزيقيا. هل يعني ذلك بالنسبة لكم أن الكتاب هو بالضرورة مرادف للورق؟ * هذا صحيح أن اللوحة الإلكترونية Tablette يمكن أن يكون لها نفس محتوى الكتاب. أترغبون في قراءة بوفار وبيكيشي Bouvard et Pécuchet على الأيباد Ipad؟ لا مشكل في ذلك. ولكن، أعتقد أن الكتاب هو موضوع فيزيقي (جسدي) يتضمن قيما لا يمكننا تعويضها. مثلا، في الأسبوع الماضي كنت قد سافرت لمدة عشرين يوما إلى الخارج، لم أستطع أن أحمل معي سوى عشرات الكتب، ولذلك وضعتها محمولة في لوحتي الإلكترونية كي أستطيع قراءتها مساء قبل أن أنام، باستثناء صفحتين أو ثلاث كانت تشغلني بالخصوص ، لم أستطع أن أجدها في لوحتي. فاضطررت للذّهاب إلى مكتبتي كي أتصفح الكتاب المعنيّ بغية العثور على الصّفحات التي تهمّني. * تشير الحملة الكبيرة للرّقمنة التي أطلقها موقع غوغل نقاشات كثيرة فما رأيكم؟ * حاليا يبقى ذلك مشكلا مادّيا، بين غوغل والناشرين. باعتباري كاتبا، أنا سعيد بقرصنة كتبي، بحيث ستنجز قراءتها في أمكنة كثيرة. * تقترح Amazon «أمازون» حذف الدور الوسيط للناشرين. هل يعتبر بالنسبة لكم عمل الناشر هذا ضروريا لوجود الكتاب؟ * نعم، ضروري لأنّه حتى لو وجدنا كتابا تمّ نشره مثلا، في منشورات سوي أو كاليمار، نعرف أن وراء هذا الاسم يوجد رجل مشهور عمل تصفية جيدة. يعد الأمر مختلفا على الأنترنت. عندما ينشر شخص ما كتابا في موقع معين، لا نعرف ما إذا كان كتابا جيدا، أو كما يقول الإنجليز «Vanity press» غرور الصحافة، إن هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يؤدون في الماضي الثمن كي يتم النّشر لهم. ما عدا اليوم على الأنترنت، فهؤلاء الأشخاص بإمكانهم أن ينشروا بدون أن يؤدوا ثمن ذلك. *هل المعطيات الرّقمية قابلة للتّلف؟ * آه، لا يمكننا معرفة ذلك ! كل شيء يتغيّر بسرعة اليوم، لم يعد ممكنا قراءة ما يوجد في الأقراص disquettes القديمة، لقد تم تعويضها بأقراص وأجهزة للتخزين les clés USB، ولكن بعد خمس سنوات، ستتغير الحواسب أيضا، ولا يمكننا- لا ريب في ذلك- قراءة ما هو مكتوب في الأقراص ومفاتيح أجهزة التخزين. حيث لا يمكننا معرفة مقدار المدة الزمنية التي سيستغرقها. وعلى العكس من ذلك، بالنّسبة للكتاب الورقي، لنا اليقين العلمي أن مدّة حياته ستستغرق 550 عاما. * لديكم كمشروع إعادة كتابة «اسم الوردة»؟ ما السّبب في ذلك ؟ * هذه تفاهة تم نشرها في فرنسا. تعرفون أنّ الصحافة في فصل الصيف تحتاج إلى نشر أي شيء وكلّ شيء، تختزل كل ذلك في صفحتين. أعمل ببساطة كأيّ كاتب: نشرت طبعة مصحّحة ومنقّحة. لقد حذفت خطأين أو ثلاثة وعوضتها ببعض النعوت. هذا كلّ شيء ! لكن الصحافة حكت ذلك بطريقة أخرى: أنني أعدت كتابتها. ربما قالها بعض بلهاء الانترنت أو صاحب إشاعة. لماذا أعدّل كتابا لا زال حيا بعد مرور ثلاثين عاما من تاريخ نشره، فقط ما عدا إذا كنت أحمق ! عن «القدس العربي»