البرنامج التأهيلي السعودي، الذي أنشئ أصلا لمساعدة معتقلي غوانتانامو السابقين، يتوسع ليشمل خمسة مراكز جديدة بالمملكة حينما وقف خالد سليمان الجهري للحديث مرتديا ثوبه الأبيض النظيف، لم يكن يبدو كجهادي متطرف طاف بأطراف تورابورا صحبة القاعدة بأفغانستان. فاليوم يتكلم خالد سليمان بمرونة و تعقل كأب لطفلتين، بعد أن عاد إلى مسقط رأسه بالسعودية، و ذلك بفضل برنامج لتأهيل الجهاديين أنشأته السعودية قبل خمس سنوات من الآن، لمساعدة المعتقلين العائدين من غوانتانامو على الاندماج. يقول سليمان الجهري المعتقل السابق الذي كان يحمل الرقم 155 بسجن غوانتانامو و المسجل تحت إسم خالد سليمانية الحبيشي بوثائق الحكومة الأمريكية :«لدي الآن حياة رغدة و زوجة طيبة ... و أعتقد بأن هذه الفكرة فكرة جيدة لأن الناس (السلطات) تريد أن تدمج المعتقلين السابقين فعلا...و ليس فقط تشغيلهم». و يعد مركز محمد بن نايف للنصح و الرعاية، حيث يتكلم سليمان الجهري أمام وفد إعلامي أمريكي، جزءا من المقاربة السعودية المرتكزة على سياسة العصا و الجزرة، من أجل مكافحة الإرهاب الداخلي و انتشار إيديولوجيا العنف الإسلامي بالخارج, فمن المنفذين التسعة عشر لتفجيرات 11 شتنبر، خمسة عشر منهم سعوديون. و الآن ، فيما تجري محاكمة أكثر من 5500 مشتبه بهم بالتورط في أعمال إرهابية، بمختلف محاكم المملكة، فإن الحكومة السعودية تتحرك نحو فتح خمسة مراكز جديدة لمعالجة التطرف. و تهتم هذه المراكز ب «إعادة تأهيل» الجهاديين السابقين بمساعدتهم على الاقتناع بأن أسلوب الإرهاب الذي كانوا يتبعونه، لا يتطابق مع الإسلام. و تبدو المقاربة ناجحة بشكل ملحوظ، حسب المسؤولين السعوديين الذين يقولون إن 3 بالمائة فقط من المشاركين ال 850 في هذه البرامج التأهيلية، عادوا إلى التطرف العنيف. بينما يقول الباحثون الأجانب إن الكثيرين من المشاركين في هذه البرامج لم يكونوا من المتشددين و لم تثبت ضدهم أي جريمة إرهابية. بيد أن تكلفة البرنامج غالية، رغم أن المسؤولين السعوديين يرفضون الكشف عن مبلغ التكلفة، إلا أن أكثر من 300 موظف يشتغلون هنا إضافة إلى 200 متطوع مزعوم. و المنتسبون يتمتعون بالغذاء و الدواء و يتلقون الدروس في الإسلام و التاريخ و غير ذلك من المواد علاوة على حوافز مالية مختلفة. و بعد التخرج يتلقى الرجال مبلغا ماليا من عشرة آلاف ريال (2665 دولارا أمريكيا) و حوالي 700 دولار شهريا خلال الأشهر الستة الأولى. والحكومة تساعدهم أيضا على ضمان تشغيلهم ، كما تساعدهم على الزواج و البدء من جديد. و يبدو أن هذا الأسلوب يعد حلا تفضله السعودية لمعالجة المشكل الذي خلقته، منذ الستينات و السبعينات حين تحولت إلى ملاذ آمن للإسلاميين المحافظين من مختلف البلدان العربية و الإسلامية، ثم بمنح مؤسستها الدينية المتشددة سلطات واسعة خلال العقود التالية. فالجهري مثلا، كان طالبا يعيش بعيدا عن موطنه حين أصبح يهتم بالجهاد، شاهد لقطات من حرب البوسنة و أصبح يبحث عن سبل مساعدة إخوانه المسلمين، فتوجه أولا إلى الشيشان ثم إلى أفغانستان «كنت أعتقد بأني إذا مت فسأموت شهيدا». لكنه خلال رحلاته الجهادية هاته، اكتشف أنه مقيد إلى حياة لا يؤمن بها بشكل عميق. و ظن أنه لن يفلت من العقاب ،لأنه خرق القوانين السعودية ، فمكث في أفغانستان إلى أن شنت الولاياتالمتحدة حربها في هذا البلد، فتم أسره تحت رقم 155 و اقتيد إلى غوانتانامو حيث قدم نفسه تحت إسم خالد سليمانية الحبيشي، و هناك أمضى ثلاث سنوات و سنة رابعة بالسجون السعودية قبل دخوله المركز. و هو يقول اليوم إن نظرته للجهاد قد تغيرت : «الجهاد أمر جيد في الإسلام، لكن مفهومه يتعرض غالبا للقلب، فإذا قاتلني شخص ما في بلدي و أخذ داري فسأقاتله و هذا هو الجهاد، لكن إذا توجهت إلى أرض أخرى لمساعدة مجموعة ضد أخرى فهذا ليس إسلاما». بعض المشاركين في البرنامج السعودي يقولون إنه لم يسبق لهم التورط في أي عمل من أعمال التطرف لكنهم مرتاحون في المركز. أمضى جمعة الدوسري ست سنوات في غوانتانامو بعد أن قدمه مسؤولو السفارة السعودية بباكستان إلى الأمريكيين. يقول إنه كان يعمل في مشروع إنساني بكابول ، و لأنه لم يكن يملك وثائق ثبوتية، فقد توجه إلى باكستان المجاورة، أما الحكومة الأمريكية فتقول إنه قاتل في أفغانستان و البوسنة و الشيشان و كان حاضرا في تورابورا. و كيفما كانت سوابقه، فإن الدوسري حين وصل إلى مركز التأهيل السعودي كان في حالة صحية بدنية و نفسية متدهورة. يقول الدوسري الذي تلقى علاجا نفسيا و هو يعمل اليوم في البناء بالمنطقة الشرقية (الدمام) حيث يعيش مع زوجته و أطفاله الثلاثة و الرابع في الطريق : «حين جئت كنت محطما تماما... أعتقد بأن هذا المركز رحمة من الله تعالى بنا...لقد وجدت هنا علاجا لجروحي» . «كريستيان ساينس مونيتور» عدد 25 ماي 2012