بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي يحل سنويا في 26 يونيو، يصدر كتاب «بوابة الجحيم» لمؤلفه الباحث التاريخي المصري محمد عبد الوهاب، وهو كتاب يرصد، في حوالي 600 صفحة، تاريخ ووسائل التعذيب عبر العالم. وإذا كان المؤلف هو صاحب أكبر متحف مخصص للتعذيب في العالم يضم أهم وأقدم أدوات التعذيب بالإضافة إلى مقتنيات التي كان يمارس بها التنكيل الجسدي عبر العصور منذ العصر القديم إلى العصر الحديث، فإنه قضى -حسب تصريحاته- ما لا يقل عن 12 سنة في إعداد مادة كتابه. في تقرير صحفي حول «متحف التعذيب»، كتبت بوابة «محيط» في يناير الماضي: «مقصلة وخازوق ومقلعة للأعضاء وأجهزة لتكسير الظهور ، هو أول ما يصادفك حين تهم بزيارة «متحف التعذيب» بمنطقة المريوطية بالجيزة (مصر). والمتحف أسسه الدكتور محمد عبدالوهاب، المتخصص بجرائم الاغتيال السياسي، ليفضح زبانية التعذيب على مر التاريخ، والذي لابد حين تستمع لشرحه أن تسري القشعريرة ببدنك من وحشية ما مورس ضد البشر للتنكيل بهم ، حين يعارضون الحكام ، أو الطواغيت. عاش الباحث بالولايات المتحدة يدرس ويقرأ في هذا المجال سنوات طوالا، وروى ل»محيط» لقاءاته مع جلادي عبد الناصر وضحاياهم كالسيدة زينب الغزالي . وقال إنه عندما سافر للعراق وقابل صدام حسين وأتته الفكرة ، خاصة حين تبول السائق الذي يقله للمنزل بمجرد سماعه باسم صدام ، قائلا إن الطير في السماء لا يمر فوق هذا البيت، وشاهد وقتها الدكتور عبدالوهاب أقراصا مدمجة عن التعذيب وما جرى بسجن أبوغريب، فقرر فضح كل هؤلاء، واقتنى آلات التعذيب من كل بلاد العالم.» وبعيدا عن صدمة المتحف، فالكتاب أيضا لا يخلو من صدمات وفق بعض مضامينه التي تناولتها تقارير صحفية قبل توزيع الكتاب. ويحمل غلاف «بوابة الجحيم» صورة لامرأة عارية تم تعذيبها وقتلها بالخازوق الذي يخرج من فمها، بينما يتصدر غلافه الرابع الحديث القدسي : «وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن لمن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل.» ويؤكد الكاتب في مقدمة مؤلفه أن العذاب شعبة من شعب الظلم، حيث جاء في كتاب الله «فقطع دابر القوم الذين ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»، كما قال رسول الله «الظلم ظلمات يوم القيامة.» يتناول الكتاب التعذيب عبر التاريخ حتى آخر المعذبين، وقال صاحبه إنه قابل آخر الجلادين أسابيع قليلة قبل الانتهاء من صياغة مؤلفه، وهو سامي شرف من السجن الحربي، مثلما ذكر أن أجمل لحظات التحدي أن يبتسم المرء حين ينتظر منه الجميع أن يبكي. ورد في «بوابة الجحيم» أن: «عذاب كلمة بشعة تتكون من أربعة أحرف، وما أبشع من الكلمة إلا مذاقها، فمن تعرض للتعذيب سيعرف معنى الكلمة. لجأ الإنسان للتعذيب منذ قديم الأزل وتفنن في ابتداع أبشع وأقسى الطرق لجعل الضحية تتمنى الموت آلاف المرات على أن تبقى في ذلك العذاب، فبعض الدول قد تعذب شخصاً ما عقاباً على ارتكاب جريمة ما أو لإجباره على الاعتراف بارتكاب جرم حتى وإن لم يرتكبه، كما قد يكون التعذيب لمقاصد أخرى كتخويف الناس وإرهابهم، وأحيانا يكون التعذيب مجرد هواية ومتعة للبعض من مرضى النفوس والساديين». وحسب الكتاب، فالعباسيون قد انتقموا من أصناف العذاب التي ذاقوها على ايدي الأمويين عن طريق نبش قبورهم. وجاء فيه أيضا: «ملوك الدولة العباسية تعدى ظلمهم ظلم من سبقهم من بني أمية، فإن المنصور مارس نحو الرعية جميع صنوف العذاب فدق الأوتاد في العيون وسمر المعذبين في الحيطان ودفن بعضهم أحياء وبنى على البعض الحيطان وهدم على الآخرين البيوت. أما المتوكل فكان ينبش قبور الموتى ويحرق عظامهم. والقاهر بدأ خلافته بتعليق زوجة أبيه، وهي أم أخيه المقتدر، تارة من ثدييها وتارة منكسة فكان بولها يجري على وجهها، وكان يتلذذ بأن يأمر بقتل الابن ثم يحضر رأسه فيضعه بين يدي الأب ثم يأمر بذبح الأب ويضع الرأسين أمام ثالث يقتله من بعدهما». ويروي المؤلف، من جهة أخرى،أن المعتضد غضب على « أحد وزرائه لما ظهر عليه أنه تعشق فتاة فأغرى بعض الشهود فشهدوا بأنه قد تزوجها. فأمر المعتضد بصلب الشهود وأن يوضع الوزير في جلد ثور طري السلخ وأن يضرب بالمزارب حتى يختلط عظمه بلحمه، ثم أمر أن يرمى للسباع فألقي إلى النمور فأكلت لحمه ولعقت دمه». ويتضمن «بوابة الجحيم» أنواعا فظيعة أخرى من التعذيب نقتبس بعضها أسفله كما وردت ضمن الكتاب. التعذيب بالنفخ «قبض الخليفة المعتضد على شخص اتهمه بسرقة عشر بدر كانت معدة في منزل صاحب الجيش لتصرف على الجند، فرفق به فأنكر فتهدده فأنكر فضربه بالسوط والقلرس والمقارع والدرة على ظهره وبطنه وقفاه ورأسه وأسفل رجليه وكعابه وعضله حتى لم يكن للضرب فيه موضع، فلم يقر فأمر بترفيهه وأطعمه فلما نام أيقظه سريعاً وقرره فأقر ودله على موضع المال المسروق، فأمر به فقبض على يديه ورجليه وأوثق، ثم أمر بمنفاخ فنفخ في دبره وأتي بقطن فحشي في أذنيه وفمه وخيشومه وأقبل ينفخ وخلى عن يديه ورجليه من الوثاق وأمسك بالأيدي وقد صار كأعظم ما يكون من الزقاق المنفوخة، وقد عظم جسمه وورمت سائر أعضائه وامتلأت عيناه وبرزتا حتى كاد أن ينشق، ثم أمر ففصد في عرقين فوق الحاجبين فأقبلت الريح تخرج مع الدم ولها صوت وصفير إلى أن خمد وتلف...» التعذيب والقتل بالخنافس «هي من أبشع الوسائل للتعذيب حتى الموت. كان يطلق عليها الخنفسة وكان مجرد ذكرها يثير الرعب في أشد القلوب جسارة. كانت تستخدم في العصر الأيوبي ضد عتاة المجرمين والأشخاص المغضوب عليهم. كان يؤتى بالشخص المراد خنفسته وتكبل يداه خلفه ثم يحلق شعر رأسه ويتم وضع عدد من الخنافس يتراوح ما بين خمسة أو ستة فوق الرأس وتوضع طاسة على الرأس ويترك المعذب، وتبدأ الخنافس في التغذي على فروة الرأس ثم تثقب الجمجمة وتتغذى على المخ. كل هذا والضحية يتلوى تحت العذاب والألم». الصلب «هي وسيلة قديمة جداً للإعدام، حيث يربط المحكوم عليه أو يسمر بالمسامير في قطعتين خشبيتين متعامدتين، ويترك معلقا حتى يموت. كانت هي وسيلة الإعدام التقليدية في مابين القرنين السادس قبل الميلاد و الرابع الميلادي، خاصة في بلاد فارس. وقد انتقل منها إلى الإمبراطورية الرومانية ومن المرجح أن الإسكندر الأكبر هو الذي نشر هذه الوسيلة عبر القارات في البلاد التي فتحها وهو يبني إمبراطوريته الشاسعة. «الغرض من الصلب ليس الإعدام فقط، لكن تقديم وسيلة مؤلمة ومخيفة للموت، ويمكن تنفيذها على مرأى اكبر عدد من الجمهور. قد تحدث الوفاة في خلال ساعات أو أيام من الصلب اعتمادا على طريقة الصلب والصحة العامة للمصلوب والظروف المناخية. «إذا طالت الفترة بالمصلوب دون أن يموت، فالرومان كانوا يقومون بكسر ساقي المصلوب بمطرقة. الوفاة قد تحدث أحياناً نتيجة الصدمة الناتجة عن عملية الجلد التي تسبق الصلب أو من دق المسامير أو فقدان سوائل الجسم أو الإرهاق الشديد. إن جثث المصلوبين كانت تترك على الصلبان حتى تتحلل أو تأكلها الطيور». وفي إطار الصلب، يروي الكاتب أنه «جيء برشيد الهاجري إلى زياد بن أبيه، وكان رشيد من أصحاب الإمام علي، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ولسانه ثم صلبوه». وفي نفس السياق، يكتب أن هارون الرشيد كان قد غضب «على منجم يهودي فأمر بأن يصلب، وسبب ذلك أنه قال للرشيد إنه يموت في سنته التي هو فيها، فغمه ذلك غماً شديداً. فقال جعفر البرمكي وزير الرشيد للمنجم وهل تعرف مدي عمرك ؟ فقال : نعم، وذكر أمداً طويلاً، فقال جعفر للرشيد : اقتله الآن لتعلم أنه كاذب في تعيين عمرك كما كذب في تعيين عمره. فأمر الرشيد به فصلب». وعن هارون الرشيد أيضا، يكتب صاحب الكتاب أنه أمر «خادمه مسرور بقتل وزير الرشيد جعفر البرمكي، فدخل مسرور على الوزير وحز رأسه وقدمها إلى الرشيد. وأمر الرشيد فوجهت جثة جعفر وقد قطعت إلى قطع ونصبت على الجسور. ولما عاد الرشيد من رحلته إلى الري، بعد سنتين من مقتل البرمكي، وجد جثة الوزير لاتزال معلقة فأمر بإحراقها». وفي باب الصلب دائما، يذكر المؤلف أن النساء كن يشتركن « في حروب الخوارج إلى أن قام زياد بن أبيه بصلب المرأة عارية بعد قتلها، فلم تخرج النساء إلا بعد زياد، وكن إذا طولبن بالخروج قلن : لولا التعرية لسارعنا». سلخ الجلد «من وسائل التعذيب والإعدام المستخدمة منذ آلاف السنين، طبقت ضد المجرمين والجنود الفارين من المعركة والسحرة، وفيها يتم ربط اليدين والأقدام بقوة، ويبدأ الجلاد ومساعدوه تقشير الجلد عن الضحية ببطء، وعادة ما يتم خلع جلدة الوجه أولاً نزولاً إلى الأقدام، ومعظم الضحايا قضوا قبل وصول الجلاد إلى منطقة الخصر. وأحياناً يتم تعريض الضحية إلى الشمس حتى يصبح لون الجلد أحمر، ثم يبدأ سلخ جلده. وتؤمن بعض الثقافات أن لجلد الإنسان خصائص سحرية حيث استخدموها للتباهي وإظهار مكانتهم الاجتماعية مثل فروات الرؤوس.» ويروي المؤلف في هذا الباب أن المعز لدين الله الفاطمي أحضر «أبا بكر النابلسي، وقال له : بلغنا أنك قلت إذا كان مع المسلم عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً واحدا وفينا تسعة ، فقال : لم أقل ذلك، فظن أنه رجع عن قوله وقال له : كيف قلت ؟ قال : قلت إذا كان معه عشرة أسهم وجب عليه أن يرميكم بتسعة ويرميكم بالعاشر أيضاً. فأمر به فشهر في اليوم الأول، وضرب بالسياط في اليوم الثاني، وأخرج في اليوم الثالث فسلخ جلده فمات.» الربط إلى الأحصنة «طريقة استعملها عرب الجاهلية بكثرة، حيث تربط يدا و رجلا الضحية إلى حصانين أو جملين متعاكسي الاتّجاه، ثم يؤمران بالانطلاق بأقصى سرعة، مما يؤدي إلى تمزّق الضحية وانشطاره إلى نصفين. واستعملت في أوروبا بالقرون الوسطي». الإغراق في الزيت المغلي «إغراق الشخص في قدر ضخم من الزيت المغلي حتى يذوب.» الإعدام على العمود حرقاً «من الطرق الشائعة التي استخدمت حتى ما بعد العصور الوسطى وكانت تطبق ضد السحرة والمشعوذين واللصوص. وغالباً ما كان من يطبق بحقه حكم الإعدام حرقاً يموت بالاختناق من الدخان المتصاعد قبل أن يحترق فعلياً». الخازوق «تستخدم كلمة الخازوق كثيراً في حديثنا اليومي، وفي لغتنا الدارجة أصبح الخازوق مرادفا لكلمة مقلب، لكن الخازوق في الحقيقة شيء أبشع بكثير من مجرد مقلب. «تعتبر وسيلة إعدام و تعذيب وتمثل إحدى أبشع وسائل الإعدام، حيث يتم اختراق جسد الضحية بعصا طويلة من ناحية وإخراجها من الناحية الأخرى. يتم إدخال الخازوق من فم الضحية أحياناً وفي الأغلب من الشرج، وبعدها يتم تثبيت الخازوق في الأرض ويترك الضحية معلقاً حتى يموت. «في معظم الأحيان يتم إدخال الخازوق بطريقة تمنع الموت الفوري. ويستخدم أيضاً كوسيلة لمنع نزف الدم وبالتالي إطالة معاناة الضحية، وتصل هذه المعاناة إلى عدة ساعات وإذا كان الجلاد ماهراً فإنها تصل إلى يوم كامل. ووفقا لما ذكره المؤرخ الإغريقي هيرودوت، فإن الملك الفارسي داريوس الأول قد قام بإعدام حوالي 3000 بابلي بالخازوق عندما استولى على بابل. وربما كانت هذه أقدم إشارة لهذه الأداة في كتب التاريخ، ولذلك فمن المرجح أنه ابتكار فارسي. ففي روما القديمة كانوا يفضلون الصلب. «استخدم الخازوق أيضاً في أوروبا في القرون الوسطى، وأحياناً كان يتم إدخاله بين العمود الفقري والجلد، وهذه الطريقة تجعل الضحية يظل يعاني لأربعة أو خمسة أيام قبل أن يموت. كما أنه من الشائع أن كل من فلاد تيبس المعروف بدراكولا والروسي إيفان الرهيب كانا أشهر مستخدمين للخازوق. وبعد دخول الأتراك العثمانيين مصر تم استخدامه على نطاق واسع، وقد نقل الأتراك الخازوق من العراق وأجروا العديد من الدراسات حول استخدامه، وكانت الدولة العثمانية تدفع المكافآت للجلاد الماهر الذي يستطيع أن يطيل عمر الضحية لأطول فترة ممكنة تصل إلى يوم كامل؛ حيث يتم إدخال الخازوق من فتحة الشرج ليخرج من أعلى الكتف الأيمن، دون أن يمس الأجزاء الحيوية من الجسم كالقلب والرئتين حتى لا يودى بحياة المخوزق سريعا.ً أما إذا مات المخوزق فيحاكم الجلاد بتهمة الإهمال وقد يتعرض لتنفيذ نفس العقوبة عقاباً له على إهماله. «بالطبع فأشهر حالة خوزقة في تاريخنا الحديث هي حالة البطل الشهيد سليمان الحلبي الذي قتل القائد الفرنسي كليبر».