في اطار انشطته الاشعاعية والتحسيسية والتواصلية نظم مؤخرا المرصد المغربي للسجون يوما دراسيا حول موضوع «انسنة السجون والنهوض بأوضاع السجناء والسجينات بها والذي دعي له مجموعة من الفعاليات القانونية والحقوقية والجمعوية والسياسية والنقابية لبسط ملف الانسنة للنقاش والمساءلة والحوار باعتباره ملفا له خصوصياته وتحيط به العديد من مناطق الظل على مستوى التصورات السائدة وعلى مستوى المتخيل الشعبي لهذا الفضاء المغلق الذي تنطبق عليه المقولة التالية) الداخل مفقود والخارج مولود) باعتبار ما تواريه اسواره من اسرار وممارسات تبقى حبيسة داخله.ويأتي تنظيم هذه اليوم الدراسي في اطار الاحاطة بالقضايا القانونية والحقوقية والتشريعية والاجتماعية المؤطرة لهذا الفضاء المغلق . الكلمة التقديمية التي القاها الاخ حميد العكباني عضو المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للسجون والتي ثمنت الحضور النوعي الذي لبى الدعوة مستحضرا الدواعي الكامنة وراء تنظيم هذا اللقاء الذي حرص المرصد فيه على دعوة اطر قضائية وقانونية وجمعوية متسمة بالرصانة العلمية والانخراط الطوعي في تقاسم المعرفة وتجدير اسس التواصل بين كل الفاعلين بالإضافة الى الحق في الوصول للمعلومة خدمة لنبل التعميم المعرفي في مجال لا زال التكتم والانغلاق هو سيد ميدانه خصوصا على مستوى الجوانب المتعلقة بواقع حياة السجناء(ت) وكذا على مستوى بلورة سياسة جنائية مسايرة للتطورات التي يعرفها المجال الحقوقي مستغلا المناسبة لطرح الاشكالات المرتبطة بواقع السجون بالمغرب على مستوى الاكتظاظ وافرازاته الحقوقية والأخلاقية والإنسانية. مداخلة الاستاذ عبد العالي المومني الذي خبر عن طريق الممارسة القضائية والنيابية مجال التشريع القانوني عبر مسار وظيفي حافل داخل وزارة العدل والذي لم يعفه الحصول على التقاعد من الارتباط العضوي بكل فعاليات المجتمع المدني و بالمؤسسة القضائية بحكم الخبرة والتضلع والمهارة القانونية وعمق الاطلاع التشريعي مما اضفى على اللقاء نكهة قانونية خاصة كان مبدؤها التعريف باليات المراقبة في اطار قانون السجون ومدى فعالية هذه الالية بالإضافة الى التصور القانوني للسجن هل هو الية للعقاب ام للإصلاح ام لإعادة التأهيل معرجا بأسلوب الخابر المطلع على المشاكل المحيطة بالآليات السالفة الذكر والتي تطال مستويات الجنح وأنواعها والجرم وأنواعه والجزاء القانوني المقابل لكل منهما بالإضافة الى المراقبة القانونية و الادارية و العائلية والتقاطعات الحاصلة بينها معرجا على الاهمية الادارية والقانونية لسجل الاعتقال الذي يعتبر من اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية وليس النيابة العامة .مذكرا بالدور المفصلي للكتابة الضبطية بالسجن مشيرا الى ان المشرع منح لرئيس المحكمة الابتدائية حق التوقيع باعتباره سلطة قضائية مما يتوجب معه تفعيل اختصاصاته وصلاحياته المخولة له قانونا . مذكرا في مستهل عرضه بالمسؤوليات المنوطة بالسيد قاضي تطبيق العقوبات المتلخصة في مراقبة وضعية الاعتقال واقتراح العفو ومراقبة السجلات.مؤكدا على اهمية تفعيل السلطة القضائية لدورها ولسلطتها باعتبار الاثار القانونية المترتبة لاحقا على وضعية السجين داخل السجن وخارجه من خلال السجل العدلي وتبعاته الادارية والقانونية التي تطال المفرج عنه بعد سراحه مضيفا ان المراقبة العائلية تطال الجوانب المتعلقة بالإخبار والإشعار في حالا لنقل من سجن لأخر مركزا على دور جمعيات المجتمع المدني ونقابة المحامين واللذان يضطلعان بمهام أساسية في مجال الحرص على ضمان الحقوق المخولة للسجين قانونا وصد كل انحراف أو تجاوز في شأنها.اما على مستوى المراقبة الادارية فقد تطرق الاستاذ المومني لمجموعة من التعريفات القانونية المدققة للوضعيات الخاصة بكل من الادانة والاعتقال الاحتياطي والإكراه البدني مشيرا الى اهمية التحديد الاصطلاحي للنصوص القانونية خصوصا على مستوى الترجمة المحددة للمعاني والمصطلحات الشئ الذي يشكل حدا فاصلا في مجال بناء القناعة القانونية للسادة القضاة تجاه الملفات والقضايا المطروحة امامهم .مضيفا في معرض تدخله على الدور الاساسي للطبيب الملزم بفحص كل معتقل وارد على السجن لتحديد وضعه الصحي من خلال ملف طبي مصاحب له.منهيا عرضه بالإشارة الى لمجموعة من الملاحظات المتعلقة بعدم مصادقة المغرب على بعض الاتفاقيات الدولية الميسرة للسبل امام السادة القضاة لتحمل المسؤولية داخل المحكمة الدولية بالإضافة الى القضايا المرتبطة بالاكتظاظ والتصنيف داخل السجن ووضعية كبار السن والمرضى والبدائل الخاصة بالعقوبات القصيرة المدد والجنح الضدية والتأديبية والتعديلات التي يمكن ان تطال العقوبات من سنتين ا واقل . مداخلة الاستاذ مصطفى الشافعي ركزت في بدايتها على ضرورة الفهم المشترك لموضوع اصلاح السجون والالتفات لهذا الفضاء المغلق طارحا للنقاش واقع المد والجزر الذي يطال العلاقة بين جمعيات المجتمع المدني والمندوبية العامة للسجون بحكم الخلفيات المؤطرة لتصوراتها وأحكامها الجاهزة تجاه ادوار الفاعلين في المجالات الحقوقية والإنسانية مما ينعكس سلبا على الوضع الحقوقي بالمغرب ويؤثر على سمعته داخل المحافل الدولية والحقوقية بسبب عدم الالتزام الكلي باحترام المحددات الاساسية المعتمدة من طرف المنتظم الدولي على مستوى - صيانة الحقوق واحترامها عن طريق سلطة قضائية نزيهة - صيانة حرية الرأي والتعبير - ضمان المسار النزيه والشفاف لكل الاستحقاقات وبكل مستوياتها - ترسيخ اسس مجتمع فاعل لتعزيز الرقابة المجتمعية في مجال المساءلة مشيرا الى اهمية الرقابة الغير الرسمية للوضعيات التي تشكل نشازا ففي ظل المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب في العقد الاخيرمما يحتم ارساء مساحات ارحب لدور المنظمات الغير الحكومية للقيام بدورها في اتجاه احترام الحقوق المرتبطة بالمواثيق الدولية من طرف المسؤولين ليتحقق تصالح المغرب مع ذاته . مشيرا إلا أن الاستغلال السلبي للظروف بهدف اعادة العجلة لنقطة الصفر يعد عملا متجاوزا وغير منطقي خصوصا في مجال المكتسبات الحقوقية عامة وفي فضاءات السجون خاصة فالتوجس الحالي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول صدق النوايا وحول الاهداف الغير المعلنة تجاه الاوضاع المؤطرة للسجون مشددا على ان احترام القانون يعد مدخلا حقيقيا لتنظيم الحياة داخل المجتمع عامة وداخل السجون خاصة سواء في الاحوال العادية او الاستثنائية معا .معتبرا ان القانون الجنائي المغربي المحدد لأركان الجريمة ومدد العقوبات الموازية قد مر عليه اكثر من نصف قرن مما يجيز اعادة ترتيب الاوضاع والعلاقات على المستوى التشريعي والقانوني بما يتماشى والتطورات التي شهدها المغرب على المستوى الديمقراطي الشئ الذي يجيز تدارك كل الاعطاب القانونية بمعايير موضوعية وقابلة للتصريف على ارض الواقع للقطع مع ارث الحقب الماضية التي سادت فيها مجموعة من الاعاقات القانونية المعطلة لتصريف العدل بين الناس .مشيرا الى ان السجن لا يجب ان ينظر اليه كمؤسسة للتعذيب والقصاص النفسي والبدني وإنزال العقوبات المتجاوزة بل يجب ان تتغير النظرة والوظيفة تجاهه مما يدفع نحو بناء منظور جديد للمؤسسة السجنية يرقى بها من مؤسسة عقابية الى مؤسسة اصلاحية تقويمية .فطروحات المرصد المغربي للسجون والتي تعد مساهمة حقيقية مرتكزة على التحليل والمتابعة والرصد يمكن ان تشكل قاسما مشتركا مع كل المتدخلين في هذا المجال لانسنة السجون بالمغرب بناء على عدم هدر كرامة السجين ومصادرة انسانيته بسبب عدم احترام المواثيق الدولية في هذا الشأن ومنع منظمات المجتمع المدني من الاطلاع على واقع حال السجناء والحرمان من الرقابة الاجتماعية وتيسير اليات الادماج الاجتماعي والإسهام في بلورة السياسات العمومية وخاصة المرتبطة بالجزاء. فاستقراء هذه المحددات في بعدها الحقوقي والقانوني والاجتماعي يشكل تصورا صريحا ومنطقيا لتجاوز العلاقة المرتبكة بين المرصد والمندوبية العامة للسجون بسبب ردود الفعل المزاجية الغير المستحضرة للبعد الانساني والاجتماعي للمبادرات المطروحة من طرفه خصوصا اذا ما اعتبرنا اننا دولة المؤسسات الحريصة على ضمان الحقوق والواجبات طارحا للنقاش مجموعة من المقترحات كمداخل لتطبيع العلاقة مع المؤسسة السجنية بالمغرب متلخصة في 1 - ضرورة تقوية اليات الرقابة القضائية والبرلمانية اللجنة الاقليمية 2 - التركيز على ندية المجتمع المدني 3 - التطبيق السليم للقوانين 4 - اصلاح النصوص القانونية بما لايسمح بإمكانيات التأويل المزاجي مستحضرا في نهاية عرضه على أن القضايا المرتبطة بواقع السجون بالمغرب تتطلب استحضارا قويا للإمكانات التأطيرية والقانونية والاجتماعية ومأسسة حقيقية لفعل جمعوي حقوقي دافع نحو اصلاح واقع السجون فعلا وممارسة لتجاوز كل المعيقات الصادة لكل المحاولات الدافعة نحو انسنة حقيقية للمؤسسة السجنية بالمغرب . مداخلة الاستاذ عبد الوهاب الأشخم امتحت توط?9:28 صأتها من التأكيد على سن الديمقراطية بالمغرب على مستوى الفعل والممارسة معتبرا ان المستويات الحقوقية كل لا يتجزأ لضمان تعايش محترم للضوابط السلوكية والأخلاقية للأفراد والمجتمع مشيرا في هذا الاطار الى اهمية الادوار والصلاحيات التي يضطلع بها المشرع في تنزيل وتفعيل القانون بكل تجرد بعيدا عن الاملاءات والإسقاطات المحرفة للقانون مؤكدا في الاول والاخيرعلى ان السجين مواطن بالأساس يجب ان تصان كرامته وفق الالية القانونية والإجراءات التشريعية والإدارية والتنظيمية والتدبيرية المحددة للعقوبة والجزاء .معتبرا أن العدالة يمكن ان تخطأ مما يحتم توفير كل الشروط الضامنة للمحاكمة العادلة لتفادي كل الاثار المترتبة عن طريق الخطأ على المستوى النفسي وعلى مستوى نظرة المجتمع للسجين مما يشكل تدميرا حقيقيا لنفسيته ومستقبله داخل محيطه خصوصا اذا ما تم الاعتراف بان العقاب الاقسى للسجين يبدأ عشية الافراج عنه مما يعزز حالات العود بنسب مرتفعة تسهم في تردي الاوضاع داخل المؤسسات السجنية مشددا على ان الرعاية اللاحقة تعد من اهم الدعائم العلاجية لأوضاع السجين ووسيلة عملية للمساعدة على التكيف والاندماج لحماية المجتمع من كل ردود الفعل الناتجة عن اليأس والتهميش والإقصاء الاجتماعي والنفسي للسجين خصوصا مع ملازمة بيانات السجل العدلي له مما يعتبر عقابا بعديا للسجين برغم انهاء محكوميته مما يزكي توجهات المنظمات الغير الحكومية والهيئات الحقوقية على اعادة النظر في هذه الوضعية الملازمة للسجين والتي يترتب عنها مايترتب من حرمان قسري لحقوق المفرج عنهم اجتماعيا وأخلاقيا بحيث يجد السجين نفسه مفرجا عنه من سجن الدولة ليسجن بسجن المجتمع .مما يدعم التوجه الدافع نحو ايجاد بدائل قانونية مسايرة لروح ومنطق الواقع خصوصا فيما يتعلق بمجال الجنح العادية الممكن تعويضها بأنماط جزائية بديلة تتجاوز المفهوم التقليدي للعقاب في بعده الفلسفي والاجتماعي خصوصا اذا ما تم اعتبار السجون كآلية لتنميط وتطبيع السلوكات الجانحة المتمردة على القواعد الاجتماعية السائدة من خلال التكريس الالي والميكانيكي للعقاب دون الاخذ بعين الاعتبار للبعد الاجتماعي في هذا التكريس مما يعيد انتاج نفس الظروف المنتجة للإجرام وتطور الياته معتبرا ان توفر الارادة السياسية العقيقية للدولة ولعب المجتمع المدني لدوره كاملا سيشكل دفعا قويا لانسنة واقع السجون بالمغرب بعيدا عن المزايدات المحددة للموقف من خلال الموقع معتبرا ان الاشكالات المطروحة هي اشكالات مركبة ومعقدة ذات تقاطعات مرتبطة بالعديد من المستويات التدبيرية والادارية والقانونية على مستوى التنزيل والتفعيل الحقيقي للدستور مما يشكل معوقا حقيقيا أمام تجاوز كل الاختلالات ذات الصلة بتطبيق القانون واحترامه على كل المستويات. المداخلات التي أعقبت العروض أثرت النقاش الدائر حول واقع السجون بالمغرب وارتباطاته بواقع الحريات العامة وحقوق الإنسان واحترام المواثيق الدولية في هذا الشأن بالإضافة إلى التنصيص على وقف كل المظاهر المترتبة عن الانتهاكات والخروقات الحاطة بالكرامة الإنسانية الشيء الذي لا يتأتى إلا بتفعيل دور الرقابة القضائية على المؤسسات السجنية من طرف النيابة العامة وقاضي التحقيق وقاضي تنفيذ العقوبة بالإضافة إلى الرقابة الإدارية للجهة الوصية والرقابة المؤسساتية للجن الإقليمية وتوسيع صلاحياتها وتقوية دورها من خلال دمج المجلس الوطني لحقوق الإنسان بها.