بعد الحملة الفرنسية العسكرية في شمال مالي والتي يبدو أنها في طريقها لتحقيق أهدافها، يتذوق الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» بارتياح كبير طعم الفوز. فهو يلقى الترحيب من جانب المسؤولين الماليين كما من طرف السكان البسطاء الذين باتوا يعتبرونه القديس أو المُرابط الرابع والثلاثين بعد الثلاثمائة ضمن مُرابطي «تومبوكتو». ويزداد موقف الرئيس الفرنسي ارتياحا نتيجة للدعم الأمريكي اللوجستيكي (تزويد الطائرات الفرنسية بالوقود جوا من طرف طائرات أمريكية) و السياسي أيضا الذي لقيه يوم أمس الإثنين بشكل مباشر من طرف نائب الرئيس الأمريكي «دجو بايدن» في باريس. بيد أن هذا النجاح قد يكون موقتا إذ من الصعب الركون إلى القوة العسكرية وحدها من أجل القضاء المبرم على الإرهاب ،فالمنظمات الإرهابية لا تعتمد الأساليب الكلاسيكية في الحرب و هو ما قد يستنزف القوات الفرنسية المتواجدة حاليا بمالي فيُحيل مذاق الانتصار الحلو إلى مذاق مر مع توالي الفصول. مرحبا بالولي ال334 في تومبوكتو: أثناء زيارته السبت الماضي لمدينة تومبوكتو المالية ، ذات ال333 ضريحا للأولياء الصالحين، عبر بعض المواطنين الماليين عن غبطتهم لزيارة الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» قائلين بأن هذا الرئيس الذي حررهم من تشدد المتطرفين الإسلاميين، يُعتبر الولي الرابع و الثلاثين بعد الثلاثمائة. فمدينة تومبوكتو عاصمة الشمال المالي، التي حررتها القوات الفرنسية و المالية قبل أسبوع من الآن، تقدم شهادة فظيعة عن التخريب الذي طالها من طرف الجهاديين المتشددين، الذين أحرقوا آلاف المخطوطات النادرة و خربوا الكثير من الأضرحة العتيقة المصنفة تراثا إنسانيا، فضلا عن ترهيب السكان المُسالمين و تقتيلهم طيلة التسعة شهور التي استغرقها احتلالهم لهذه المدينة. أما أوج الاحتفال والترحيب فهو الذي جرى مساء نفس السبت، حين عاد الرئيس الفرنسي إلى باماكو مصحوبا بالرئيس المالي الموقت «ديونكوندا تراوري»، والذي ألقى خلاله الرئيس الفرنسي خطابا قدم فيه تفسيره وتبريره للتدخل الفرنسي . فالمبرر الأول بالنسبة له هو محاربة الإرهاب أما المبرر الثاني ? الذي أدخل البهجة و السرور و انتزع التصفيقات الحارة من الجمهور الكبير الذي تجمع في ساحة الاستقلال وسط باماكو ? فهو رد الجميل لمالي التي حاربت، ضمن أفارقة آخرين، إلى جانب فرنسا من أجل استعادة استقلالها من الاستعمار النازي خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد تأكيده مساندة فرنسا لمالي و وقوفها إلى جانب الماليين جميعا استدرك فورا قائلا: «لكننا سنغادر» دون أن ينسى تقديم بعض التوصيات للشعب المالي مثل أن «الظلم لا يُصلح الظلم، ينبغي أن تكونوا نموذجيين...أقيموا انتخابات جيدة في يوليوز القادم».أما بخصوص «الحركة الوطنية لتحريرالأزاواد» فقال «الذين يحملون السلاح عليهم أن يضعوه وإلا حُوربوا». ورغم أنه لم يقدم أي تاريخ لسحب القوات الفرنسية من مالي إلا أنه قال أنه «مع بقاء بعض الجيوب الإرهابية فوق التراب المالي فإننا نعتبر أن مهمتنا لم تنته بعدُ». دعم أمريكي وازن: وبالموازاة مع هذا الدعم الشعبي والرسمي الماليين للتدخل الفرنسي، يتمتع الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» بدعم ثقيل يتمثل في المساندة الأمريكية. فقد ساندت الولاياتالمتحدةفرنسا في مهمتها بمالي لوجستيا بالموافقة على تزويد طائراتها الحربية بالوقود جوا من طرف الطائرات الأمريكية، وهو دعم رمزي و مادي بالغ الأهمية. أما المساندة الأهم فهي المساندة السياسية التي جاءت من خلال اللقاء الذي تم أمس الإثنين بقصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» و نائب الرئيس الأمريكي «دجو بايدن»، الذي يقوم بجولة في أوربا قادته إلى ألمانيا وبريطانيا. وفي استجواب صحفي أجرته معه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية و نشرته في عدد أمس، قال «دجو بايدن» متحدثا عن جولته الأوربية وعن أهداف زيارته لفرنسا : «إن شركاءنا في الضفة الأخرى للأطلسي هم أقدم أصدقائنا وأقرب حلفائنا....فلا أوربا ولا الولاياتالمتحدة بقادرتين لوحدهما على مواجهة تحديات عصرنا. فأمريكا تتقاسم نفس القيم مع أوربا ونفس المصالح ونفس الأهداف المشتركة. وباستطاعتنا الرد بنجاعة على التحديات الكونية إذا ما عملنا مجتمعين» وأضاف متحدثا عن العلاقات الأمريكية? الفرنسية: «قبل قرنين من الآن، وقف الفرنسيون إلى جانبنا حين كان بلدنا الفتي يتطلع للاستقلال.فتاريخ جمهوريتينا مترابط ومتشابك.إن فرنسا هي أقدم حلفائنا و أنا أتوجه لها اليوم لأن مصالحنا مترابطة بعمق. من أفغانستان حتى ليبيا و من إيران حتى مالي و من الاقتصاد العولمي إلى التغييرات المناخية، تواجه الولاياتالمتحدة تحديات العصر صحبة فرنسا» وفيما يخص التردد حول مساعدة فرنسا في مالي رد بايدن بالقول : «لم يكن هناك أي تردد من جانبنا. فنحن نتقاسم أهداف المجتمع الدولي بخصوص حرمان الإرهاب من أي ملاذ آمن له... وبخصوص العملية العسكرية الفرنسية فقد قدمت الولاياتالمتحدة دعما ذا دلالة قوية? يتضمن تبادل المعلومات الاستخبارية والنقل الجوي و التزويد بالوقود جوا? وهو ما استقبله الرئيس «فرانسوا هولاند» بحرارة» كما تحدث «بايدن» عن الجانب السياسي حين تحدث عن دعم الإدارة الأمريكية لخارطة الطريق المتعلقة بالانتخابات في مالي و بالتأسيس لحكومة ذات تمثيلية في هذه البلاد ماذا بعد؟ بيد أن هذا النجاح الفرنسي، سواء باستقبال الماليين للرئيس «فرانسوا هولاند» باعتباره «محررا» لشمال مالي أو من خلال الدعم الأمريكي الوازن لهذه الحملة، إلا أنه لا زال بحاجة إلى دعم دبلوماسي أوربي واضح، وهو ما سيحاول الحصول عليه الرئيس هولاند يومه الثلاثاء في ستراسبورغ و يومي الخميس والجمعة في بروكسيل، من أجل «أوربة» المجهود الفرنسي في مالي. و ما يخشاه المراقبون، مثل الخبير «ألان بارلييه» (صحيفة لوفيغارو)، هو أن يتحول انتصار «فرانسوا هولاند» إلى قوس صغير يتمثل في «لحظة باماكو» تتلوها سلسلة من الهزات التي تعتمل في أعماق البلاد، لأن الصعوبات و المجاهيل و الغموض الذي يكتنف المعادلة المالية لا زالت قائمة. فعلى الصعيد العسكري ، لا زال القادم أصعب إذ أن الإرهاب لم يتم القضاء عليه بعدُ ?كما جاء على لسان فرانسوا هولاند نفسه ? وبما أن القوات الفرنسية ستمكث إلى حين القضاء على الإرهاب (عدة شهور أو أكثر)- فإن ضريبة الدم الفرنسي ، التي لم تُؤد لحد الآن، قد ترتفع و قد تصبح غير قابلة للتحمل. كما أن تكوين وتدريب جيش مالي جدير بهذا الإسم، سيأخذ بالتأكيد وقتا طويلا، قبل أن يصبح قادرا على تسلم مهام الدفاع عن البلد من القوات الفرنسية. وعلى الصعيد السياسي، فإن الوضع لا يزال غامضا بخصوص مسلسل الانتقال من الوضع الموقت الحالي إلى الوضع العادي بعد انتخابات يوليوز القادم. ما مصير سكان الشمال المقصيين؟ كيف سيتم التعامل مع حركات الطوارق؟ وأخيرا هناك مصير الرهائن الفرنسيين الذين لا زالوا بأيدي الحركات الجهادية. هل سيتم التفاوض معها من أجل إنقاذ حياتهم؟ هل يقبل الفرنسيون و المجتمع الدولي التفاوض مع الإرهاب؟ هل ستقوم فرنسا بعملية كبرى لتحريرهم؟ إذا نجحت العملية فستكون تعزيزا لانتصار «فرانسوا هولاند» الراهن، و لكن ماذا إذا فشلت؟ حينها سيفقد الانتصار الذي حققه «هولاند» حاليا بريقه و ستبدأ عودة «البومرنغ» ليضرب نقطة الانطلاق.