خبير فرنسي يشيد باحترافية الأجهزة الأمنية المغربية وفعاليتها في مواجهة التهديدات الإرهابية    البطولة الوطنية (الدورة ال22).. الشباب السالمي ينهزم أمام ضيفه نهضة بركان (0-4)    وضعية التحملات ومداخيل الخزينة.. عجز في الميزانية ب 6,9 ملايير درهم متم يناير 2025    رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية يؤكدون بالرباط رفضهم القاطع وإدانتهم «لكل مظاهر الانفصال ومدبريه ومنفذيه»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    ترامب: لا أفرض خطتي لتهجير الفلسطينيين.. ومصر والأردن فاجأوني برفضها    للمرة الثانية في أقل من شهر.. المغرب يرفض دخول برلمانيين أوروبيين داعمين لجبهة البوليساريو    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    في ندوة منظمة النساء الاتحاديات حول الخبرة الجينية وإثبات النسب .. الدعوة إلى ضرورة التزام المغرب بالتوصيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    الحسيمة.. توقيف شخص يشتبه في ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار في البشر    طقس بارد وأمطار وزخات رعدية متوقعة غدًا السبت بالمملكة    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    مصرع ستيني في حادث سير بطنجة بعد تعرضه للدهس    الكاتب العام لعمالة طنجة أصيلة يترأس اجتماعا للمصادقة على مشاريع "المبادرة الوطنية"    تصريحات وهبي تغضب "نادي القضاة"    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    قافلة صحية متعددة التخصصات وحملة للتحسيس بمخاطر بوحمرون بإقليم ورزازات    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة النرويج بمناسبة عيد ميلاده    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المحكمة الإدارية بالرباط ترفض التصريح بتأسيس "حزب التجديد والتقدم"    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بأصوات متعددة:
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 10 - 2012

كنت قد كتبت عمودا سابقا، عنونته ب»لعنة الفيس بوك»، قصدتُ منه أن أبين أن موقع التواصل العالمي، يحرم الكثيرين من فعل الحياة السوية، ويجعلهم يعوضونها بأفعال من قبيل وضع تأشيرة إعجاب هنا، أو رسم لشفتين في وضع قبلة هناك.. حتى لتصير الحياة بالنسبة لهم -هم الذين يقضون أكثر ساعات يقظتهم عليه-، خالية من نور الشمس وتعرق الجبهة وعبة الأوكسجين وخمرة القبل، ويحرمهم من فعل الحياة، ويعوضونه بأفعال خالية من العرق والتحسس والرائحة.. فتعوض تأشيرات الإعجاب أو وجه مجذوع أصفر القهقهة الصاخبة والعين الصادقة..
لكن ذلك العمود في اللعنة، لا يلغي مكتوبا آخر في المديح، فمعظم الذين يلعنونه هم فيه أصلا، وكثيرا ما تجد أحدهم يقول عبره أنه الموقع أخذ الكثير من وقته، وأنه يجعله عاجزا عن ضبط أجندة لوقته، أو يلهيه عن دراسته وأسرته، ويعلن صاحبنا آسفا أنه سيغلق حسابه على الموقع، ولن يعود له، لكنه ما يلبث أن يعود، غالبا في نفس اليوم، ما يفرض تأمل الجهة الأخرى بدل اللعن، والبحث عن الأسباب التي تجعل صاحبنا يعود بعيدا (قليلا أو كثيرا) عن رغبته.
وإذا كنا قد بدأنا بفكرة لفيلسوف الحياة نيتشه، ساعة كنا نلعن، فلا بأس من أن نعود له لمدح هذا الرابط المجمع، الذي ما ظهر إلا بعد أكثر من مئة سنة من وفاة فيلسوفنا، فيمكننا أن نأخذ من مكتوبه أيضا وأفكاره، لنمدح الفيس البوك، وليس فقط مرد ذلك أن فيلسوف القوة كتب أهم الأفكار عن الحياة والفرح والقوة والجسد... بل أيضا لأن الموقع العالمي الذي كان خاصا بطلبة هارفرد، وفتح للعوام من غيرهم في سبتمبر 2006، وأعلن في أكتوبر السابق أنه وصل لمليار مشترك ناشط، ما يعني أنه أكبر تجمع في العالم بدون منازع، ولعله أكبر تجمع فيه، إذا ما اعتبرنا التغيرات التي يرغم مشتركيه على تبنيها في وعيهم ولا وعيهم، والأوقات الطويلة التي يقضون عليه.
الفيس بوك فضاء للسرعة، وسرعة التنقل بين المعلومات مرده وفرتها، و يفترض ذلك من سكانه الاختصار، والاختصار ينتج طرق للكتابة هيال شذرات، وتكون قصيرة مركزة وذكية، تعيش لما يتناقلها الآخرون على جدرانهم، أو يعلقون عليها، أو فقط يضعون عليها تأشيرة الإعجاب، «الشذرة» تبقى في الأعلى، ويراها أصدقاء الأصدقاء، ويستفيد صاحبها من الانتشار، وتعميق نقاش فكرته، وإلا فلا ينتبه لها أحد.
والشذرة ليست فقط طريقة كتابة، بل طريقة ومنهج تفكير، لا يروم صاحبها -كما يعلمنا نيتشه- أن يكتب نصا طويلا منمقا مرتبا، بل هي مرافقة لما يمكن أن نوصفه بالالتماعات، أفكار في الرأس تلتمع سريعا، فينقلها صاحبها إلى مذكرته، كما كان نيتشه نفسه في غابات جنوب إيطاليا، أو الغابة السوداء في ألمانيا، الآن أزيحت المذكرة والدفتر لتظهر موضعه الهواتف الذكية، يقيدها صاحبها من أن تطير منه، ثم يجيء دور الفيس بوك أولا، ثم بقية مواقع التواصل الاجتماعي، لتنقلها لأصدقائه ومعارفه، وتدخل شذرته، (المرفقة بصورة أحيانا)، في عملية منتجة لتوليد شذرات جديدة، هو يفعل ذلك من الخلاء البعيد، وهم يفعلون ذلك من خلواتهم، ويقع تضارب الأفكار، دون الإضطار -فعليا- لكسر الاختلاء، وليس مضطرا ليوقف تفاعله مع الحياة والأشجار والطير وكل شيء حوله، ليتفاعل مع الآخرين، بل الموقع يسجل كل ذلك لوقت لاحق.
وبذلك تكبر إمكانيات التراكم والإغناء والحياة، بنفس الوسائط الذي كنا قد علقنا بأنها تمنعه الحياة والتراكم والإغناء، في دليل على فكرة أخرى مفادها أن التكنولوجيا دائمة تصحيح ذاتها، والجهاز الذي كان كبيرا يضطرك للجلوس وقضاء الساعات، صار هاتفا ذكيا، حجمه أصبح بعض غرامات، تضعه في جيبك، ولا يمنعك من الانطلاق لاكتشاف العالم، بل وأيضا يعينك، فيوفر عليك خرائطا سهلة بالعالم أجمع، وشبكات بمضيفين محتملين حيثما ذهبت، وداعمين ومشجعيين في بيوتهم ومكاتب أعمالهم.
ومثال ذلك أني الآن وأنا جالس مطمئن إلى مكتبي، أتابع رحلة بدراجة لصديق افتراضي، في الجنوب الشرقي للمغرب، يتابعه معي عشرات الأصدقاء-الإفتراضيين بدورهم-، يكتب لهم من إلتماعاته، ويستشيرهم فيم عن له، ويصور لهم ما أذهله، فرحا بجسده وبلده والحياة.
ويربطك الفيس بوك أيضا بأولئك الذين تجمعهم معك نفس الاهتمامات، فيقلص الإحساس بالعزلة، ويشجع على التنوع والاختلاف، فتحركات وأفكار كانت في السابق جريمة، صارت اليوم مع الفيس بوك تطأ الساحة العمومية، وتقويها، بعد أن تتنظم في تلك الساحات المفترضة الخاصة، من مجموعات مغلقة فيه أو في البالتولك أو غيرهما.
يكفي أن تقترح فكرتك، الحاسم في ذلك ليس إمكانياتك المادية ولا دبلومات تخرجك، اطرح أفكارك، أنشأ صفحة جديدة بها، واستدعي أصدقائك.. إن كانت فكرة مبدعة، وطرحتها بطريقة منظمة وأنيقة، يتباناها معك الآلاف، وإلا تنطفئ ولا يذكرها أحد، وعليك أن تحاول طرحها بطريقة مختلفة، تعدل الذات أو الموضوع أو كلاهما، لن يلغك أحد، ولا أحد ينقط لك أو يمارس عليك الوصاية من أي شكل، فقط أبدع وقدمها بالطريقة الأنيقة.
يمكننا أن نضع في مدح الفيس بوك مئات المقالات والأعمدة، كما في لعنه، فهو يوفر لنا حياة وحياوات غنية، يزيد في غناها التقاطع بينها، أعتقد أنه ما وفر واقعا غير الواقع، بل هو افتراضي يبقى يستحق المدح ما كان داعما لا بديلا، يجمل الواقع ويكمله ويحسن شروطه وتفاعلاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.