من نافلة القول التأكيد على أن السلسلات الفكاهية الساخرة، أو ما صار يعرف ب «السيتكوم» هي من أصعب الأجناس التلفزيونية بالنظر إلى حاجتها إلى سيناريوهات على درجة عالية من الكثافة والإتقان، وإلى البناء المحكم للوضعيات، وإلى فرز شخصيات واضحة المعالم، غنية على مستوى قدرتها على التطور والتكيف مع المستجدات سواء منها الاجتماعية أو السياسية التي من المفترض أن تأخذها بعين الاعتبار، مثل هكذا أعمال تريد أن تكون عابرة للمواسم على شاكلة سيتكوم «حنا جيران»، الذي وصل إلى موسمه الثالث على التوالي. الملاحظة الأولى هو أن كل هذه العناصر التي أشرنا إليها هي ببساطة غير متوفرة في هذا العمل. فالسيناريو أو الكتابة في«ديما جيران« سواء أكانت من طرف واحد أو نتاج ورشه جماعية تفتقر إلى خيط ناظم يقوم على ثوابت درامية وحكائية تضمن تماسك وغنى نسيج الفرجة المرتكزة أساسا على توالد الوضعيات الكوميدية من صلب التطور الذاتي للحكاية العامة، كما هو مخطط لها سلفا. الملاحظة الثانية، وهي أنه عند غياب مثل هكذا شروط أساسية، يصبح حضور الممثلين، مهما كانت قيمتهم، غير ذي جدوى، ولا يمكنه بحال أن ينقذ العمل أو أن يعوض غياب مادة التشغيل الدرامية التي هي الإسمنت واللحمة التي تشد أواصر العمل وتضمن توهجه ودسامته. الملاحظة الثالثة، هي أن هذا الهزال وهذا الفقر على مستوى صناعة الشخصيات، ينتج نوعا من سقوط هذه الشخصيات في الاجترار والنمطية والتكرار، مما يعيق استمرارها، لأنها شخصيات عمرها البيولوجي محدود، وسيكون من السادية الفنية أن نطلب منها ما لا طاقة لها به. الملاحظة الرابعة، وهي تزكي ما ذهبنا إليه، وتتمثل في فشل إقحام ممثلين جدد من قامة «عبد القادر السيكتور» الكوميدي الجزائري، أو الممثل المصري حسن إمام أو الممثلة المصرية ياسمين رحمي، التي تتحدث مصادر مطلعة أنها تم الاستنجاد بها آخر لحظة لتعويض ممثلة أخرى مواطنة لها، في ضخ دم جديد في السلسلة، لأنها سلسلة وصلت إلى سن اليأس، وأصبح من المثير للشفقة مطالبتها بخصوبة لم تعد ممكنة البثة. الملاحظة الخامسة، وتخص قناتينا العموميتين، سواء الأولى أو الثانية، ويتعلق الأمر بتهافتهما المطلق على نسب المشاهدة، وهذا يجعلهم يذهبون بعيدا في عصر أي عمل عرف تجاوبا دون أي مجهود يستهدف تجويده وتعزيزه بعناصر وشروط الاستمرارية. ربما كانت هذه السلسلة ستبقى في ريبيرطوار القناة الثانية كسلسلة لا بأس بها، لو أنها توقفت في الوقت المناسب. أما وأن يتم التشبث بها وقد دنا أجلها، اعتمادا على «الضوباج»، فإننا لا نملك إلا أن نقول استووا جنازة «سيتكوم» يرحمكم الله.