كل الدلائل والمؤشرات تدل بالملموس الميداني على أن غابات الأرز بسنوال (أو سلوان)، الواقعة بنفوذ تراب إقليمإفران، تعتبر من أبرز المجالات الغابوية التي تتعرض يوميا لأبشع أشكال الاستنزاف والتخريب والاجتثاث الممنهج على يد شبكات منظمة وعصابات إجرامية تضع نفسها فوق القانون، أو باستطاعتها «شراء» ما يكفي من المتواطئين والشركاء، في الوقت الذي تشكو فيه المنطقة من النقص الملحوظ على مستوى الأطقم البشرية المعنية بحراسة وحماية الثروة الغابوية بهذه المنطقة المعروفة من بين أشهر المناطق الرطبة وطنيا، وتهديدها يعني الحكم عليها بفناء توازنها البيئي، سيما في استغلال المهربين فرصة اعتماد المشرع المغربي على ما يعتبر «الاستنزاف الغابوي» مجرد مخالفة عوض اعتباره جنحة أو جناية رغم الإجماع على أن الأرز ثروة وطنية وكنز بيئي، يقابله اعتراف عدة دراسات أنجزتها المندوبية السامية للمياه والغابات ومنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة بما يفيد أن مساحات شاسعة من غابات الأرز بمنطقة الأطلس المتوسط أضحت مهددة بالزوال والفناء. نظرا لتخصيص المندوبية السامية للمياه والغابات المجال الغابوي بإقليمإفران حيزا هاما من اهتماماتها، كم كانت المعطيات رهيبة بقوة في لقاء عقدته هذه المندوبية بحضور المندوب السامي، وعمال أقاليم إفرانوخنيفرة وميدلت، إلى جانب مسؤولين رفيعي المستوى من وزارتي الداخلية والعدل، وأطر مركزية وجهوية وإقليمية من المياه والغابات، حيث أكدت هذه المعطيات أن حوالي 6000 متر مكعب من شجر الأرز العالي الجودة قد تعرضت للتخريب والنهب، خلال فترة وجيزة لا تتعدى الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية، الأمر الذي فوت على خزينة الدولة مئات الملايين من الدراهم، علما أن لجنة من المندوبية السامية للمياه والغابات سبق لها أن زارت بعض المساحات المحدودة من غابات سنوال الشرقية والغربية، خلال العام الماضي، ووقفت على ما تعرفه هذه الغابات من مجازر بشعة ومرعبة، حيث عاينت داخل أربع «برسيلات» فقط سقوط 500 شجرة أرز، أي ما يعادل حوالي 7000 متر مكعب من الخشب، إما تم قطعها وتهريبها أو كانت مرشحة للتهريب باتجاه السوق السوداء، في وقت ما يزال فيه الحديث قويا عن «برسيلات» شهدت هضم 27 ألف متر مكعب وقطع ما يفوق 2000 شجرة أخرى، بالأحرى التساؤل حول باقي أرجاء وأدغال نفس الغابة، وبنقط معينة لا تقل عن إيش أخوان، تلاغين، دادة موسى وغيرها من النقاط السوداء. وكثيرا ما عرفت هذه الغابات نزول لجن، سرية منها وعلنية، للتحقيق والتفتيش في حقيقة وملابسات ما يجري، بناء على ما يتقاطر من شكايات ونداءات على مكاتب الجهات المسؤولة إقليميا وجهويا ومركزيا، وكم من الرؤوس التي سقطت إقليميا وجهويا بسبب ما تعرفه غابات سنوال من جرائم وتواطؤات مكشوفة، واختلافات واضحة بين ما يتم الإعلان عنه وما هو على أرض الواقع، فضلا عن نشاط المهربين للخشب بواسطة الشاحنات والدواب، ثم التلاعبات المعروفة عن بعض المستغلين الغابويين الذين يبرمون «اتفاقيات معتمة» لاقتناء شجر الأرز، والعصابات الاجرامية التي استباحت عرض هذه الغابات الواقعة بين تقاطع جغرافي مشترك بين إقليمإفران، خنيفرة وميدلت، حتى أن بعض ممثلي «جمعية مستغلي الغابات وأرباب المناشير بالأطلس المتوسط» عبروا عن قلقهم وامتعاضهم حيال ما تتعرض له غابة الأرز من استنزاف منظم، وكشفوا ل»الاتحاد الاشتراكي» عما تقدموا به من نداءات وشكايات متكررة للجهات المسؤولة مركزيا لأجل الحد من نزيف التخريب الغابوي غير أن صيحاتهم تذهب في كل مرة مع الريح. مظاهر الدمار التي تهدد غابات سنوال كثيرا ما نبه إليها نشطاء المجتمع المدني والسكان، على مدى سنوات طويلة، وفي كل مرة تقف التحريات على تواطؤ أعوان ومسؤولين وراء ما يجري، مقابل تجاهل الأمر حتى من جانب مسؤول بالإدارة الجهوية تربطه بمسؤول بمركز التنمية الغابوية بالبقرية «علاقة رضاعة»، هذا الأخير الذي يقطن بتمحضيت التي تبعد عن مقر عمله بحوالي 80 كلم، وتنقله (لانافيط) يكلف ميزانية الدولة أموالا باهظة رغم أن الإدارة الجهوية قامت بإحداث بناية تتوفر على إدارة ومسكن في إطار سياسة «تقريب الإدارة من المواطنين ومراقبة المجال الغابوي»، غير أن المسؤول أبى إلا أن تكون هذه السياسة عبارة عن شعار للاستهلاك، ما يساهم بجلاء في دعم الإبقاء على مجرمي الغابة خارج مربع المراقبة عوض اتخاذ ما يلزم من الاجراءات الصارمة في حقهم والضرب على أيديهم بقوة. فوضى خارج التغطية ويذكر أن إقليمإفران لوحده يحتوي على 48 ألف هكتار من أرز الأطلس المتوسط الذي يعد من أجود أنواع الأرز عالميا، مع ما يعرف عن هذا النوع من الشجر كثروة طبيعية ذات أبعاد اقتصادية وثقافية وتاريخية، مما يزيد من تخوف البيئيين من اندثار وفناء الغطاء الغابوي الذي يمثل 35 في المائة من مساحة إقليمإفران، يأتي شجر الأرز من أهم تشكيلاتها (65150 هكتارا)، سيما أن عملية التخليف تعرف بعض المشاكل والبطء في التنفيذ أحيانا، رغم وجود برنامج لتخليف شجرة الأرز بوتيرة ألف هكتار سنويا، وقبله مشروع مندمج كان قد استوجب توفير غلاف مالي ناهز 214 مليون درهم ساهمت فيه الوكالة الفرنسية للتنمية والصندوق الفرنسي للبيئة إلى جانب مساهمة الدولة والجماعات المحلية بالإقليم، ويهم توسيع المنتزه الوطني لإفران ليبلغ 124 هكتارا. حقوقيون وجمعويون وحزبيون، عادوا لدق نواقيس الخطر من خلال قافلة تم تنظيمها لمنطقتي سنوال والبقرية، خلال ماي المنصرم، تحت إشراف فرع أزرو للجمعية المغربية لحقوق الانسان، وسجلت هول مظاهر الاستنزاف والاستغلال والنهب الذي تتعرض له شجر الأرز بهذه الربوع الرطبة، مقابل التجاهل المكشوف الذي تتعامل به الجهات المسؤولة والحكومية مع الأمر، وتحميل هذه الجهات كامل المسؤولية في ما يجري من دمار، مع التشديد على ضرورة القيام الجدي بالكشف عن لصوص الثروة الغابوية، وتطبيق العقوبات الصارمة في حقهم، مع دعوة المشرع المغربي إلى مراجعة شاملة للمنظومة القانونية التي يعود عهدها إلى بداية عهد الحماية، فضلا عن ضرورة وضع ساكنة المناطق الغابوية بعين الاعتبار، والقيام بإدماجهم في مشاريع تنموية ومدرة للدخل تغنيهم عن المساس بالبيئة والقطع غير القانوني للخشب. وفي كل مرة يتم اللجوء إلى منطق «طاحت الصمعة علقو الحجام» كما هو الحال مع فارسين غابويين تم نقلهما في ظروف غامضة إلى الرشيدية وتمحضيت، أما رئيس مركز سنوال، الذي سبق استقدامه من تونفيت، فلم يسلم من «القانون الاستثنائي»، حيث انتهى به مصيره إلى وضعية عالقة، قبل مفاجأته بقرار إحالته على المجلس التأديبي في مقابلة مع المدير الإقليمي بصورة غير مسبوقة، لا لشيء إلا لأنه، حسب مصادر متطابقة، لم يقبل بالصمت حيال مظاهر التخريب التي تعرفها غابات منطقة سنوال، وحيال مواقف التستر على خلايا الإرهاب الغابوي والمجموعات التي تقوم بالتسلل ل «إعدام شجر الأرز» ونشرها ونقلها على متن الشاحنات والدواب باتجاهات متعددة نحو أقاليم خنيفرة وميدلت ومكناس ومراكش وغيرها، والتي لا يقتصر نشاطها تحت جنح الليل فقط، بل أصبحت تمارسه في واضحة النهار أيضا، وبالقرب من الحراس الغابويين، حيث يصعب تصور أشجار عمرها عدة قرون يقع «اغتيالها» في دقائق معدودة. نقط نظام استثنائية في لقاء لها ب»الاتحاد الاشتراكي» توقفت مصادر عليمة من سنوال عند مشاريع تنموية، تشمل أغراسا وفتح مسالك غابوية، بالقول إن هذه المشاريع ظلت خارج المراقبة والتحقيق، ولم يتم إخضاعها بعد لإجراءات التحري حول مدى احترامها لدفتر التحملات والشروط القانونية المتعلقة بالجودة والكمية، وكذلك بعض صفقات الاستغلال تسيبات ناهبي غابة الأرز ومن يتستر عليهم من المسؤولين، وقد كشف أحد المستغلين الغابويين عما يفيد أن مستودع البقرية يحتوي على أزيد من 8570 متر مكعب من مخلفات الاجتثاث الممنهج، أي ما يعادل ثلاثة ملايير ونصف مليار سنتيم توجد في عداد الخيرات المهدورة. أما عن صفقة الاستغلال الغابوي (رقم 183)، لم يفت بعض السكان إثارة ما شاب هذه الصفقة من تجاوزات وخروقات، وأمامها عمدت الإدارة الإقليمية للمياه والغابات إلى محاولة التعتيم على الموضوع من خلال تحرير محاضر مهزوزة ضد صاحب الصفقة مقابل منحه بعض