ينهضون في الصباح الباكر قبل أن يغلقوا أبواب بيوتهم» المصونة» ،يعدون العدة ليومهم الذي سيقضونه خارج هذه الحيطان العزيزة، حيث يعودون في المساء ليرموا بين ظهرانيها بجثتهم التي طوال النهار اشتغلت الثواني والدقائق والساعات على كل شيء إلا على تطوير وإغناء إمكاناتها وقدراتها وطاقاتها في السبيل الذي يجعل منها فردا يستحق حياته. يوم من المحو، يوم من المسخ، يوم من الخزي، يوم من بيع ماء الوجه من أجل مكاسب وأوهام صغيرة تمنحهم وهم التميز والنجاح، وأي تميز؟ أي نجاح؟ كل يوم يعبرون عنق الزجاجة، حرب مهذبة ماكرة من أجل إخصائهم ومحو أي معالم يمكنها أن تمنحهم التميز الحقيقي، بعيدا عن آلة إنتاج نسخ رديئة تنشط في تفريخ فرد مقزم الأحلام، ممحي المعالم، يفتقد لأدنى شروط الكرامة والعزة اللتين أهدرهما في الولاء والخضوع وإرضاء رئيس هو نفسه يؤمن بمقولة:» الراجل اللي تزوجته امي أقول له عزيزي» هاهم كل صباح يعودون بمكاتبهم، غرفهم الجديدة، حيث يحيون حياة بديلة غير أن تكون إدارية، يطبخون، ينامون، يعدون قهوة الصباح وشاي الفطور يثرثرون يتبادلون النميمة وتقطيع أوصال بعض وهم يبتسمون، يطبخون يعدون قهوة أخرى وشايا آخر بينما لا يحسون بساعات النهار تتدحرج تقربهم من وقت العودة لجحورهم. عمل إداري هو روتين يومي بامتياز تكرره الساعات والشهور والسنوات، لا يحتاج لتفوق، لا يحتاج لشهادة، لا يحتاج لذكاء، يعادي كل قوة مبادرة وإبداع يمنح للعمل مصداقية وحياة تحتاجها صيرورة الحياة.عمل يقزم المسؤولين يغيب المبادرة الطموحة يعادي الذكاء والتميز ويعلي من الغباء لأنه وحده الممكن التعامل معه حين تكون دوافع من يدير غامضة وملتبسة. يغيب الحماس البناء تغيب الكفاءات الذكية ترفع عصا العقاب في وجه إنسانية تطمح لتجاوز ذاتها بالعمل الذي ترى فيه تحققا ومصداقية للطموح وتجاوز الذات.تحارب ، تقبر، تمارس عليك شتى وسائل الإقصاء، إن لم تكن محاولة لاستحلاب كفاءتك وركنك على رفوف النسيان. طرق عديدة يأتي بها المستبد وصور شتى يتخفى وراءها ليمارس فساده، من بينها ارتداء دربالة بوهالى والضحك على الذقون بهذا الوجه البريء أو الغائب الذي يخفي مستبدا يتفرد بالقرارات يقصي الكفاءات أو يستغلها ويبعدها عن الأنظار خوفا من أن تهدد وهمه وخوفه من فقدان الكرسي المقدس، «تابهلة وسريق الحطب» صورة جديدة للمستبد نعم ،أنا ومن بعدي الطوفان وحدي أعمل وحدي أنتج وحدي في الصورة والباقي أغبياء ، تفرد في الإقصاء الماكر تفرد في التشفي تفرد في تقزيم حجم الكفاءات ... وحدهم خلان وأصدقاء « الخبزة المباركة» مقربون ليحمون صورته المهتزة ليحمون مصالحه ومخططاته المريضة ... الله يدير لنا تاويل الخير من جرعات اليأس اليومية في إدارتنا بيتنا المغربي الجديد....