«صلوات مستجابة» هو عنوان رواية للكاتب الأمريكي «ترومان كابوت». وهي رواية شهيرة في مسار الكاتب، كما في مسار الأدب الأمريكي الحديث. وهذ الشهرة متأتية من كون هذه الرواية جعلت من «كابوت» كاتبا غنيا ومشهورا بشكل لم يكن منتظرا. ففي سنة 1966 وقع الكاتب مع دار نشر «راندوم» عقدا لكتابة رواية ستحمل عنوان» صلوات مستجابة»، بموجبه تقاضى «كابوت» مبلغا نقديا كمقدم على حقوق المؤلف بلغ خمسة وعشرون ألف دولار. أما تسليم المخطوط فقد تحدد في فاتح فبراير سنة 1968. أي أن الروائي سيكتب روايته في ظرف سنتين. وقد أعلن «كابوت» حينها أن هذا العمل الأدبي سيكون معادلا معاصرا لرائعة بروست «البحث عن الزمن الضائع». إذ أن عمله سيتناول العالم الضيق لحياة البورجوازية والاجتماعية لأثرياء أوربا والضفة الشرقيةالأمريكية. بفضل رواية «صلوات مستجابة» كانت سنة 1966 تاريخا عظيما بالنسبة لكابوت. فبعد خمسة عشر يوما من توقيع العقد نشر رواية «بدم بارد» التي نالت شهرة كبيرة واستقبلت بحفاوة من طرف الوسط الأدبي الأمريكي. وفي الأسبوع التالي، ملأت صورة المؤلف مختلف المجلات، وتناولت العديد من الصحف وملاحق يوم الأحد روايته الجديدة بالنقد والتحليل. والنتيجة أن هذا العمل الأدبي بيعت منه ثلاثة آلاف نسخة وظهر طيلة أربعين أسبوعا على لوائح الاعمال الادبية الأكثر مبيعا وشهرة. وما كادت تحل نهاية السنة حتى تجاوزت أرقام مبيعاتها حتى الكتب الأخرى في التخصصات المختلفة. والرواية اليوم مترجمة إلى عشرات اللغات، وبيع منها خمسة آلاف نسخة في الولاياتالأمريكيةالمتحدة فقط. في نفس السنة، أعطى «ترومان كابوت» حوارات صحفية وتلفزية عديدة. فقد أصبح حاضرا في كل مكان، حتى في اليخوت، وفي إقامات قروية في العطل، في متعة ثروته وشهرته. غير أن الرواية المختلفة «صلوات مستجابة» خضعت أيضا لطريقة مختلفة في الكتابة لم يسبق لترومان كابوت أن اتبعها في أي من رواياته. يقول في مقدمة رواية» موسيقى للحرباء» إنه كتب الفصل الأول، ثم الفصل الخامس، ثم السابع، ثم الفصل الثاني وباقي الفصول الأخرى التي كتبت بطريقة سادتها الفوضى. إلى درجة أنه يمكن القول إن الكاتب لم يكن يعرف ماذا يفعل بالضبط. وهي طريقة في الكتابة مختلفة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار حبكة الرواية التي تتطلب تتابعا مسترسلا. «صلوات مستجابة» كانت مختبرا روايئا كبيرا لترومان كابوت. بفضلها جرب العديد من تقنيات الكتابة الروائية. يقول: إنه كان يستعمل أي شيء وكل شيء يقع بين يديه. لكنه توفي قبل أن يتم كتابتها. ونشرت أجزاء كثيرة من الرواية رحيله. تحدثنا عن «صلوات مستجابة»، وكان يمكن أن نبرز عناوين روائية كثيرة من الأعمال الروائية العالمية التي كانت وراء اغتناء وشهرة العديد من الكتاب. و إضافة إلى الجهد والتعب الذي يؤديهما الكاتب مقابل كتابة فصل أو جزء، و إلى تلك المبالغ المالية التي يقدمها الناشر للكاتب مقابل كتابة الرواية، و إلى مطاردة الصحفيين للكاتب طمعا في حوار أو تصريح أو ندوة. كل ذلك لا يمكن تقديره بأي ثمن. فالمجد الأدبي لا يباع ولا يشترى. وهو يتحقق في اكتمال العلاقة السحرية التي تربط بين الناشر والكاتب والصحافة والقراء ومؤسسات الأدب المختلفة. في مقابل ذلك، ما هو سعر رواية ترومان كابوت «صلوات مستجابة»؟ إنه سعر زهيد جدا، مقارنة مع المبالغ المالية التسي صرفت في سبيل إنتاجها. و إنه مهما بلغ ارتفاع هذا السعر، فمسار خروج هذه الرواية العظيمة إلى الوجود، والزلزال الذي أحدثته في الأدب الأمريكي والأوروبي فيما بعد، والمبالغ الباهظة التي صرفها الناشر على الكاتب وعلى ظروف إنتاجه للرواية، لا يمكن أن تصورها. هذا مثال من أمثلة كثيرة سقناه للإشارة إلى ان العلاقة السليمة بين الناشر والكاتب هي شيء مهم في سياق الكتابة. كما أن التزام الكاتب بعالمه وبعمله وبدوره شيء محدد أيضا. هذا هو الدرس الذي تقدمه هذه الرواية التي أغنت كاتبا و أغنت جنسا أدبيا. وتشير الأرقام أن المغرب أصبح يحتل بين يونيو 2011 ومارس 2012، المرتبة 35 عالميا، بما يقترب من رقم الأربع ملايين ونصف مليون مشترك، ما يستلزم بالموازاة تغييرا عند المغاربة وخاصة الشباب منهم، في طُرق التواصل والتفاعل والكتابة والتعبير ليست مشابهة على الإطلاق لتلك التقليدية، ما يقتضي البحث في حجم انتقال الثقافة المغربية؛ نماذج ومؤسسات، إلى استغلال هذا الموقع وأشباهه (تويتر مثلا). ونحن هنا لا نتحدث عن ثقافة الفيس بوك بالضبط، فذلك مجال طويل عريض، كتبت فيه الأطروحات والكتب، بل نحن نكتفي بالحديث عما يمكن أن نسميه (إن صحت التسمية)، «فسبكة الثقافة المغربية»، أي حدود جعل الثقافة والابداع المغربيين، شيئا موجودا ومتاحا على هذه الجزيرة، التي يسكنها سدس سكان المغرب وشبابه. وسنكتفي بصفحات معينة، قد تعطي نماذج تقريبية عن الحال، بعضها لمؤسسات ثقافية قائمة، وبعضها لمجموعات لا أساس لها في عالم الواقع، وأيضا لشخصيات ليست محبة للصور وبهرجة الطبعات المصقولة، بل تكتفي بالأنترنت ومستويات انتشاره. في تعريف الصفحة: الصفحة غالبا يتم إنشاؤها من معجبين بالشخصيات الثقافية والفنية، ولا تقف وراءها تلك الشخصيات بشكل مباشر عموما، بل يتطوع أحدهم (غالبا لا يعلن عن اسمه)، إكراما لكاتب يحبه أو لكتاب أمتعه، فينشئ صفحة، يتقاسم فيها مع منتسبي الصفحة مادة يومية (أو أي وتيرة اختار)، فيتفاعل معه أولئك المنتسبين، وينشرون المادة على جدرانهم ?في حالة أحبوها-، ما يراه آخرون ثم آخرون، فيؤشرون على اعجابهم بالكاتب موضوع الصفحة، وتزيد وثيرة كتاباته (في أجمل العوالم الممكنة). شروط النجاح: يعد شرط وضع المادة بانضباط، كل يوم أو يومين شرطا أساسيا، كما أن شرط التخصص أساسي، وإلا فكلما انفتحت الصفحة للمادة المختلطة، كلما زادت امكانيات فشلها، والفشل على الفيس بوك ليس شيئا آخر غير العجز عن الانتشار والتأطير، فيجمد انتشارها إن لم يتم غلقها من طرف الإدارة المشرفة.. أما اذا كانت منظمة في الوقت، وتحتوي معلومات مرتبطة باهتمامات محبي الصفحة، فإنها تنتشر أكثر من غيرها. المكتبة الوطنية للمملكة: وعلى الرغم من امكانيات المكتبة الهائلة، فإن صفحتها على الموقع تبقى ضعيفة، بما يؤشر على عدم وجود فريق متخصص تشرف عليها (كما حال مؤسسات ثقافية أخرى دولية)، فالمادة الموضوعة ليست تتابع أنشطتها الدورية، ولا تخبر المتابعين عن الأجنحة والمعارض والكتب، فتجد في احداها فقط شكوى طفلة (يبدو أنها في سن الحادية عشرة)، تستنكر حرمانها من حق التسجيل في المكتبة؛ ونشير إلى أنه نظريا الفيس بوك لا يقبل منتسبين صغار أيضا. هذا الفراغ أدى إلى تطوع مبادرين قاموا بإنشاء صفحات لنفس الغرض، وبنفس الاسم، وبدؤوا فعليا في متابعة الأنشطة في المكتبة الأضخم في المغرب، لكنهم سرعان ما تكاسلوا عن المتابعة، ولم تعد الاخبارات والمادة التي يضعون بالوثيرة المنضبطة. المنتسبون لهذه الصفحة هم 2000 عضو. مكتبة الفناك- المغرب: الفرع المغربي لهذه المكتبة العالمية، يشتغل بالمعايير الاحترافية المفترضة، إذ المتصفح للصفحة، سيجد معلومات وصور ?بالفرنسية-، عن كل ما يتم في المكتبة، وما تحتويه من أنشطة وحوارات وحفلات، بالصورة غالبا والفيديو أحيانا، ويتفاعل فيها المشرفون مع المنظمين أول بأول، ويجيبون عن أسئلتهم، ويستغلون اقتراحاتهم.. المنتسبون للصفحة يبلغ عددهم 47.000 عضو. صفحات المثقفين المغاربة: -العروي نموذجا- تؤكد صفحة الأستاذ عبد الله العروي أول ما يدخلها الزائر، أنه لا علاقة لها بالأستاذ العروي مباشرة، وإن كانت المادة التي توضع فيها هي عن كتاباته ومقالاته وما كتب عنه، بعد أن تقدم سيرة علمية مختصرة له، ويلاحظ الزائر أنها تُكتب بطريقة تشاركية، فكلما وضع أحد الزائرين رابطا بمقال أو كتاب، يتم غالبا تبنيه من طرف الصفحة ويعاد نشره. مرتادي الصفحة يضعون أسئلتهم للتداول، وينسخون نصوصا قصيرة من الكتب، أو حتى يتناسخون روابط كتب فيما بينهم. عدد منتسبي الصفحة هو خمس آلاف مشترك، وهذا الرقم الذي يعد كبيرا بالنسبة لمعظم أسماء الكتاب المغاربة، فهو صغير بالمقارنة مع كتاب آخرين أجانب وحتى عرب، يمكننا مثلا أن نشير إلى صفحة الروائي الجزائري واسيني الأعرج، التي تضم أكثر من 200.000 منتسب. شخصيات ثقافية افتراضية: -الدُغبوش نموذجا- الكثير من الأدباء الشباب، لم تعد تهمهم أسماءهم الحقيقية، ولا أن تبرز صورة وجوههم، بل يفضلون التواري وراء أسماء مستعارة، وصور مستعارة، ويصنعون شخصيات افتراضية، تدخل في تفاعل مع من يحبون مادتهم، بعيدا عن منطق المجاملات التي قد تسود على صفحات الأشخاص الحقيقيين. الدُغبوش يعرف نفسه كالتالي: فضيلة الدُغبوش..كائن يعيش في المغرب يسب دوما و لا شيء يعجبه مع تحذير، بأن الصفحة تحتوي كلمات قد تبدو بذيئة.. محررا نفسه من ضغط المعارف والأصدقاء، وأيضا رقابة الأخلاقيين والوعاظ. تكتب هذه الصفحة عن السياسة والدين والنفاق والمجتمع، ويسخر من رئيس الحكومة وتناقضاته والاخوان المسلمين والسياسيين، أحيانا يضحك وأخرى يُحزن، هو لا يحترم اللغة، ولا يفترض في نفسه أنه يحترم شيئا، نقرأ مثلا هذا النص: « كليبرالي مغربي ربما من الممكن تتكبر علينا بالنموذج الفرنسي أو الامريكي وهامش الحريات وفصل السلط و ديك الهضرة... كيساري ربما من الممكن نقبلوا منك تفرع لينا الراس بالتأميم والمهمشين و تهضر على مختلف النماذج الاشتراكية و انجازاتها.. ولكن كاسلامي مغربي، خصك تعرف بلي ما تدعو اليه راه اصلا كان مطبق ف المغرب من 600 ميلادية حتى لسنة 1912..الخليفة كان وكانوا العسس و الجند و العلماء و العبيد وما ملكت اليمين و الخازوق و الحدود الربانية.. وهو مشهد انتهى بمنظر جندي مغربي مهلهل الملابس يجابه بارود و قنابل مدفعية الفرنسيين بمعركة لالا مغنية بالحروز و دعاء : يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف» الشخصيات الثقافية المفترضة، تظهر باستمرار على الموقع، بعضها يكون قادرا على المتابعة، نتيجة المتابعة والتطوير والتخصص، وبعضها يُتجاوز ثم يموت دون أن يتساءل أحد عن مصيره. الصفحات التنويرية: -الناقد العربي نموذجا- الفيس بوك لا يعترف بالحدود الجغرافية، والحداثة تجاوز للحدود الإقليمية، ما ينعكس على صفحات مجموعات، منها صفحة «الناقد العربي»، وهي الصفحة التي يعرف المشرفون عليها الهدف منها، بالقول: « نحو مجتمع مدني ، عقلاني ، مُتسامح .. شعارنا كان وسيظل : المعرفة المُعتكِفة أسوأ من الجهل النشِط». وفي الكلمة الترحيبية يجد: « أهلاً بكم في صفحة الناقد العربي، الفضاء المعرفي و البيداغوجي العربي الأول على الفيسبوك . هنا نحن معنيون بنشر قيم التنوير من حرية الفكر والتعبير به، المواطنة، المساواة بين الجنسين، فصل السياسة عن الإكليروكس ...وغيرها من القيم الحقوقية التي هي بنظرنا كونية، هذا عدا عن الإرتقاء بملَكة العقل النقدي والوعي السياسي لدى أجيال كانت ضحية ديماغوجية الميكافيلية الدينية و أقبية القائد / الصنم / الغول ... اليك يا حافي العقل ، امتطي نعليك، انت في واد اللوغوس». الصفحة تحتوي آلاف الروابط، عن كتب الفلسفة والروايات والنصوص والصور، جزء كبير منها من المغرب، وتهتم للسياسة والثقافة في بلدنا، ويبدوا من خلال الجهد الكبير المفترض أن القائمين وراءها فريق منظم ومتوزع على دول المنطقة. الصفحة تحتوي مئة ألف منتسب. مجموعات القراءة الافتراضية: يحتوي الموقع أيضا، عشرات المجموعات، التي هي مقدمة، لنوادي كتاب تخرج من الافتراضي إلى الواقعي، أولها ظهر قبل مدة تحت اسم «المقهى الفلسفي بالبيضاء»، وكانت تنظم لقاءات أسبوعية لمناقشة نصوص فلسفية بأحد المقاهي بالمعاريف. في نفس الوقت، ظهرت مجموعة أخرى تحت اسم «نادي الكتاب المغربي»، وهي المجموعة التي حافظت طيلة ثلاث سنوات على تنظيمها «الواقعي» للقاء شهري لنقاش كتاب. المجموعة الأولى اختفت، بينما تحولت الثانية إلى صفحة «نوض تقرا»، والتي مازالت تتابع النشاط، وأنشطة أخرى. إلى جانب مجموعات أخرى تظهر تباعا، مغلقة أو مفتوحة، بدأت تتبنى هذا الأسلوب، الذي ينطلق من النت بإتجاه الواقع. ختاما يمكننا أن نقول، أن المحتوى الثقافي المغربي صغير بالمقارنة مع دول غربية أو عربية أخرى، يحاول تحريك الوضع فاعلين ميدانيين، لكن الأمر ما زال يتطلب مجهودا أكبر، باتجاه مبادرات حرة لشباب شغوفين وملتزمين، و مؤسسات منظمة ومؤمنة بدور الفيسبوك وزملائه.