في خطاب نادر له، هو الأول من نوعه منذ سبعة شهور، دعا الأسد إلى مؤتمر للمصالحة مع من لم «يخونوا» سوريا يعقبه تشكيل حكومة جديدة وإصدار عفو. مقترحا مبادرة سياسية لإنهاء النزاع في بلاده، متهما معارضيه في الوقت ذاته بأنهم «إرهابيون ودمى في يد الغرب». وأضاف الأسد في خطابه الذي ألقاه في دار الأوبرا بوسط العاصمة دمشق أن مبادرته لحل الأزمة تتضمن مراحل عدة، أولها التزام الدول المعنية وقف تمويل تسليح المعارضة، يلي ذلك وقف الجيش للعمليات العسكرية مع الاحتفاظ بحق الرد إن تعرض للهجوم، وإيجاد آلية للتأكد من إمكانية ضبط الحدود. وفي المرحلة الثانية تتم الدعوة لعقد مؤتمر يعمل على الوصول إلى ميثاق وطني يتمسك بسيادة سوريا ووحدة أراضيها ويرسم المستقبل الدستوري لها، ثم يعرض الميثاق الوطني للاستفتاء الشعبي، وتشكل حكومة وطنية موسعة، ويصاغ دستور جديد يطرح للاستفتاء ثم تنظيم انتخابات. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة تشكل حكومة جديدة وفقا للدستور وتجري مصالحة وطنية ويعلن العفو العام، يلي ذلك العمل على إعادة الإعمار. وترجع آخر تصريحات الأسد العلنية السابقة بشأن الأزمة إلى نوفمبر الماضي عندما قال في مقابلة مع التلفزيون الروسي إنه سوف يعيش ويموت في سوريا. ومنذ ذلك الحين سيطر مسلحو المعارضة على مساحات من الأراضي شمالي سوريا، وشكلوا مجلس قيادة شامل نال اعتراف الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن جهود المعارضة للسيطرة على المزيد من الأراضي داخل المدن الرئيسية وحولها، بما في ذلك العاصمة، واجهت مقاومة صلبة من القوات النظامية وكذلك ازدياد شدة الغارات الجوية المدمرة. وقد رفضت المعارضة هذا المقترح واصفة إياه بأنه محاولة للتشبت بالسلطة. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض وليد البني إن «كل ما يريد الأسد هو قطع الطريق على إيجاد تسوية سياسية قد تتمخض عن اللقاء الروسي الأمريكي المزمع مع مبعوث الأممالمتحدة إلى سوريا لخضر الإبراهيمي». ونقلت وكالة فرانس برس عن البني قوله «نحن قلنا عند تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بأننا نرغب بحل سياسي، لكن هناك هدف خرج السوريون من اجله، ودفعوا لأجله حتى الآن اكثر من 60 الف شهيد. السوريون لم يقدموا كل تلك التضحيات من أجل ان يعيدوا الاستقرار لنظام الطاغية» الذي يحكم سوريا. واعتبر البني أن خطاب الأسد موجه بالدرجة الأولى الى «المجتمع الدولي الذي يقوم بجهود حقيقية لإنضاج حل سياسي يؤدي الى تلبية طموحات الشعب السوري بإنهاء الاستبداد وعلى رأسه انهاء نظام عائلة الاسد». وأضاف ان الدعوة «تستثني الذين يثورون عليه» وهي موجهة إلى «من لا يثور عليه أو من يمكن ان يقبل بعودة الاستقرار لنظامه بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري». و على الصعيد الدولي توالت ردود الفعل على خطاب الأسد، و في هذا السياق أدانت الخارجية الامريكية خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي وصف فيه معارضيه بأنهم «دمى في يد الغرب»، وجددت الدعوة لتنحيه عن السلطة. ووصفت الخارجية الامريكية مبادرة السلام التي اقترحها الأسد بأنها «منفصلة عن الواقع» و»محاولة اخرى من النظام للتشبث بالسلطة». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية «فكتوريا نولاند « إن «مبادرة (الاسد) منفصلة عن الواقع، إنها تقوض جهود الوسيط الدولي الأخضر الابراهيمي وستكون نتيجتها الوحيدة استمرار القمع الدامي للشعب السوري». ومن جهته وصف وزير الخارجية البريطاني «ويليام هيغ» اقتراحات الأسد بأنها «وعود فارغة مفعمة بالنفاق». وقال إن العنف والقمع هما من صنع يدي الأسد. أما وزير الخارجية التركي فقد قال إن ما جاء في الخطاب هو «وعود مكررة ومفرغة من المضمون». وفي بروكسل قال متحدث باسم مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد «كاترين اشتون» إن الاتحاد «يدقق في خطاب الاسد ليرى إذا ما كان يتضمن شيئا جديدا لكن موقفنا واضح وهو ضرورة أن يتنحى الأسد ليتيح المجال لعملية انتقال سياسي». أما وزير الخارجية الألماني «غيدو فيسترفيله « فأعرب عن أسفه لخلو خطاب الرئيس السوري «من أي إدراك جديد لواقع ما يحدث في سوريا» وطالب بتنحيه لتشكيل «حكومة انتقالية». وقال الوزير الالماني في بيان إن «خطاب الاسد لا يعبر للأسف عن أي ادراك جديد وبدلا من تجديد نبرته العسكرية كان من الحري به إفساح المجال أمام تشكيل حكومة انتقالية وانطلاق سياسة جديدة في سوريا». وأضاف « أطالبه بألا يكتفي بأن يشرح لنا استعداداته الغامضة لوقف إطلاق النار بل بأن يتعهد بوقف أعمال العنف التي تقوم بها قواته». وشكل رد الفعل الإيراني نغمة نشاز وسط هذه الردود الرافضة، فقد رحبت طهران بالخطاب الذي ألقاه الاسد وقالت إنه - اي الخطاب - طرح «خطة سياسية شاملة» من شأنها حل الازمة التي تعصف بسوريا. ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية عن وزير الخارجية علي أكبر صالحي قوله «هذه الخطة ترفض العنف والارهاب والتدخلات الخارجية في الشأن السوري، وتحدد ملامح مستقبل البلاد من خلال عملية سياسية شاملة.» وحث صالحي القوى الدولية والاقليمية على دعم محاولات انهاء الازمة من خلال ما وصفه «بحل سوري.» وعلى الساحة العسكرية أفادت مصادر بأن القوات السورية حققت تقدما على الأرض في محيط مدينة معضمية الشام جنوب غرب دمشق، كما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن «قوات النظام أحرزت تقدما في مدينة داريا». من ناحية أخرى أعلن الجيش الأمريكي أن دفعة أولى من صواريخ باتريوت أرض-جو التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وصلت إلى تركيا تمهيدا لنشرها قبالة الحدود مع سوريا. وكان المرصد السوري لحقوق الانسان قد قال إن قوات الجيش السوري شنت هجمات برية وجوية الجمعة على مواقع قالت إنها للمعارضة في مناطق متفرقة من دمشق. واستخدمت القوات النظامية قاذفات القنابل لقصف دوما، الواقعة شمال غربي العاصمة في الوقت الذي أرسلت فيه تعزيزات عسكرية إلى مدينة داريا كما استهدف سلاح المدفعية مناطق جنوب غربي دمشق بحسب المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له. وتأتي هذه التطورات متزامنة مع إحصاءات صادرة عن الأممالمتحدة تقدر عدد القتلى جراء أعمال العنف والمواجهات العنيفة بين المسلحين والقوات الحكومية في سوريا بنحو 60 ألف قتيل.