في شارع "فيرمونت" بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، يقع مبنى صغير أحمر ملحق بكنيسة القديس "لوثر" تتحلق حوله عدد من النساء الأمريكيات من أصول إفريقية يحملن أكياسا بلاستيكية صغيرة. كانت النساء تتبادلن أطراف الحديث بصوت خافت وهن تنتظرن دورهن للدخول إلى المبنى واسمه "ملجأ القديس لوثر" للحصول على الطعام والرعاية الصحية. سامنتا كريغ، أمريكية من أصول إفريقية في منتصف عقدها الخامس، كانت ترتدي سروالا داكنا وسترة سوداء وتحمل عددا من الأكياس البلاستيكية الصغيرة بداخلها ملابس ومعلبات. قالت إنها جائعة ولم تتناول أي شيء منذ يوم أمس وإنها جاءت للملجأ لأنها فشلت في تدبير طعامها. "فقدتُ عملي كبائعة في محل للعطور منذ سنوات ومن ثم فقدت بيتي وكل ما كنت أملك. أصبحتُ مشردة أسأل الناس المساعدة إلى أن أخبرتني إحدى الصديقات بأمر هذا الملجأ الذي يقدم الطعام للنساء من أمثالي"، هكذا تحدثت سامنتا بنبرة حزينة. وأضافت أنها فقدت الأمل نهائيا في الحصول على عمل واستسلمت لواقعها الجديد كمشردة، بسبب تدهور الاقتصاد الأمريكي وفقدان الكثير من الناس لوظائفهم يوما بعد يوم. في شارع "فيرمونت" بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، يقع مبنى صغير أحمر ملحق بكنيسة القديس "لوثر" تتحلق حوله عدد من النساء الأمريكيات من أصول إفريقية يحملن أكياسا بلاستيكية صغيرة. كانت النساء تتبادلن أطراف الحديث بصوت خافت وهن تنتظرن دورهن للدخول إلى المبنى واسمه "ملجأ القديس لوثر" للحصول على الطعام والرعاية الصحية. سامنتا كريغ، أمريكية من أصول إفريقية في منتصف عقدها الخامس، كانت ترتدي سروالا داكنا وسترة سوداء وتحمل عددا من الأكياس البلاستيكية الصغيرة بداخلها ملابس ومعلبات. قالت إنها جائعة ولم تتناول أي شيء منذ يوم أمس وإنها جاءت للملجأ لأنها فشلت في تدبير طعامها. "فقدتُ عملي كبائعة في محل للعطور منذ سنوات ومن ثم فقدت بيتي وكل ما كنت أملك. أصبحتُ مشردة أسأل الناس المساعدة إلى أن أخبرتني إحدى الصديقات بأمر هذا الملجأ الذي يقدم الطعام للنساء من أمثالي"، هكذا تحدثت سامنتا بنبرة حزينة. وأضافت أنها فقدت الأمل نهائيا في الحصول على عمل واستسلمت لواقعها الجديد كمشردة، بسبب تدهور الاقتصاد الأمريكي وفقدان الكثير من الناس لوظائفهم يوما بعد يوم. مرحلة مؤقتة أم واقع جديد في أمريكا؟ سامنتا ليست المرأة الوحيدة التي فقدت وظيفتها وتغير حالها من امرأة عاملة تملك شقة وسيارة وتعيل نفسها إلى مشردة لا تملك ما تسد به رمقها ولا سقفا يأويها في ليالي الشتاء القارسة، فحسب إحصائيات رسمية لمعهد الإحصاء الأمريكي فإن عدد الفقراء في أمريكا فاق 46 مليون شخص ، كما تراجع دخل الفرد الأمريكي بشكل غير مسبوق. كما خلصت دراسة أخرى أجراها معهد "بروكينغز" إلى أن نحو 40 بالمئة من السكان الذين يقطنون المناطق الفقيرة، يعيشون تحت خط الفقر وأنهم يتركزون في الولايات الجنوبية. ووصف عدد من المراقبين هذه الأرقام بالصادمة والمخيفة، من بينهم الخبير الاقتصادي توني أفيرغان من معهد السياسات الاقتصادية EPI الذي قال في اتصال مع موقع "راديو سوا" إن الاقتصاد الأمريكي يشهد أزمة خانقة، لكنه نبه إلى أن أمريكا مرت بأزمة أسوأ خلال مرحلة الركود الكبير. وقال إنه "يجب ألا ننسى أن الولاياتالمتحدة مرت بظروف اقتصادية صعبة للغاية بعد الحرب العالمية الثانية، وأن الظروف كانت أسوأ بكثير آنذاك. العالم أجمع يمر بأزمة اقتصادية عميقة حاليا وخصوصا أوروبا حيث تعاني اقتصادات بعض بلدانها أزمة أعمق". وأعرب أفيرغان عن اعتقاده بأن الاقتصاد الأمريكي سيشهد المزيد من التدهور خلال الفترة المقبلة، بسبب تداعيات الجفاف الذي تعاني منه أمريكا حاليا وتراجع الاستهلاك المحلي وارتفاع نسبة البطالة، قبل أن يتعافى مجددا إن توفرت الشروط الملائمة لذلك. وتَظهر تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تشهدها امريكا جلية في منطقة واشنطن الكبرى، حيث تصادفك أعداد من المشردين أمام محطات المترو، كما باتت صور المتسولين الذين يقفون في مفترقات الطرق ويحملون لافتات يستجدون من خلالها المساعدة المالية، منظرا مألوفا أيضا. شظايا الأزمة تصيب المهاجرين العرب وأرخت الأزمة الاقتصادية الحالية بظلالها القاتمة على المهاجرين العرب في أمريكا أيضا. فيصل صماكة، شاب مغربي في نهاية العشرينات من عمره هاجر إلى ولاية فيرجينيا قبل سنة ونصف وقضى أكثر من نصف هذه المدة، وهو يحاول العثور على عمل مناسب لكنه فشل في ذلك وأصيب بإحباط شديد. وقرر فيصل مؤخرا التسجيل في الجامعة بالموازاة مع بحثه عن العمل الذي هاجر في سبيله إلى هذه البلاد. قال فيصل "لقد تركت أسرتي التي أحبها كثيرا في مدينة تازة المغربية وجئت إلى أمريكا أملا في الحصول على عمل جيد وبناء مستقبل أفضل، لكنني صُدمت بالواقع المرير الذي أصبح يعيشه الأمريكيون بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادهم". وأضاف فيصل في تصريح لموقع "راديو سوا" أنه قرر التسجيل في جامعة "نوفا" من أجل الحصول على شهادة جامعية تساعده في الحصول على عمل جيد مستقبلا لأن الأعمال المتوفرة حاليا للمهاجرين من أمثاله لا يتجاوز دخلها ستة دولارات في الساعة، في حين يصل الحد الأدنى للأجور في أمريكا إلى سبعة دولارات و25 سنتا للساعة الواحدة. ومضى فيصل يقول بلهجة منكسرة "أتابع دراستي الجامعية حاليا وأعمل بنصف دوام في شركة صغيرة للتموين تابعة للجامعة بعدما فشلتُ في العثور على عمل مستقر وجيد طوال الشهور الماضية". مؤشرات صادمة وأفادت آخر الأرقام التي نشرها معهد الإحصاء الأمريكي (إحصاء 2010) بأن واحدا من بين كل سبعة أمريكيين فقير، وأن نسبة الفقر تكاد تبلغ 15 في المئة من سكان الولاياتالمتحدة. ووصف الخبير الاقتصادي توني أفيرغان هذه الأرقام بالصادمة، وأفاد بأنه شاهد مظاهر البؤس الشديد في عدد من مدن ولاية تينيسي التي زارها قبل أسبوع وقال إنه "في الولايات الجنوبية يمكنك فعلا أن تلمس مظاهر الفقر. لقد شاهدت أمورا صادمة تثير الغضب في ولاية تينيسي، إنه أمر محزن وصادم أن يحصل كل هذا الفقر في واحدة من أكثر دول العالم ثراء". ومن ناحيتها قالت آن مكريدي وهي مديرة البرامج في ملجأ "إن ستريت" بالعاصمة واشنطن إن عدد الفقراء والمشردين الذين يقصدون الملجأ ارتفع بشكل ملحوظ منذ عام 2008. وأضافت أن "الإحصائيات المتوفرة لدينا تفيد أن عدد المشردين في العاصمة واشنطن ارتفع بنسبة 15 في المئة منذ 2008 ما يعني أن واحدا من كل 100 شخص يسكنون في واشنطن بات مشردا، كما ارتفع عدد النساء الفقيرات اللائي يستفدن من خدمات الغذاء والرعاية الصحية بنسبة 39 في المئة". وقالت إنه بالتزامن مع ارتفاع نسبة الفقر، تراجعت نسبة التبرعات الخيرية بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية. وأضافت مكريدي في اتصال مع موقع "راديو سوا" إن ملجأ "إن ستريت" غيّر استراتيجيته المالية للسنوات الأربع القادمة بسبب تراجع قيمة التبرعات خلال السنتين الأخيرتين وقرر استعمال الاحتياطي المالي الذي يخصصه عادة للحالات الطارئة. وتوجد مواقع متعددة على شبكة الإنترنت ترصد مؤشرات الفقر في الولاياتالمتحدة، يأتي في مقدمتها موقع Bread الذي يفيد بأن طفلا واحدا من بين كل خمسة أطفال في أمريكا يعاني من خطر المجاعة وأن هذه النسبة تصل إلى واحد من كل ثلاثة أطفال في صفوف الأقلية السوداء والأقلية اللاتينية أو ما يطلق عليهم في أمريكا "الهيسبانك". وبدوره يتوقع معهد "إيربن" أن يعيش أكثر من نصف الأمريكيين بعد سن 65 عاما تحت خط الفقر، مشيرا إلى أن 44 في المئة من الأطفال الأمريكيين يعيشون حاليا وسط عائلات ذات دخل محدود تعجز عن توفير الحاجيات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم. وتعتبر الحكومة الأمريكية أن كل شخص يعيش في أسرة تتكون من أربعة أشخاص لا يفوق دخلها السنوي 22 ألف دولار فقيرا. مذكرات صحافية عندما حملتُ مسجلتي وقصدت ملجأ "لوثر" في العاصمة واشنطن الأسبوع الماضي لجمع المعلومات حول ارتفاع مؤشر الفقر في أمريكا، توقعتُ أن أشاهد مظاهر البؤس والحاجة لكنني صدمتُ كثيرا بمستوى الفقر الشديد في واشنطن وحالات نساء معدمات لا يملكن ما يسد رمقهن ويفترشن الأسمال بالشوارع العامة بعدما فقدن وظائفهن وكل ما يملكن. الحديث مع سامنتا كريغ كان مؤلما لأن تلك السيدة التي كانت تلتهم حساءها وقطع الجبن والخبز المحمص بسرعة فائقة، وهي تشرح لي وضعها المزري ليست وحيدة، بل كانت هناك نساء كثيرات تختلف قصة كل واحدة منهن لكن النهاية كانت هي نفسها: التشرد. مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أمريكا باتت في كل مكان: المطاعم التي تبحث جاهدة عن زبائن، والمشاريع الاقتصادية الصغيرة التي تقفل أبوابها تباعا، والمنازل التي يتخلى أصحابها عنها بعدما عجزوا عن دفع أقساط الديون الشهرية، والإقبال الشديد على "الكوبونات" (بطاقات الخصم المسبق) التي "يتسلح" بها المتسوقون في المحلات التجارية والتخفيضات المبالغ فيها التي تعلن عنها الأسواق التجارية. لن أنسى أبدا ذلك المشرد الذي صادفته في مطعم ماكدونالدز المجاور لإحدى بنايات وزارة العدل في واشنطن: شيخ هزيل يرتدي قميصا رثا بشعر رمادي طويل غير نظيف. قال إنه محارب سابق وإنه فقد بيته وسيارته بعدما فقد وظيفته واضطر للمبيت تحت الجسور ليلا، واستجداء الناس نهارا لشراء الغذاء. حكى لي هذا الشيخ قصته المؤثرة ثم طلب مني بعد ذلك دولارات كي يشتري شايا مثلجا وبيرغر من ماكدونالدز. منحتُه الدولارات وتذكرتُ فقراء العالم الثالث الذين يتسولون لشراء قطعة خبز يسدون بها رمقهم ورمق أبنائهم فهم لا يحلمون أبدا بتناول وجبة طعام من ماكدونالدز، إنه الفقر على الطريقة الأمريكية! وتذكرتُ أيضا الملايين حول العالم الذين يحلمون بالهجرة إلى الولاياتالمتحدة، أرض الأحلام في نظرهم، دون أن يعرفوا أن الأزمة الاقتصادية حولت أحلام الكثير من الأمريكيين إلى كوابيس.