حكاية أصغر أرامل أسامة بن لادن, الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، تسلط بعض الأضواء على آخر سنوات حياة أكبر «»إرهابي»« مطلوب في العالم. حكاية تغذي الشكوك. العدالة في باكستان قررت هذا الأسبوع طرد عائلة بن لادن التي ظلت تعيش في مكان سري منذ حوالي السنة. خلال آخر لقاء لزكريا أحمد الصداح مع أبناء أخته، أمال من زوجها أسامة بن لادن، استعطفوه وهم يبكون أن يأخذهم معه إلى اليمن, يحكي زكريا قائلا» »لون وجوههم يميل إلى الصفرة من فرط عدم رؤية الشمس منذ أشهر داخل شقة بدون نوافذ، في حي بعيد باسلام أباد» زكريا هو أخ اليمنية امال عبد الفتاح، 30 سنة أصغر أرامل بن لادن. منذ 2 ماي 2011 تاريخ وفاة زعيم القاعدة برصاص كومندو تابع للجيش الامريكي. تعيش امال وأبناؤها الخمسة وأرملتين أخريين سعوديتين سيحان وخيرية أكبر سنا من آمال, وعدد غير محدد من أبناء وأحفاد بن لادن، محتجزين تحت الاقامة المحروسة في باكستان, اقامة تصفها السلطات «كسجن فرعي» . بعد 11 شهرا من الصمت, أصدرت العدالة الباكستانية يوم الاثنين 4 ابريل حكما بالسجن 45 يوما في حق الارامل الثلاثة وبنتين راشدتين بتهمة الاقامة غير الشرعية في باكستان وغرامة مالية تقدر ب 10 آلاف روبية (82 أورو) لكل واحدة. العدالة أمرت أيضا الحكومة بتنظيم ترحيلهن في أقرب وقت كل إلى بلدها الأصلي, ويبقى غير معروف ما إذا كانت السلطات الباكستانية ستمتثل لهذا القرار وتطرد هؤلاء الشهود الاساسيين والمزعجين في ملف النهاية الغامضة لزعيم القاعدة. آمال أصيبت بالرصاص في الهجوم الذي قتل خلاله بن لادن عندما حاولت حسب رواية الامريكيين حماية زوجها, ومنذ ذلك الحادث يؤكد أخوها زكريا أحمد الصداح» وهي تمشي بصعوبة متكئة على عكاز» وندد زكريا بما اعتبره احتجازا «فليس هناك أدنى سبب للإبقاء على أبناء أختي محبوسين» بل إنه وجه في فبراير الماضي طلبا إلى رئيس المحكمة العليا في باكستان افتخار شودري المعروف بالتزامه بالدفاع عن حقوق الانسان من أجل الافراج عن أخته، وبوجه صارم يندد زكريا بالأضرار النفسية التي لحقت بأطفال »أبرياء« ويؤكد «أنهم أرعبوا أثناء الهجوم على منزلهم في أبوت أباد وبوفاة والدهم واصابة والدتهم, ولم يتلقوا في فترة احتجازهم أية مساعدة نفسية ولا أدنى تربية» انتظار وضغط العائلة في اليمن يؤثر بدون شك على أعصاب زكريا 24 سنة, الشاب الخجول والأنيق في هندامه الغربي, رقة قسماته وابتسامته الهادئة توحي بصورة جمال أخته أمال. من بين اخوته زكريا هو الوحيد غير المتزوج, وبالتالي هو المؤهل للذهاب إلى باكستان لمساعدة عائلته يحكي قائلا» »السلطات الباكستانية واليمنية أكدت لنا أنه بإمكاننا استعادتهم يوم 1 نونبر الماضي، وصلت إلى باكستان يوم 2 نونبر، ومنذ ذلك الحين وأنا أنتظر, هذه الوضعية لا يمكن إلا أن تثير الغضب وسط عائلتي وبين أبناء أختي...»« ويرى المحامي الباكستاني شهزار أكبر أن «هذه الوضعية غير عادلة بالنسبة لهؤلاء الاطفال, فالارتباط ببن لادن برابطة الدم ليس سببا لاستمرار اعتقالهم» من بين أرامل بن لادن يعتقد أن أمال كانت أكثرهن تعاونا مع مصالح الأمن الباكستانية, أقوالها في تقرير للشرطة تعطي لأول مرة بعض الأضواء حول مسار زعيم القاعدة بعد فراره من أفغانستان, عقب التدخل العسكري الامريكي نهاية 2001 .تفاصيل هروب مزعجة لإسلام أباد , تثير سؤالا محيرا: كيف تجاهلت أو لم تعلم السلطات الباكستانية بوجود أشهر مطلوب عالميا صحبة عائلته بالتراب الباكستاني منذ 2002؟ في شهادتها تؤكد أمال انها «»كانت ترغب في الزواج من مجاهد«« وبمجرد ما تم »الاتصال« بغرض الزواج من بن لادن وصلت امال الشابة إلى باكستان في صيف 2000 وبالضبط إلى مدينة كراتشي بتأشيرة دخول لمدة ثلاثة أشهر, ثم التحقت بعد ذلك بمدينة قندهار التي كانت آنداك عاصمة نظام طالبان في أفغانستان، حيث كان يتواجد بن لادن، تزوجت منه وعاشت معه حتى وقعت عمليات تفجيرات نيويورك وواشنطن يوم 11 شتنبر 2001 والتي دفعت بكل العائلة إلى رحلة فرار دامت حوالي 10 سنوات في باكستان أساسا. وبينما توجه الزوج أسامة بن لادن إلى منطقة القبائل، عادت امال وابنتها الأولى صفية إلى كراتشي, المدينة الكبيرة التي يصل عدد سكانها 18 مليون نسمة, والتي تشكل قاعدة خلفية رئيسية للشبكات الإسلامية و مركزا رئيسيا للتمويل المحلي وتسمح أيضا بالحصول على التمويلات القادمة من دول الخليج. ويقيم عناصر طالبان باكستان, حلفاء القاعدة, باستمرار في كراتشي دون ازعاج من أجل العلاج أو الراحة خلال فترة الشتاء. عاشت امال وصفية في هذه المدينة لفترة 9 أشهر تقريبا «في ست أو سبع اقامات مختلفة بمساعدة »عائلات باكستانية«« وأيضا بمساعدة سعد، الإبن البكر لأسامة بن لادن، حسب تقرير الشرطة. التحقت أمال فيما بعد بزوجها في بيشاور. مابين 2002 و 2005 عاشت العائلة حوالي 9 اشهر في مدينة سوات, ثم حوالي سنتين في هاريبور على مسافة ساعة ونصف من اسلام اباد قبل أن تستقر في مدينة ابوتا باد الهادئة سنة 2005 التي توجد فيها احدى اشهر الاكاديميات العسكرية في باكستان. وحسب الارملة الشابة, فإن آخر ابناء بن لادن الأربعة ولدوا خلال فترة الهروب هذه. ومن التفاصيل المحيرة فإن اثنين منهم على الاقل (اسية المزدادة سنة2003 وابراهيم المزداد سنة 2004 )رأوا النور بالمستشفى العمومي بمدينة هاريبور.في كل مرة، تقول أمال, انها لم تمكث في المستشفى «سوى ساعتين او ثلاث». أما زينب وحسين فقد ولدا سنة 2006 و 2008 في ابوت اباد. هذه التفاصيل تكشف بعضا من الحقائق حول السنوات الأخيرة من حياة بن لادن، لكن العديد من مناطق الظل تبقى قائمة, تغذي الكثير من الفرضيات حتى الخيالية منها. فالجنرال الباكستاني السابق شوكت قدير طرح فرضية اصابة بن لادن «بخلل عقلي» والذي يعتقد انه كان ضحية مؤامرة في القاعدة: فالشبكة الإرهابية ربما استعملت زوجته الاولى خيرية. بدافع الغيرة من الزوجة الشابة امال، لوضع الامريكيين على خط تتبع آثار بن لادن. فرضية يعتبرها زكريا «مضحكة» , مؤكدا أنه «على العكس كانت هناك علاقة قوية بين زوجات بن لادن, فالزوجتان الاخريان اهتمتا بأمال والابناء عندما كانت هذه الاخيرة تعالج من اصابتها».« لكن فرضية الجنرال قدير تقود إلى إبعاد الشبهات كليا عن تواطؤ السلطات الباكستانية. ويؤكد ان الجيش الباكستاني لم يعلم بوجود بن لادن، الا بضعة ايام قبل الهجوم الامريكي وان هذا الهجوم الامريكي فاجأها. باكستان التي احست بالاهانة بعد هذا الهجوم الامريكي وايضا بتواجد اشهر مطلوب هارب في العالم فوق اراضيها لم تقم باي شيء لتبديد الغموض: التعتيم وإبعاد الصحافة عن هذا الموضوع، تدمير اقامة بن لادن في ابوت اباد، اجبار الجيران على التكتم وعدم الحديث عن الموضوع, اعتقال العائلة واجبارها على الاقامة في مكان سري و محروس... كل هذه العناصر تغذي الشكوك تجاه السلطات الباكستانية، وخاصة المؤسسة العسكرية ومخابراتها القوية المتهمة باستمرار بلعب ادوار مزدوجة مع بعض الشبكات المتطرفة. فالمناطق القبلية في شمال غرب باكستان المتاخمة لافغانستان. ومعقل طالبان باكستان، تحولت منذ نهاية 2001 الى أهم معقل للقاعدة في العالم. ويؤكد مصدر مقرب من المخابرات العسكرية الباكستانية ان الاحتجاز والتكتم على اقارب بن لادن يغذي اكثر الشبهات والافتراضات بأن مصالح المخابرات السرية الباكستانية تريد اخفاء معلومات, لا سيما احتمال اشراف واستعمال العائلة من جانبهم, هل كان هناك تواطؤ من جانبهم أم عدم قدرة على تحديد مكانه؟ الجواب أقبر مع الغارة الامريكية على منزل بن لادن والتكتم و إخفاء عائلته«« هذا الغموض, هذه التساؤلات قد لا تتوضح من خلال نشر تقرير لجنة التحقيق الباكستانية الذي تأخر وتأجل منذ عدة اشهر. ويؤكد مصدر غربي متخصص «أنه لا يجب انتظار شيء مهم من هذا التقرير لأنه لم يطرح اي سؤال مهم حتى لا يتم احراج اي طرف واقبار القضية». لكن كون الولاياتالمتحدة المستعدة عادة لاتهام باكستان بالتواطؤ مع الاسلاميين، لم تكتشف حتى الآن اي دليل عن وجود شبكة لدعم بن لادن في هذا البلد، حسب ما أكد مؤخرا ناطق باسم الخارجية الامريكية. أما أخ أمال زكريا أحمد الصداح, فإنه يريد فقط العودة الى اليمن, حيث يتابع دراسته في السنة النهائية في شعبة الصحافة. وبابتسامة نادرة، يعترف بأن الاشهر العصيبة التي قضاها في باكستان كانت مع ذلك تمرينا جيدا لمهنته المستقبلية. عن ليبراسيون الفرنسية