ولد الكاتب الشيلي لويس سبيلفيدا عام 1949.عرف شهرة واسعة مع روايته الأولى» الشيخ الذي يقرأ روايات الغرام» التي صدرت ترجتها باللغة العربية. وهو أيضا رحالة ترجمت أعماله إلى ما يفوق25 لغة. نقدم هنا ترجمة كاملة لحوار معه يتحدث فيه عن كل شيء تقريبا يخصه كإنسان وكاتب. } تعبر رواياتك، خصوصا رواية « العالم في نهاية العالم» عن افتنان بالفضاءات الكبرى و العذراء في أمريكا اللاتينية، مثل الأمازون و باتاغونيا من أين جاء هذا الافتتان؟ إن ضخامة الفضاءات الممتدة هي بالنسبة إلي مرادفا للحرية. إن إمكانية التنقل داخل الفضاء تشكل دائما تحديا . إضافة إلى أن هذه الأراضي تجسد أيضا اللقاء بأمكنة حيث الطبيعة مازالت على حالتها الأصلية. } ماذا يمكن أن نتعلم من الهنود ال»شوارز» في الأمازون. لقد عشت معهم و استوحيت منهم رواية « العجوز الذي يقرأ روايات الغرام» ؟ تعلمت منهم أن الكائنات البشرية هي أيضا جزء من هذه الفضاءات الطبيعية . و الدرس الوحيد الذي استفدته منهم هو درس التنوع. فوجود هذه الشعوب الأصلية يبين أن التنوع ممكن . و هذا ما يدفعنا إلى حمايته. } و أيضا حماية البيئة.. ففي رواياتك نجد أن هذه الأراضي العذراء مهددة من طرف الإنسان. البيئة هي أيضا موضوعة مهمة... نعم إن قضية البيئة هي جزء من القضية السياسية بالمعنى الواسع ، إلى درجة أن الدول تطور طاقاتها الاقتصادية دون أن تجيب عن الأسئلة البيئية. و رغم أنني لا أعتبر قضية البيئة حركة سياسية .إنها جزء من كل. } في كتابك «جنون بينوشيي» تستشهد بقوله «غيماراز روزا» « أن تحكي يعني أن تقاوم» أنت من تقاوم اليوم؟ مثل كل الناس، أنا أقاوم الغباوة و السطحية و ديكتاتورية السوق. أقاوم إلغاء القيم الأساسية للإنسانية . إنني أقاوم كل ذلك. } أنت تصف مرحلتنا بكونها :» مواجهة بين العولمة و حقوق الإنسان» ما هو مصدر هذه المواجهة؟ إنه أمر معقد شرحه. أنا أؤمن بعولمة ممكنة ، هي عولمة حقوق الإنسان و العدالة. هي نشر القيم الصحيحة، مثل حقوق الإنسان و الحرية .لكن لحد الآن، فإن الشيء الوحيد الذي نحاول عولمته، هي تلك الإيديلوجيا التي تترك السوق تتخذ كل القرارات. في حين أنه من الواضح أن السوق هو العدو الطبيعي لحقوق الإنسان. هناك أشياء كثيرة لا مردودية لها ، ولا يمكن بيعها. الإبداع الفني، مثلا لا ثمن له . استقلالية القضاء أيضا لا ثمن لها ، لكن السوق يفترض أن كل شيء خاضع للربح. } هجرت «الشيلي» في عهد الديكتاتور «بينوتشي» بعد أن قضيت عدة سنوات في السجن. منذ ذلك الوقت و أنت تعيش في أوروبا. أي دور لعبه المنفى في أدبك؟ لم أتوقف عن الكتابة و أنا في المنفى لأن الكتابة هي وطني الوحيد. ورغم ذلك فالمنفى لم يكن له وزن مفرط في رواياتي. طبعا فأنا لم أتجاهله، لأن المنفى وجد ومازال موجودا. لكنه لم يكن عنصرا محددا في أدبي. إنه مشكل شخصي. } هناك أيضا موضوعة مهمة في أعمالك، هي موضوعة الذاكرة. لقد وصفت الشيلي بكونه بلد يعاني من مرض فقدان الذاكرة. كل البلدان التي عرفت حكما ديكتاتوريا، فرض عليها النسيان باعتباره مصلحة عليا. إن تجاهل التاريخ يدفع الناس إلى العيش في حاضر أبدي. بدون معرفة التاريخ لا يمكن أن نتخيل المستقبل من أجل تغيير الحاضر. إنه من الضروري حفظ الذاكرة لبناء المستقبل. } في كتابك « ابن أخت أمريكا» ، تحكي عن لقائك ب»بروس شاتوين»، الذي كانت له عدة مشاكل مع بلده، وأنت مثله . هل مازال الأمر قائما اليوم؟ لا.،. الشيلي اليوم بلد يعيش حالة استواء ديمقراطي، لقد تغير كل شيء منذ التسعينات. لقد أصبح للمجتمع آليات و طموحات أخرى. هناك حيوية اجتماعية تتغذى تحديدا من الذاكرة. } ألا توجد اليوم، رغم كل ذلك، آثارا خلفها نظام «بينوتشي» في المجتمع الشيلي؟ نعم، لقد وجدت تلك الآثار طيلة عدة سنوات فيما بعد، بسبب الضحايا و المختفون وكل الذين عانوا. إن الحقيقة الاقتصادية للشيلي هي أيضا من مخلفات الديكتاتورية . فإلى حدود سنة 1973 كان الشيلي يصدر منتوجات مصنعة، وقليلا من التكنولوجيا. أما اليوم فإن الشيلي بلد بلا تكنولوجيا، ولا يصدر إلا الفواكه ويستورد التكنولوجيا. ستدوم آثار الديكتاتورية مطولا. تحت حكم بينوشي، تمت خوصصة الاقتصاد الشيلي، لقد منحنا كهدية جزءا كبيرا من المقاولات إلى المستثمرين الأجانب ، وبسبب الرشوة منحت هذه المقاولات لعدد قليل من الناس. لقد كان الشيلي يتوفر على أفضل شبكة للسكك الحديدية في أمريكا اللاتينية. لكنها سلمت إلى مقاولة من شمال أمريكا. و اليوم، لا يملك الشيلي سككا حديدية. لقد انكبت أكبر الشركات الدولية على نهب الاقتصاد الشيلي بدون أدنى تردد. ونفس الشيء يحدث في الأرجنتين. أما الجيش فإنه لا يشكل أي خطر اليوم. } هل تعتبر وصول «ميشيل باشولي» إلى السلطة حدثا جيدا ؟ ما الذي سيتغير؟ لقد بدأ التغيير مع الرئيس «ريكاردو لاغوس « ( اشتراكي)، الذي بادر بإخراج قطاعي الصحة و التعليم من القطاع الخاص. اليوم، أصبح من الضروري تعميق الديمقراطية في الشيلي من أجل الوصول إلى ديمقراطية شاملة. إن تقدم الشيلي رهين بأن يكون لكل الشيليين الحق في التعبير. } هل ترى بأن وصول عدة حكومات يسارية إلى الحكم يمكن أن يقلب الورق في أمريكا الجنوبية ؟ خصوصا في مواجهة الإمبريالية الأمريكية؟ هذه نظرة أوروبية جدا للأمور. لا يوجد في أمريكا اللاتينية، باستثناء كوبا، سوى حكومتين يساريتين، حكومة»لولا» في البرازيل، و حكومة «ميشيل باشولي»، الحكومة الفنزويلية شعبوية، ولا أحد يعرف التوجهات السياسية ل»تشافيز». ونفس الشيء بالنسبة لبوليفيا. الرئيس الأرجنتيني « كيرشز» له نزعة «بايرونية «( نسبة إلى الرئيس الأرجنتيني «خوان بايرون». وهي نزعة عسكرية). أجد ذلك شيئا جيدا. لكن البايرونية هي نوع من الفاشية . إذن البانوراما ليست واضحة كما في أوربا. } ماذا يمثل السفر بالنسبة لك؟ إنه شكل من أشكال المعرفة . يزداد صعوبة يوما بعد يوم، لأن الناس يخلطون يوما بعد آخر بين السفر و السياحة . لذلك فكتب الرحلات هي غير محتملة . من الأفضل اليوم السفر في صمت للاستفادة من السفر. و على الخصوص لا ينبغي الكتابة عن السفر بعد العودة ! } ماهي منطقتك المفضلة في الشيلي؟ باتاغونيا. } و أي مكان تنصح به صديق فرنسي؟ أنصحه بالذهاب إلى الشمال، حيث صحراء «أتاكاما» هي مكان سحري. أما أقصى الجنوب، في باتاغونيا، فالمكان مخلوق للسفر، وليس للسياحة. و لحسن الحظ لا وجود لبنيات تحتية سياحية هناك! } سافرت كثيرا، وعشت في همبورغ ، واليوم أنت في إسبانيا، هل تعتبر نفسك مواطنا عالميا؟ أنا أعتبر نفسي مواطن المكان الذي أعيش فيه ، وأؤدي فيه الضرائب. لأنه في ذلك المكان توجد حقوقي. لكن من وجهة نظر عاطفية ، أنا مواطن عدة أماكن في العالم. } إذا طلب منك أن تعين صديقا فرنسيا للثقافة الشيلية، من هو الفنان الذي تكشف عن اسمه؟ في مدينة « نيس» يعيش موسيقي شيلي يدعى «لويس سالديفيا». وهو ملحن رائع وعازف على القيثارة. إنه يحيي سهرات في كل فرنسا. وعن طريق موسيقاه نعرف جيدا حقيقة الشيلي. أجرى الحوار وترجمه عن الاسبانية: جان فيليب دامياني