رغم أن مدينة الشماعية تحولت إلى فضاء لاستقطاب المواطنين، إلا أن هذا التحول لم ترافقه إستراتيجية وتخطيط محكم، يراعي المجال الحضري والنمو الديموغرافي الذي تشهده المدينة من طرف الجهات المعنية، ومن نتائج ذلك أصبحت المدينة تتخبط في مجموعة من المتناقضات أفرزت مشاكل لا حصر لها، من بينها انعدام البنيات التحتية والخصاص الملحوظ في المرافق العمومية والاجتماعية الأساسية لاسيما المتعلقة بتقديم الخدمات للشباب وعلى رأسها الملاعب الرياضية، مما انعكس سلبا عن أوضاع المدينة التي أضحت تجمع بين البداوة والتمدن في ظل انتشار البناء العشوائي والعربات المجرورة والكلاب الضالة التي تغزو كل مكان، بالإضافة إلى مشاكل النظافة، وضعف الإنارة العمومية، وقلة المساحات الخضراء وإهمال تلك الموجودة، فضلا عن المشاريع المتوقفة لسنين طويلة من دون أن تتحرك الفعاليات المحلية لتسريع وتيرة إنجازها، لوضع حد لمعاناة المواطنين. من خلال هذه الورقة، نقف عند أهم المشاكل التي تحول دون خلق المشاريع التنموية التي بإمكانها أن تساهم في التطور العمراني وتنمية مدينة الشماعية. اختلالات التأهيل الحضري لم تخرج مدينة الشماعية من عزلتها في عهد المجلس البلدي السابق أو الحالي، بعدما اتسمت بسوء التسيير والتدبير بسبب الاختلالات التي شابت مجموعة من المشاريع التنموية، مما فرض إيفاد لجن تفتيش مازالت تقاريرها غائبة عن أنظار الرأي العام المحلي والوطني. وبالمقابل، مازال سوء تدبير الشأن المحلي السمة البارزة التي تخيم على الوضع العام. شهدت المدينة بعض الأشغال المرتبطة بتأهيل البنيات التحتية، والمتمثلة في تبليط الأزقة والممرات العمومية. العملية مرت «ومازالت» بطرق عشوائية متناثرة هنا وهناك عبر أحياء المدينة، ولا تكاد تنتهي حتى تثار حولها الشكوك وتتحول إلى موضوع شكاوي المواطنين، حيث أن الإصلاحات شملت بعض الأحياء التي تم ربطها بقنوات شبكة الصرف الصحي في حين أقصيت أحياء أخرى.. بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية تبليط الأزقة لم تتم وفق الضوابط المتعارف عليها، إذ أنه في بعض الأحياء يفوق علوها أبواب المنازل، مما يسهل اختراق مياه الأمطار للمنازل، حيث يتبين بالملموس أن عملية تأهيل المدينة وبنياتها التحتية لا تحترم المساطر المعمول بها، مما يكشف بشكل واضح التلاعبات التي تحصل في الإصلاحات التي كلفت الملايين من السنتيمات دون أن يتحسن وجه المدينة. أطلال المجزرة البلدية الجديدة منذ إنشاءها سنة 2007 مازالت المجزرة البلدية الجديدة/القديمة الكائنة داخل أسوار السوق الأسبوعي خميس زيمة، لم تفتح أبوابها في وجه الجزارين، علما أنها التهمت مبالغ مالية قدرت بحسب مصادر مطلعة بحوالي 80 مليون سنتيم مولت من صندوق مالية الجماعة، والآن، وبعد مرور المدة الزمنية المذكورة، تحول هذا المرفق إلى أطلال يستعملها مرتادو السوق الأسبوعي كمراحيض لقضاء حاجاتهم، وقد ظهرت على هذه البناية شقوق وتصدعات على مستوى جدرانها بفعل عدم التقيد بما هو متفق عليه في دفتر التحملات بين المقاول والجماعة، مما ساهم في إتلاف جميع التجهيزات، حيث يتضح بجلاء أن العملية لم تكن سوى تلاعب بالمال العام، وتضييعه في مشروع عشوائي لا يحترم أدنى مواصفات المجازر المتعارف عليها، إذ أكدت مصادر «الاتحاد الاشتراكي» أن الاختلالات التي شابت عملية البناء تمثلت في عدم قيام المجلس البلدي بإعداد دراسة جيوفيزيائية حول تربة الأرض المخصصة لبناء المرفق المذكور. وأمام هذا العبث والاستهتار بالمال العام، أضحى هذا المرفق يتهاوى يوما بعد آخر، دون أن تتحرك الجهات المسؤولة عن الإقليم لوضع حد لهذا التسيب، كما أن المجتمع المدني ما فتئ يطالب بفتح تحقيق في اختلالات المرفق ومتابعة من له صلة بالموضوع. مفوضية الشرطة`المغلقة مازال الرأي العام المحلي يترقب بفارغ الصبر افتتاح أبواب مفوضية الشرطة، حيث كان الكل ينتظر الشروع في العمل الأمني بالمقر المذكور ، وبالضبط خلال منتصف شهر ماي الماضي تزامنا مع ذكرى تأسيس الأمن الوطني. وحسب مصادر مطلعة، فإن كل التجهيزات الأساسية التي يستلزمها العمل الأمني بالمدينة قد تم توفيرها بالمقر المشار إليه. ويذكر أن عملية إنشاء مفوضية للشرطة بالمدينة، جاء بعد مخاض عسير وبعد مطالب رفعها المواطن الشماعي منذ مرور عقد من الزمن، وتم إدراجها في أكثر من مناسبة بجدول أعمال دورات المجلس البلدي. كما أن العديد من الفعاليات الجمعوية والحقوقية نظمت مسيرة احتجاجية في الآونة الأخيرة طالبت من خلالها بافتتاح مقر مفوضية الشرطة في وجه المواطنين. إقبار مركز التكوين المهني أدى إغلاق مركز التكوين المهني بمدينة الشماعية، منذ ما يقارب لأكثر من 12 سنة، إلى تأزيم وضعية الشباب المنقطعين عن الدراسة، الأمر الذي ساهم في تعريض هؤلاء إلى الضياع والتشرد والانحراف. وجاء قرار إغلاق هذا المركز، بحسب مصادر مطلعة، نتيجة الخصاص الذي يشكو منه مركز التكوين المهني بمدينة اليوسفية في الأطر والمتدربين. وقد استبشر سكان الشماعية بتدشين مركز جديد للغرض ذاته على أرضية المسبح البلدي، لكن إقبار هذا المشروع بات يطرح أكثر من علامة استفهام في صفوف مكونات المجتمع المحلي، على اعتبار أنه أثار عدة تساؤلات، حيث كان من المنتظر أن يكون جاهزا منذ سنوات لو تمت الأشغال وفق ما كشفت عنه مصادر من عين المكان. وأمام هذا الواقع، يناشد سكان الشماعية الجهات الوصية على قطاع التكوين المهني، إلى ضرورة الإسراع في إنجاز المشروع من أجل ولوج أبنائها المنقطعين عن الدراسة إلى عالم سوق الشغل، بالنظر إلى ما قد يلعبه هذا المركز من أدوار أساسية والمساهمة في التقليص من البطالة والحد من الانحراف والإجرام الذي بات سمة بارزة على وجوه العديد من الشباب. وجدير بالذكر، أن مركز التكوين المهني بالشماعية كان في السابق عبارة عن كنيسة. كما ساهم، منذ إحداثه سنة 1981 إلى غاية إغلاقه، في تكوين ما يقارب حوالي ألف متخرج، 60% منهم اندمجوا في عالم سوق الشغل فيما 10% منهم أحدثوا مقاولات خاصة بهم. مشكل يؤرق السكان تعاني أحياء المدينة من غياب قنوات حقيقية للصرف الصحي، وذلك نتيجة افتقادها للمراقبة والتتبع منذ إنشائها، وبالتالي يطرح المشكل أكثر من علامة استفهام حول واقع تسرب المياه الشتوية والعادمة، لأن العديد من البالوعات متكسرة أو ممتلئة بالأتربة والأحجار التي تجرفها السيول رغم الأموال الباهظة التي تم صرفها. ويبقى أكبر مشكل تواجهه المدينة هو الاختناق الدائم لمجاري شبكة الصرف الصحي، خصوصا في فصل الشتاء، إذ تهاجم المياه الشتوية العديد من الدور السكنية. والغريب في الأمر أن قرار تجهيز أحياء المدينة، بشبكة الصرف الصحي اتخذ سنة 1987، وأنجزت الدراسة مابين 1987 و1995. وبالمناسبة، تم إبرام عقد مع صندوق التجهيز الجماعي لتمويل المشروع سنة 1996. وفى ضوء هذا، انطلقت الأشغال بتاريخ 23/11/1997 لتستمر سنة كاملة مكنت من تمديد الشبكة إلى 2396 مترا، بعدما كانت لا تتعدى 10226 مترا. وفي إطار برنامج محاربة آثار الجفاف، تم ربط بعض أحياء المدينة بشبكة الصرف الصحي علما أن الطول الإجمالي لهذه الشبكة يصل إلى ما مجموعه 39000 متر طولي. والخطير في الأمر أن الأشغال المذكورة لم تسلم من تجاوزات وتلاعبات، كشفت عنها العديد من المراسلات التي وجهها بعض المنتخبين إلى أم الوزارات التي لم تفتح تحقيقا في شأنها... ومن بين الملفات الأكثر لبسا، مشروع محطة تصفية المياه العادمة، الذي أعدم في المهد، وتم التكتم عليه وكأن شيئا لم يقع رغم أن هذا يصنف في خانة قمة التلاعب العام. وبالموازاة انطلقت أشغال إنجاز محطة تصفية المياه العادمة منذ أوائل أبريل 1998،إلا أن المشروع تعثر لأنه فوت سنة 1996 لمقاولة للأشغال العامة وليس لذوي الاختصاص، كما أن ملف هذه المحطة رافقته عدة اختلالات على مستوى تدبيره ومراقبة أشغاله. من جانبها، اتخذت السلطات الإقليمية، قرارا بتفويت قطاع الصرف الصحي للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب. وأمام هذا يطرح الوضع نفسه عدة أسئلة من بينها كيف أعطى رئيس المجلس انطلاقة ربط مجوعة من الأحياء بشبكة الصرف الصحي، في ظل قرار تفويت القطاع للجهات المذكورة؟ أليس هذا نوعا من تبذير المال العام...؟ في الحاجة إلى مخطط استعجالي من الصعب جدا حصر الحقائق حول الفساد في مدينة الشماعية وإحصاء الاختلالات، لكن الشيء الذي يجب ذكره هو تدهور الأوضاع في جميع المجالات، مما أضحى يشكل خطرا على استقرار الأمن الاجتماعي، حيث أصبح الوضع يزيد من غضب المواطنين يوما بعد يوم، ويتطلب من الجهات المعنية المساهمة في اقتراح مشاريع تنموية وبرامج إصلاحية، وكذا وضع مخطط استعجالي للنهوض بأوضاع المدينة والقضاء على مظاهر التهميش والفقر الاجتماعي والرقي بالحياة الثقافية والاقتصادية والرياضية... وبالموازاة مع ذلك، لم تشهد المدينة تقدما على مستوى التوسع العمراني وإنشاء تجزئات سكنية ،علما أن هاجس السكن قائم وساهم بدوره في ظهور العديد من الأحياء الهامشية بنيت بطريقة عشوائية لا تستجيب إلى أدنى شكل عمراني أو قانوني. الحلول خارج أجندة الجهات المسؤولة وللخروج بالمدينة من عنق الزجاجة، أصبح من المفروض على المجلس البلدي الحالي وضع تعاقد اجتماعي مفاده وضع مخطط محوري للرقي بالحياة العامة في المدينة ونهج سياسة تشاركية تجعل الجميع مسؤولين عن تدبير الشأن العام المحلي ، وتجعل من جميع مكونات شرائح المجتمع المدني مواطنين قادرين على الفعل من أجل التغيير رغم قلة الإمكانيات والإحساس بالمسؤولية الجماعية تجاه مستقبل المدينة. ولعل ما عانت منه المدينة، ولسنوات طوال، من ويلات الفوضى وسوء التسيير والتدبير والفقر يدعو الكل إلى التوحد والتواصل أكثر وخلق لجنة دعم موسعة للبحث عن الأفكار والاقتراحات البناءة القادرة على تغيير ملامحى وجه المدينة ، ولن يتأتى ذلك إلا بمبادرة من المجلس البلدي الذي هو أساس كل إقلاع تنموي وركيزة كل اتحاد جماعي بعيد كل البعد عن الصراعات الضيقة. جالسنا مجموعة من الشباب بأحد مقاهي المدينة يتجاذبون أطراف الحديث في أمور الحياة ويتأسفون على الوضع الذي آلت إليه المدينة، ويشعر هؤلاء الشباب بتذمر شديد بسبب المشاكل الكثيرة التي تعانيها المدينة. وفي هذا الإطار، يعلق أحد الشباب: شوف أخويا راه ما كاين ما يعجب في هاذ الشماعية، راهم خرجوا عليها. مضيفا: راه ما بقينا عارفين واش في بادية أولا في مدينة؟ هاد الشي راه بزاف. وتأسف متحدثا: راه المسؤولين دايرين عين ميكة أو ضاربين بعرض الحائط كل القوانين. شهادات حية عن ذلك يتحدث المواطنون بمرارة عن سوء تدبير الشأن المحلي بالمدينة التي عانت عقودا من التهميش في ظل سنوات النسيان التي تعرضت لها المدينة والتي جرت عليها كوارث التلاعب بالمال العام وتبديده في مشاريع ارتجالية، فالكل بمدينة الشماعية يتحدث عن غياب المسؤولين وعن مجلس بلدي ظل طيلة السنوات الماضية مكتوف الأيدي، وغائبا لا يقوم حتى بتزفيت الطرق وتأهيل الأحياء السكنية فبالأحرى القيام بمبادرات أخرى يقول احد المواطنين شهادات متطابقة لمجموعة من ساكنة المدينة، لا تكاد تختلف إلا في بعض تفاصيلها، تحدثت عن العيوب والأعطاب التي أصابت تدبير الشأن الجماعي، ساهمت في تفاقم الفقر والتهميش وإقصاء الكفاءات المحلية التي لم تجد سبيلا سوى البحث عن الهجرة إلى مناطق أخرى، بدل العيش في مدينة تفتقر إلى أبسط التجهيزات الضرورية والمتطلبات اليومية للمواطن تعددت أسماؤها والإشارة واضحة تعددت أسماؤها... إنها(الشماعية) المدينة الشبح الواقعة في تخوم منطقة أحمر جهة دكالة-عبدة الواقعة عبر المحور الطرقي الرئيسي الرابط بين مدينتي مراكش وآسفي ، وبالضبط ما يقرب عن الأخيرة بحوالي 69 كلم، حيث ظلت منذ عقود من الزمن تحت غطائها الإداري، ويبلغ عدد سكانها حوالي 24 ألف نسمة، لكن من الملاحظ أن هذا الرقم ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وذلك لعدة عوامل من بينها تمركز المدينة وسط منطقة فلاحية. هذا التموقع ساهم في ارتفاع الهجرة القروية إليها بحكم توالي سنوات الجفاف، الأمر الذي أدى إلى بروز عدة ظواهر اجتماعية مست أحياءها، وجعلها تجمع مابين طابع البداوة والتمدن في آن واحد، حيث أنتج هذا الوضع ظواهر التسول والتشرد والدعارة والاحتلال غير الشرعي والعشوائي لأماكن عمومية. إصلاح ما أفسده رموز الفساد عبر مداخل مدينة الشماعية، يعتقد الزائر أنه سيلج مدينة تتوفر فيها مقومات التمدن.. وبعد لحظات قليلة تبدأ هذه الأخيرة في الكشف عن وجهها الذي أضحى يشبه «عجوزا»: مساكن متناثرة هنا وهناك هجرها أصحابها إلى مدن أخرى غياب شبه تام للبنيات التحتية، شباب يحترف التسكع ويعاني البطالة، عربات مجرورة تغزو المدينة وتعرقل عملية السير، وضع اجتماعي كئيب... في مقابل هذا، يقف سكان هذه المدينة مشدوهين أمام مسلسل استنزاف إمكانياتها وخيراتها، وترييفها: مناظر تتكرر يوما بعد أخر، ترسم صورة السواد الأعظم، في حين يترقبون نفض الغبار عن تقارير لجن التفتيش التي زارت بلدية مدينتهم في أكثر من مناسبة. وبالموازاة، مشاريع التهمت الملايير دون أن ترى النور أو تقدم ما كان مرجوا منها... لم يكن أبطال الوضع سوى أشخاص اغتنوا على حساب هذه البقرة الحلوب التي ظلت قابعة وسط التهميش والإهمال الممنهجين، إنه باختصار وضع يطرح أكثر من سؤال في انتظار تحرك السلطات الإقليمية لتغيير واقع مزري نتيجة استمرار عقليات تحن إلى وقت عفا عنه الزمن، قفزت على مقاعد المسؤولية بطرق ملتوية أوكل لها السهر على تدبير الشأن المحلي في غياب تصورات تنموية واضحة تنقد المواطنين من براثن الفقر والتهميش والإقصاء. وقد شكل الإحساس بعدم المتابعة والمحاسبة درعا واقيا ل «رموز الفساد»، تمارس مجموعة من التجاوزات التي أشاعت منطق الاغتناء، بشتى الطرق والوسائل، بشكل علني، وبمباركة من الجهات التي تراقب عمليات التبذير والاستنزاف المالي، دون أن تكون لها القدرة على تحريك ساكن.