لا أحد ينكر أن الطب في بلادنا يحقق اختراقات وانجازات طيبة وغير مسبوقة، تطالعنا بها الصحف والقنوات الإعلامية بين الفينة والأخرى بفضل اجتهادات ثلة من الأطباء الذين نذروا جهودهم لهذه المهنة النبيلة، غير أن تلك الإنجازات لا تعدو أن تكون بمثابة الشجرة التي تخفي غابة الفساد الكبيرة التي نبتت في قطاعنا الصحي العمومي منه والخاص على المستويين الإداري والمهني على السواء.إذ لا يكاد يمر علينا يوم دون أن تأتينا الأخبار من هنا وهناك عن فضائح مخجلة أبطالها مسؤولون وممرضون وأطباء يفترض فيهم الوفاء لمهمتهم الإنسانية قبل أي اعتبار آخر. ويمكن وضع قطاع الصحة بإقليمالناظور ضمن المراتب الأولى من حيث حجم الفساد المستشري فيه حيث لا تكاد القصص التي يرويها المواطنون عن حالات الارتشاء والإهمال والابتزاز تنتهي، وذلك لأن بعض المشتغلين بهذا القطاع حولوه إلى بورصة حقيقية لتحقيق الاغتناء غير المشروع، وإن كان ذلك من بوابة الاتجار في آلام المواطنين واستغلال معاناتهم. وسنتوقف في هذا السياق عند حالة المواطن محا عبد الرحمان الذي اضطره مرض زوجته للتوجه من الدريوش بسبب غياب أية مؤسسة صحية بهذا الإقليم إلى المستشفى الحسني بالناظور قصد العلاج، غير أن حظه العاثر ألقى به إلى طبيب لا يستحق شرف حمل هذه الصفة على حد قوله. يروي السيد عبد الرحمان محا أن معاناته انطلقت منذ أن عرض زوجته المريضة على الدكتور ز.محمد المختص في جراحة المسالك البولية بالمستشفى الحسني بالناظور. فالطبيب المذكور شخص حالتها على أنها مصابة بورم سرطاني يحتاج إلى جراحة عاجلة، ولذلك طلب منه توفير اللوازم الضرورية لذلك وقد وجهه بورقة مكتوبة بخط يده إلى صيدلية في ملكية المسماة الد.بشرى تقع قرب حي المطار (وهو حي بعيد جدا عن المستشفى الحسني) تبين لاحقا أنها ابنة مسؤول بالمستشفى المذكور.ولما كان ثمن الأدوات والأدوية المطلوبة والمحدد في أكثر من 2000 درهم يفوق طاقة المعني بالأمر فقد استطاع الحصول على جزء من الوصفة من صيدلية المستشفى بعد إدلائه بشهادة الاحتياج رقم 370 / ب.د/ ق.ش.ا الصادرة عن باشوية الدريوش بتاريخ 12 / 04 / 2011 . ولما توجه إلى الصيدلية التي حددها الطبيب لاستكمال ما تبقى من الوصفة تفاجأ برفض المسؤولة الصيدلية بيعه اللوازم التي يحتاجها مشترطة عليه شراء جميع ما هو مدون على الوصفة. وحين سدت الأبواب في وجهه، خاصة بعد تعذر الحصول على تلك المعدات، على اعتبار أنها متوفرة حصريا لدى الصيدلية المذكورة، لجأ إلى بعض المحسنين الذين تكفلوا بإجراء العملية بمصحة خاصة بمدينة بركان، غير أنه عند عرض المريضة على طبيب مختص في جراحة الكلى والمسالك البولية وإجراء التحاليل الضرورية، تفاجأ السيد محا أن زوجته لا تعاني من ورم سرطاني وليست بحاجة إلى أي تدخل جراحي. وبالفعل فقد تحسنت أحوالها الصحية بفضل وصفة طبية لا تتجاوز 200 درهم، غير أنها ما تزال تعاني نفسيا بسبب حالة الرعب التي أصابتها بسبب التشخيص الخاطئ لحالتها على أنها مصابة بورم سرطاني. إن هذه الوقائع تكشف عن وجود مافيا حقيقية في قطاع الصحة تتاجر بآلام المواطنين وتستغل جهلهم وضعفهم وحاجتهم الملحة للعلاج لتغتني بطريقة غير مشروعة، وإن اقتضى منها الأمر الدوس على كل القوانين والأعراف والقيم. إن توجيه المعني بالأمر إلى صيدلية بعينها في ملكية ابنة مسؤول بمستشفى عام تعالج به المريضة يدل بالملموس على وجود شبكة منظمة تتصيد الضحايا وتستغلهم بشكل بشع، ويضع موضع الشك مسألة الخطأ الطبي في عملية التشخيص كما تبين من تفاصيل الواقعة. ومن الأشياء الغريبة والمخجلة في هذا الملف أيضا أن يطالب طبيب في مستشفى عمومي المواطنين بتوفير أدوات إجراء العمليات الجراحية على نفقتهم « anse coupante» فالأمر لم يعد مقتصرا على شراء الأدوية فقط وإنما تعداه إلى الأدوات الطبية، ولا نستغرب أن يطلب من المواطنين في مستقبل الأيام أيضا أن يحضروا الأطباء والممرضين على نفقتهم. ومن أجل تكسير جدار الصمت وفضح هذه الممارسات المشينة تقدم المعني بالأمر بشكايات في الموضوع ضد الطبيب المذكور إلى السيد مندوب الصحة بالناضور بتاريخ 09 / 05 /2011 وسجلت تحت عدد 1558 / 11 وإلى السيدة وزيرة الصحة بتاريخ 31 / 10 / 2011 تم التوصل بها يوم 24 / 11 / 2011 وفق الإشعار بالاستلام الذي توصل به، وضد الصيدلانية المذكورة إلى السيد عامل إقليمالناظور يوم13 / 09 / 2011 تحت عدد 10.031 وإلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالناظور يوم12 / 09 / 2011 وسجلت تحت عدد 4756، غير أنه لم يتوصل بأي جواب، إذ أن شكاياته يقول المعني بالأمر تم تجاهلها لأسباب مجهولة . وفي هذا الإطار يطالب المشتكي المصالح والجهات الحكومية المختصة بفتح تحقيق جاد ونزيه في هذه القضية من أجل كشف قلاع الفساد المستشري في قطاع الصحة بالناظور ، وحماية صحة المواطنين وأرزاقهم من بعض المحسوبين على مهنة الطب، وإعادة الثقة للمواطنين في المؤسسات الوطنية العمومية وفي مقدمتها المؤسسات الاستشفائية.كما يناشد جميع الهيئات والفعاليات المهتمة بحقوق الإنسان وتخليق الحياة العامة التدخل من أجل وضع حد لواقع الاستغلال والابتزاز الذي يتعرض له المواطنون بالمستشفى المذكور من لدن بعض المحسوبين على أسرة الصحة من عديمي الضمير والوطنية.