تعمل السياسات الحكومية في البلدان التي حباها الله بمنتخبين نزهاء ومخلصين ووطنيين، في استراتيجية بناء المدن، على تحضير المدن وتجهيزها بمواصفات عصرية كالتشوير والترصيف والتأهيل والتهيئة المنسجمة والعمران المتناغم حتى تخرجها من المجال القروي وتلحقها تدريجيا بالمجال الحضري... لكن في المغرب عموما ومدينة بفاس على وجه الخصوص، وهي العاصمة العلمية للمملكة، يحصل العكس، حيث تسعى، بل تعمل، سياسة المسؤولين فيها عن تدبير الشأن المجتمعي، بكل ما أوتي هؤلاء من قوة وسلطة، على بدونتها وترييفها وبسرعة قصوى!... والنماذج الصارخة بذلك كثيرة... منها تحويل النافورات، التي صرفت على إنجازها الملايين من الدراهم، إلى أسواق عشوائية، والمساحات الخضراء إلى مساحات جرداء في أفق الانقضاض عليها ونهشها عقاريا، بعد أن تم السماح للباعة المتجولين بعرض بضائعهم بهذه الأماكن، ولفئة من المياومين والحرفيين الموسميين بتعليق أدوات الصباغة والمعاول وتثبيتها على أعمدة النور في تحد صارخ للمدنية... ما تعيشه مدينة فاس، اليوم، يندى له الجبين بعد أن تحولت نافورة بن دباب، التي تم تدشينها في كرنفال رسمي ذات صيف تدفقت مياهها بالألوان، إلى سوق عشوائي للملابس المستعملة، وتم العبث بتجهيزاتها الكهربائية واقتلعت قضبان الحديد التي تم تثبيتها بهدف حمايتها وتحول فضاؤها من مجال يسر الناظرين إلى مطرح للنفايات... وفي جزء منه مرحاض عمومي باتت روائحه تزكم الأنوف!... نافورة بندباب، التي يحلو للبعض أن يسميها «ميدان التحرير»، والتي بات على الجهات المعنية والمسؤولة بالمدينة تحريرها من هذا الاحتلال المشوه للمدينة، تكشف مصادر من مالية الجماعة أن تكلفتها فاقت 50 مليون من السنتيمات!... وهي الآن في وضع يرثى له، بل مخجل وخزي... فالكراسي الرخامية التي خصصت لتكون مكانا للاستراحة والترويح عن النفس، تحولت إلى مطابخ أو أماكن لإعداد الوجبات الخفيفة لتجار النافورة!... وفي تحد سافر، قرر أحد الباعة بناء سور لحماية منطقة نفوذه ووضع لوحة كتب عليها اسمه ورقما مفترضا في أفق تمليكه المكان، وهي خطوة غير مسبوقة ستكون لها، في حال التغاضي عنها، عواقب خطيرة جدا، خصوصا مع ارتكان الجهات المسؤولة إلى الصمت لأهداف انتخابية، كما هو عليه الوضع الآن.!... أحد الغاضبين على هذا الوضع، همس لنا بأن ما يدفعه أمثال هذا البائع، من إتاوات يومية، يشكل ضمانة قوية لبقائهم بالمكان، بدن إزعاج، أطول فترة ممكنة... على أمل تعويضهم بمحلات بمواصفات مقبولة، وهو الأمر الذي يجعلهم يتشبثون بوضعهم الحالي في أكبر عملية تشويه ومسخ تعرفه منطقة فاس الشمالية. يحدث كل هذا دون أن تحرك السلطات الموكول إليها حماية الملك العام ساكنا ولا المنتخبون المسؤولون عن تدبير الشأن اليومي!... الواقع أن ما يدفع هؤلاء المنتخَبون للسكوت عن مثل هذا الخرق هو أصوات هذه الكتلة الناخبة التي تصوت لصالحهم مقابل تغاضيهم عن تشويه المدينة، الأمر الذي يساعدهم على استغلال كراسي المسؤولية لولايات متواصلة ويهوي بالمدينة من وضع سيئ إلى وضع أسوأ؟... السؤال المطروح هل التصوت لفائدة لون العمدة يسمح لك بفعل المحظور والاعتداء على القيم واستبخاس القانون والعبث بالملك العام؟!... وفي سياق متواصل، تعاني ساكنة شارع السلام والأزقة المتفرعة عنها من ظاهرة احتلال الملك العمومي من طرف الفراشة خاصة الذين تحولوا إلى باعة دائمين، حيث شنوا هجوما على حق المارة واغتصبوه؛ وذلك بعرض بضاعتهم عبر عربات وطاولات من قصب أو على ظهر حمير تفرغ روثها على الجنبات فتسيء للوجه الحضاري لأكبر حي بفاس، أو فراشات من خضر وفواكه وملابس وأوان منزلية وأشياء أخرى يصعب تصنيفها... وسط صراخ وصخب، مما يسبب ازعاجا حقيقيا للساكنة، وإعاقة سير الراجلين وعرقلة حركة المرور وخاصة وقت الذروة عند عودة المستخدمين من مقرات عملهم، وخروج التلاميذ من مؤسساتهم إلى جانب انتشار اللصوصية والمتشردين. أضف إلى ذلك ظهوز أشخاص ذوي عضلات المفتولة يفرضون على الفراشة الجدد أتاوات بالقوة، مما يذكرنا بما تفعله المافيا التركية والإيطالية!... ولطالما تطرقت جريدة الاتحاد الاشتراكي لهذه الظاهرة... وللأسف، مازالت دار لقمان على حالها!... فمن العار السكوت والتغاضي عن مثل هذه المظاهر التي تقدم صورة سلبية عن فاس العاصمة العلمية للمملكة. السؤال الملح متى ستتخلص مدينة فاس عامة ومنطقة النرجس خاصة من هذه الظاهرة غير السليمة؟ وهل ستتحرك الجهات المعنية لإيجاد حلول سريعة وعقلانية لظاهرة مثيرة للقلق أم ستتعامل معها بتراخ وبمبررات واهية عملا بالمثل القائل: «كم حاجة قضيناها بتركها»؟!...