الطرمونية: حزب الاستقلال يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة بدكالة    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة            الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    دهس عمدي يوقف 7 أشخاص بالبيضاء    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        قيود الاتحاد الأوروبي على تحويلات الأموال.. هل تُعرقل تحويلات المغاربة في الخارج؟    أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش        "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟        ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. رحلة البحث عن الذات .. كيف يحيا و يفكر المغاربة ؟

لا زلنا في رحلة البحث عن الذات، من خلال النبش في ذواتنا و من خلال التعرف على ذلك الآخر المجهول الذي يسكننا و من خلال الغوص في خبايا الآخر الغريب الذي يتواجد من حولنا، مؤثرين فيه و مؤثرا فينا.
توقفت الرحلة عندما اختار رئيس الحكومة النصف ملتحية الحلول السهلة و الترقيعية و تطاول على جيوب المواطنين و أشعل بها النيران و أصبحت لهيبا سنكتوي لا محال جميعا بناره، و أصر بشكل غريب و غير مسبوق في مجال تدبير الشأن العام على قيادة المغرب بكل جدارة و استحقاق نحو السكتة الدماغية التي لا أعتقد أن بلدنا سيخرج منها سالما كما خرج من السكتة القلبية إذا استمرت الأوضاع على حالها.
و لكي نتمكن من تحليل و دراسة و تشخيص هذا التحول الفجائي للحكومة النصف الملتحية ذات المرجعيات المختلفة، نحن محتاجون أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة سؤال شامل يحيط بكافة التفاصيل سواء منها الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو البيئية بدون تخوف نفسي ما زال يأخذ بتلابيب البعض.
و السؤال يتعلق بكيف يفكر و يحيا المغاربة كأفراد و جماعات ؟ و كيف ينقلبون بين عشية و ضحاها عن مبادئهم و معتقداتهم و مرجعيتهم؟ و هل هناك أزمة حقيقية بين تفكيرهم و واقعهم؟ و كيف يترابطون ببعضهم ؟
يقول «واتر بوري» في كتابه «أمير المؤمنين،الملكية و النخبة السياسية المغربية» بأن المجتمع المغربي و نخبه على الخصوص تتميز بالانقسامية.
أما «عبد الله العروي» فيقول في كتابه «مجمل تاريخ المغرب» بأن الاستعمار الأوروبي شكل قطيعة في نسيج مجتمعنا. و يؤكد في نفس الكتاب على ثنائية أو ثلاثية المغرب، و بأنه « يوجد في صلب مجتمعنا تنوع يتغير شكلا و معنى من فترة إلى أخرى دون أن يختفي أبدا، و أن مجتمعنا هو مجتمع في صورة مدرج بشري لغوي اجتماعي اقتصادي، كل مستوى يجسد رسوب، تناقض لم يحل، أو عقدة لم تفسخ».
أما « محمد عابد الجابري» فقد جاء في كتابه «بنية العقل العربي»بأن الساحة الثقافية العربية الراهنة التي يتكون فيها العقل العربي المعاصر ساحة غريبة حقا، و أن القضايا الفكرية و السياسية و الفلسفية و الدينية التي تطرح فيها للاستهلاك و النقاش قضايا غير معاصرة لنا، إما قضايا فكر الماضي بكل سلطاته و قيوده، أو قضايا فكر الغرب التي قطعت من أصولها و أخرجت من ديارها و أصبحت متشردة و أحيانا لقيطة تفتقر إلى الكل الذي يعطيها معناها. وبالتالي نعيش مغتربين بعقولنا بين تيارات الماضي و الحاضر و المستقبل، محكومين بسلطات الزمان و المكان الظاهرة منها و الخفية، السياسية و الإيديولوجية.
و في نفس السياق يقول «عبد الله حمودي» في كتابه «الشيخ و المريد» :
«في المجتمع المغربي كما في المجتمعات العربية و الإسلامية الأخرى, ما زال الأطفال من الجنسين يتعلمون بشكل مبكر التمييز القاطع بين الرجال و النساء, و خضوع النساء لسلطة الرجال. و يرى الطفل الذكر بالخصوص ذكورته تمجد من أبيه و أمه. و إذا كانت هذه الذكورة تتطلب منه موقفا رجوليا, فإن علاقته بأبيه مزدوجة و متأرجحة, على أن هذا الازدواج لا يذكر, و بالأحرى لا يعترف به. على الطفل الذكر أن يكون رجوليا غير أن عليه أن يتخلى عن جزء من رجولته في حضرة الأب. عليه أن يراعي سلسلة من مواقف الصمت و التحفظ و التواضع و الخضوع, التي تطبع عموما السلوك الأنثوي».
في السياق ذاته،و في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي سقط حائط برلين و سقطت معه كل الأقنعة و بالاديولوجيات التي كانت تؤسس للحرب الباردة و بالتالي ازدادت حدة عزلة المغاربة الذاتية و خاصة الذين كانوا يراهنون على الفكر الاشتراكي و الشيوعي، و أصبح هناك شرخ كبير بين تفكيرهم و واقعهم.
و من خلال كتاب « مرآة الغرب المنكسرة» لصاحبه «حسن أوريد» بانهيار الشيوعية ظهر الغرب على حقيقته و بدت فكرة الأنوار التي طالما تغنى بها الغرب و فئة من المثقفين العرب مجرد غطاء، فالنزوع إلى السوق في الغرب هدفه هو القطع مع تراثه الديني و التأسيس لليبرالية جديدة لا شيء يقف أمام أسواقها، لا الكيانات الوطنية و لا الدولة و لا الديمقراطية نفسها، و بالتالي وجدت هذه الفئة المثقفة نفسها في عمق العزلة و التيه و خاصة بعد الأزمات الاقتصادية و الأخلاقية التي يعرفها الغرب حاليا.
أما المفكر»محمد أركون» فجاء في كتابه «قضايا في نقد العقل الديني»:
«إذا أردنا الخروج من هذه العزلة و التيه الذي تعيشه مجتمعاتنا منذ قرون مضت نحن مضطرون للقيام بحركتين اثنتين:
أولا،استدراك ما فات و هذه عملية ضخمة تتطلب وقتا و جهودا كبيرة لأن العقل الكلاسيكي الغربي قام بعمل ضخم في وقته، فقد تجرأ على مواجهة العقل الديني المسيحي و فتح معه معركة حقيقية و هذه خطوة لابد منها من أجل التحرير و استرجاع الذات التائهة و المعزولة. و هذا ما لم يحصل عندنا لحد الآن في بلداننا، علينا أن نواجه هذه المشكلة بنوع من التدرج و هضم المراحل و عدم الانتقال إلى المرحلة الجديدة قبل استيعاب المرحلة السابقة.
ثانيا، يضيف صاحب الكتاب، أن نكون يقظين في ظل التحولات الآنية التي يعرفها الغرب لكي لا تزداد الهوة مرة أخرى بيننا، فالعقل الكلاسيكي الغربي المرتكز على اليقينيات المطلقة ينتقل إلى مرحلة العقل النسبي أو النقدي الذي يعود على نفسه باستمرار من أجل تصحيح مساره أو تعديله إذا لزم الأمر، فهو ما يدعوه البعض إلى عقل ما بعد الحداثة، أي عقل أكثر تواضعا لكنه أكثر دقة و حركية في آن واحد، و هو عقل ما بعد انهيار الاديولوجيات الكبرى و اليقينيات الراسخة».
إذا نحن كمغاربة نعيش فوضى و تيها في داخلنا و أعماق ذواتنا نتيجة تراكمات سنين و قرون مضت.
هل هذه الفوضى المنظمة أحيانا و غير المنظمة أحيانا أخرى و التي يتقاسمها كل أفراد مجتمعنا في كل مظاهر حياتهم والتي وصف «بول باسكون» من خلالها المجتمع المغربي بطبيعته المركبة ، و شخصها البعض كمرض نفسي اجتماعي يوازي مرض الانفصام في الشخصية ( سكيزوفرينيا )، هل هي حقيقية و بالتالي عقبة أمام تطورنا و تقدمنا؟
أم أن هذه الفوضى و الخلط و التيهان بين الماضي و الحاضر و الانقلاب على المبادئ و الوعود و الالتزامات بشكل مفاجئ و غير منتظر كما هو الشأن بالنسبة لصديقنا بنكيران و فريقه الحكومي يشكل ميزة أساسية ينفرد بها مجتمعنا، و بواسطتها تمكن المغاربة من الصمود في وجه الغزاة و الطامعين، و في وجه مختلف الحضارات و الثقافات عبر تاريخ المغرب سواء قبل الفتح الإسلامي أو بعده، وكونوا خصوصية مستقلة و بالتالي ضمنوا لأنفسهم البقاء و الاستمرار؟
يظل السؤال حول كيف يحيا و يفكر المغاربة و مدى صحة تيهان ذواتهم، و مدى ارتباط فكرهم بواقعهم. سؤال وجيه لكن الجواب صعب و كذلك بدوره متغير، وربما حان الوقت للشروع في تفكيكه.
الجزء الرابع : وصول الحكومات ذات المرجعية الدينية إلى سدة الحكم .
تقودنا رحلة البحث عن الذات إلى اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب اليوم، فهي مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات و سيزيد من حدتها ما يجري في محيطنا الإقليمي و خاصة بعد وصول الحكومات ذات المرجعية الدينية إلى سدة الحكم كما هو الشأن في مصر و تونس و المغرب و غيرها، و كذالك التوترات التي تعرفها منطقة الساحل حاليا و المرتبطة بمحاربة الإرهاب المقترن بالإسلام السياسي.
لقد ارتبطت الكثير من دولنا العربية و الإسلامية ، و منها المغرب، بما يجري في الشرق و خصوصا في مصر و فلسطين منذ مدة، حيث تأثرت شعوب و حكام المنطقة بالإيديولوجية الناصرية و الفكر القومي،كما نجحت مصر في إنتاج و تصدير تيار الإسلام السياسي من خلال جماعة «الإخوان المسلمين» و مؤسسها «حسن البنا» سنة 1928، كما كان للصراع العربي الإسرائيلي تأثيرا واضحا في حركية و نفسية و فكر شعوب منطقتنا.
و على العموم فالتيار المحافظ العائد للساحة السياسية داخل المغرب و خارجه لا يمكن أن يتصالح مع الديمقراطية ما دامت طبيعة خياراته العقائدية و الإيديولوجية تتناقض معها في العمق، و المعركة الحالية التي يخوضها هذا التيار ضد التيار الحداثي ليست في الأصل إلا معركة و مواجهة بين بنيان الدولة المدنية و بنيان الدولة الدينية المرتبطة بالإسلام السياسي. فالحراك السياسي و الإجتماعي الذي تعيشه مصر حاليا لخير دليل على ذلك، و أنا بصدد إعادة قراءة هذه السطور بعد أن تركتها لحالها لشهور مضت، و إذا بخبر ليس كباقي الأخبار نزل علي كالصاعقة، خبر اغتيال الشهيد اليساري التونسي «شكري بلعيد». إضافة إلى هذا سربت وسائل الإعلام المختلفة خبر إصدار فتوى من طرف بعض المتشددين المصريين يحللون من خلالها قتل الأفراد المنتمين إلى جبهة الإنقاذ المصرية، يا لها من مصادفة غريبة.
فحذار ثم حذار، فالدولة الدينية انطلاقا من مشروعها الإيديولوجي لا يمكن أن تحمل لبلدان المنطقة إلا الخراب و الألم، ستقوم بسلب إرادة المجتمع و التحكم في حركيته و حيويته بل و إلغائه، مما يؤدي إلى انكماشه و تجميد طاقاته و ضياع مؤسساته الديمقراطية و بثرها، فعلينا الانتباه ثم الانتباه أن التيار المحافظ له أغلبية مريحة في منطقتنا خلافا لما يعتقد البعض، لأننا كما قال «محمد أركون» لازلنا لم نواجه اللاهوت الديني كما واجهه الغرب، فمادته لازالت تسكننا و ممكن أن تخرج في أي لحظة و أن تتحول إلى قنبلة موقوتة يكون تأثيرها واضحا على البشر و الشجر و الحجر.
إذا أمام هذا الخطر,نحن مطالبون بالدخول في تجربة نعيد من خلالها للفكر دوره في إيقاظ الوعي الإنساني، و يعني هذا أن يعمل المجتمع على تأسيس جبهة وطنية ديمقراطية حداثية للدفاع عن قيم الحداثة و الديمقراطية و الحرية و العدل و المساواة و الوقوف أمام المد المحافظ، و إعادة ميزان القوى لتوازنه بعد أن أصابه الخلل. إذن على كل القوى الحية أن تنخرط في هذه التجربة خاصة القوى الحاملة للمشروع الحداثي الديمقراطي و كل أفراد المجتمع الواعون بخطورة المرحلة و أن يعمل الجميع على إعادة تكوين مواطنين عبر مشاريع فكرية، تنتصر لكل ما هو إنساني و كوني و بالتالي يساهم الجميع في بنيان الدولة المدنية الحديثة.
على هذه الجبهة أن تتجاوز الحدود، أن تكون جدورها في المغرب و أغصانها ممتدة على محيطه الإقليمي العربي، المتوسطي و الإفريقي ... أن تدخل في تحالفات مع تنظيمات و قوى أخرى تحمل نفس المشروع سواء في مصر،تونس، ليبيا أو سوريا مستقبلا أو غيرها.
علينا الاستفادة من روح تجربة التنوير التي عرفها الغرب و كذلك الاستفادة من مشروع تجربة التنوير الثانية التي شهدها العالم الإسلامي ابتداء من القرن الأول الهجري، و التي أجهضت في بدايتها؛ و من بين روادها نذكر: «ابن رشد، ابن سينا، ابن خلدون، الفرابي، المامون و فرقة المعتزلة...» و لكن بشرط ألا نعود إليها كما كانت لأن مسبباتها و آلياتها لم يعد لها وجود.
كما علينا الرجوع إلى روح الصحوة الفكرية و الثقافية التي عرفتها منطقتنا ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر إلى الثلاثينات من القرن العشرين من أجل تحقيق النهضة العربية و الإسلامية, فكان موضوعها الأساسي مرتبط بالتطور التعليمي و الإصلاح الديني, محاولة لتخليص المجتمع من سيطرة الطوائف الدينية و إيديولوجياتها الراسخة، اشتد النقاش حينها و بعد مد و جزر , مرة أخرى انتصرت قوى المحافظة و هيمن فكرها الماضوي و خاصة بعد انشغال القوى الحية لأفراد مجتمعاتنا بالمقاومة المشروعة لإجلاء المستعمر, و كان من بين رواد هذه الحركة الفكرية :طه حسين,عبد الرحمان الكواكبي, محمد عبده, المختار السوسي, جمال الدين الأفغاني, ابن شعيب الدكالي, علال الفاسي, عمر الساحلي و غيرهم.
إذن و من أجل البحث عن الذات و النبش في خباياها يقودنا هذا الحوار الذاتي إلى تسليط الأضواء على جزء من النقاشات الفكرية و الثقافية التي كان يعرفها العالم الإسلامي ابتداء من القرن الأول الهجري.
نأخذ على سبيل المثال ما جاء به المفكر «ابن رشد» الذي احتل الجانب النقدي من فكره مكانة هامة في الأمور المتصلة بالشريعة سعيا وراء تخليصها بمعية الفلسفة من شوائب الكلام و التصور و ذلك من خلال كتبه النقدية الثلاثة :» فصل المقال, الكشف عن مناهج الأدلة, و تهافت التهافت».
و كان إثبات الحق في ممارسة النظر العلمي و الفلسفي في إطار الملة الإسلامية هو القصد من تأليف كتاب فصل المقال و يعني علاقة الشريعة بالحكمة و مجال اتصالهما. و أهم حجة قدمها ابن رشد لاثبات ذلك هي الوحدة في الغاية بين الشريعة و الحكمة, و هي بمعنى آخر الوقوف على الحق. و دعم هذه الحجة بحجة ثانية تربط يبن العبادة و المعرفة مفادها انه إذا كانت الغاية من الشريعة هي عبادة الخالق, فإن اشرف عبادة هي معرفة ذاته على الحقيقة, و لا تتحقق معرفة الذات الإلهية إلا بمعرفة مصنوعاتها بالطرق البرهانية. و يستدل ابن رشد بآيتين على فكرته:
«أو لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض و ما خلق الله من شيء»
«أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت».
و استخلص من هاتين الآيتين حكما يقول بأن النظر في الموجودات نظرا علميا واجب على من هم أهل لذلك. و يضيف إلى هذا الواجب واجبا آخر ترتب عن السابق, و هو واجب الانفتاح على الآخر و الأخذ بمناهجه و علومه المنطقية و الفلسفية بغض النظر عن اعتقاداته, بشرط أن تكون محايدة و موافقة للحق. إن إثبات معقولية الشريعة انطلاقا من كونها تنطوي على الحق و تدعو إليه, هو الذي جعله يطلق قولته الشهيرة : «الحق لا يضاد الحق, بل يوافقه و يشهد له».بل انه ذهب ابعد من ذلك عندما عزز الاتصال بين الحكمة و الشريعة بالقول بأن الشريعة التي تعتمد على مبدأي الوحي و العقل هي أفضل من الشريعة التي لا تقوم إلا على مبدأ واحد.
في نفس السياق سنسافر معا إلى القرن الثامن الهجري للتحاور مع فكر آخر لا يقل أهمية عن فكر ابن رشد, إنه المفكر ابن خلدون من خلال مقدمته. ففي هذه الفترة كانت شمس الحضارة الإسلامية آخذة في الذبول. أما جدلية العقل و النقل فظلت متفتحة فكان لابن خلدون رأيا فيها:
«فموقفه مستمد من طبيعة رأيه في المعرفة البشرية و ميدانها و حدودها. فما دام العقل مشروطا بالتجربة, و ميدانه محدود بنطاقها,فإن أية مسألة يقررها في ميدان ما وراء الحس, هي مجرد تخمين يقول صاحب المقدمة و لذلك يضيف فإذا هدانا الشارع إلى مدرك فينبغي أن نقدمه على مداركنا و نثق به دونها, و لا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل و لو عارضه,بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادا و علما, و نسكت عما لم نفهم من ذلك و نفوضه إلى الشارع و نعزل العقل عنه, و ذلك لأن مدارك صاحب الشرع أوسع لاتساع نطاقها عن مدارك الأنظار العقلية, فهي فوقها و محيطة بها لاستمدادها من الأنوار الإلهية, فلا تدخل تحت قانون النظر الضعيف و المدارك المحاط بها، هذا في مسالة الشريعة.
أما في ما يخص مسائل و قضايا العالم المادي المحسوس, و بصفة عامة شؤون الاجتماع, فإن الشارع لا يفرض علينا نظاما معينا محددا يشمل جميع تفاصيل و جزيئات حياتنا, و لذلك كان الوحي في الأعم الأغلب, خاص بالمسائل الشرعية, أما شؤون الدنيا و أمور المعاش و مسائل الاجتماع و الحكم فهي متروكة للعقل. فقوانين الحكم و السياسة تعتمد على العقل وحده دون الحاجة إلى شرع, لان جوهرها إنما هو اجتناب المفاسد إلى المصالح و القبيح إلى الحسن? و كل هذا تتم معرفته بالتجربة, أما صدقها أو كذبها فسيظهره الواقع عاجلا أم آجلا».
أما الغزالي و ابن تيمية فموقفهما من جدلية العقل و النقل واضح : النقل أولا و أخيرا في أمور الدنيا و الدين و لا مكان للعقل و الاجتهاد و التأويل أبدا .
و في نفس السياق أضيف بأن الفكر الإسلامي عرف انقساما واضحا منذ بداياته الأولى, فأهل الشيعة و السنة يكفرون بعضهم حديثا و قديما. كما أن هذه المرحلة الحساسة من التاريخ الإسلامي عرفت أحداثا دامية لم تتمكن مجتمعاتنا من التخلص من جروحها إلى يومنا هذا: اغتيل الخليفة عمر ابن الخطاب و عثمان ابن عفان و علي ابن أبي طالب و ابنه الحسين.
و في نفس السياق يعرف عالمنا الإسلامي قديما و حديثا مذاهب مختلفة زادت من تشتت و تيهان و عزلة أفراد مجتمعاتنا. إضافة إلى هذا لا زال الفكر العشائري و القبلي يسيطر على حركية دولنا و يقف سدا منيعا أمام تأسيس دول عصرية حقيقية. و مما زاد الطين بلة محاولة قومنة بعض الفئات المجتمعية من عالمنا العربي و الإسلامي و التي كانت إلى وقت قريب متجانسة و متماسكة بمجتمعاتها. و من بين هذه المحاولات نذكر على الخصوص تلك المتعلقة بالأكراد و الشيعة و الأمازيغ و السنة و الأقباط و غيرها.
لنترك النقاش الفكري الجميل و الجاد الذي خلفه ابن رشد و ابن خلدون و آخرون... و الذي سنعود إليه لاحقا و نشد الرحال إلى العصر الحديث و كيف تأثرت نفسية و ذوات المغاربة و العرب و المسلمين ببعض الأحداث.
لقد كان التأثير واضحا من خلال الحرب الشرسة الغير المتكافئة التي شنها الإتحاد السوفياتي سابقا على أفغانستان و كان لانسحاب الجيش الأحمر من ساحة المعركة و اعترافه بالهزيمة صدا مؤثرا و إيجابيا على نفسية أفراد مجتمعاتنا. لكن بعد ذالك تبين بأن ما قام به الجيش الأحمر مجرد تكتيك عسكري للدخول في مرحلة إصلاحية تؤسس لإنهاء
الحرب الباردة، و التأسيس لخريطة جيوسياسية جديدة سينقلب من خلالها العالم رأسا على عقب.
في شهر فبراير من سنة 1979، كان يومان من القتال كافيين لانهيار النظام الإيراني و بالتالي تناثرت عقدة الجيش الذي كان يعتبر الرابع في العالم من حيث العدد و العدة و التدريب,فكانت هذه الثورة ثورة على نمط القرن 19 و لكنها تقع في الربع الآخر من القرن 20. كانت الثورة الإسلامية الإيرانية الخمينية بمثابة زلزال مدوي أثر على الرأي العام الدولي, و ما يهمنا مدى تأثيره على نفسية و عواطف المغاربة و المسلمين و العرب فأصبح بعضهم يتطلع لثورات مماثلة بأوطانهم و سائر ديار الإسلام و أصبح حلم تحقيق دولة الخلافة أقرب إلى الحقيقة. بعد الثورة دخلت ايران مباشرة في حرب ضروس مع عدوها اللذوذ و جارها العراق, فبزغ الصراع الشيعي السني من جديد.
كما كان للعمليات الإرهابية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة تأثيرات عميقة على المغاربة و العرب و المسلمين و باقي دول المعمور خاصة العمليات التي نفذت في بداية الألفية الثالثة، بالولايات المتحدة، بإسبانيا و بريطانيا وكذلك بالمغرب. فتوجهت الإتهامات إلى الإسلامويين و المسلمين فتمت ملاحقتهم و متابعتهم جنائيا فتذمرت نفسيتهم و أصبحوا في نظر الغرب مجرمين قتلة و منحرفين, فقامت الدنيا و بزغ نظام دولي جديد عنوانه الكبير القضاء على الإرهاب و تعميم الديمقراطية.كما كان التأثير واضحا للعيان إثر غزو الولايات المتحدة و حلفاءها للعراق و محاكمة صدام حسين و تنفيذ حكم الإعدام في حقه في يوم ليس كباقي الأيام، يوم عيد الأضحى.
و من خلال هذا نستنتج على أن حياة و فكر المغاربة و العرب و المسلمين مرتبطة بنزعتين متناقضتين الأولى نزعة ارتدادية انغلاقية تحن إلى الماضي السلفي و الثانية نزعة تحررية منفتحة على الفضاء الكوني. و كل المغاربة و العرب و المسلمون يحملون هاتين النزعتين بشكل متفاوت، تظهران و تختفيان في أي لحظة.
إذن حان الوقت كما قال المفكر «محمد اراكون» لفتح معركة تاريخية بين هاتين النزعتين المتناقضتين و التأسيس لعلاقة جديدة بينهما في ظل وعاء حداثي و ديمقراطي يستوعب الجميع.
في هذه اللحظة ستقرع طبول المعركة التاريخية التي انتظرنها طويلا و هي في العمق استمرار لمعركة بن رشد و كل الذين آمنوا بفكره ، و بالتالي إعادة الإعتبار لفكره المتقدم عن زمانه، فكر استفاد منه الغرب أكثر مما استفدنا منه نحن.
فحذار ثم حذار من خطورة المرحلة التي نحياها و حذار أيضا من فكر و مخططات بنكيران و صحابته و فريقه الحكومي بما فيهم الرفاق الأربعة و المرأة الوحيدة .
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.