لما كان النبي (ص) ضوء طريق لأتباعه المسلمين، هو الذي جاء بقرآن يمجد الماء والوضوء والاغتسال، فإن «الفعل الجنسي»، كي تكتمل المتعة، كان ينبغي أن يتحقق عبر جسد طاهر، بدون أوساخ أو نجاسة أو عطانة. وهذا ما تعكسه فتاوى الجنس التي ينقلها الرواة عن عائشة، كما رأينا سابقا. لقد كان الماء معنى وجود، وكان سبب قلاقل وحروب، مما دفع النبي، الذي كان ابن بيئته، إلى توجيه النداء لأتباعه حتى لا يسرفوا في استهلاك الماء فقال: «كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة» (رواه ابن ماجة)، بل إنه نهى عن الإسراف في استخدام الماء في أغراض الوضوء أو الاغتسال، فقد روى عبد الله بن عمر أن النبي (ص) مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الإسراف؟» فقال رضي الله عنه: أفي الوضوء إسراف؟ فقال (ص): «نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه ابن ماجة)، ولذلك كان يقال: «من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء». وقد طبق النبي ما نهى عنه على نفسه وعلى أهل بيته؛ ف»عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد». وقد روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي (ص) من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك. وروي أن قومًا سألوا جابرًا عن الغسل فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفي، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى شعرًا منك وخير منك؛ يعني النبي (ص). (متفق عليه). وجاء على لسان عائشة: «كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد، من جنابة». وفي رواية أخرى منقولة عنها: «كنت أغتسل، أنا ورسول الله (ص)، من إناء واحد، بيني وبينه، فيبادرني، حتى أقول: دع لي، دع لي! قالت: وهما جنبان». وكانت عائشة، أيضا، تغسل سائل النبي المنوي، فتقول حسب الحديث: «كان همام بن الحارث عند عائشة، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه أو يغسل ثوبه، فأخبرت عائشة، فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله (ص)». ويروي همام بن الحارث ، فيقول: «نزل بعائشة ضيف، فأمرت له بملحفة، فاحتلم بها، فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها! فقالت عائشة: لمَ أفسدَ علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله (ص) بإصبعي». وفي «المحلّى»، نجدها تقول: «كنتُ أفركه [المني] من ثوب رسول الله». وتنقل عائشة أيضا كيف كان يتعامل النبي مع إفرازات حيضها، فتقول: «كُنت ورسول الله (ص) في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء، غسل مكانه لم يعده، وإن أصابه - يعني: ثوبه - شيء، غسل مكانه، لم يعد، وصلّى فيه».