العالم يتحرك من حولنا، والربيع يزهر في كل مكان، وإن ببطء وتردد، وخطو إلى الأمام، وخطو إلى الوراء. فعلى النخب الثقافية، والسياسية أن تتحرك، وتضبط عقارب ساعتها على إيقاع هذا التغيير، وهذا التحول، لتكون في مستوى اللحظة التاريخية المتوهجة، والحبلى بالتباشير، والوعود، والبروق والغيث، والملأى بالفتح المعرفي الورقي والرقمي. ومن ثم ينبغي أن نقدم صورة أخرى مغايرة، غير منمطة عن أنفسنا، لمجموع شرائح وفئات المجتمع المختلفة التي يسائلها -بدورها- سؤال العصر، ويحثها ،صباح مساء، على الانخراط فيه، والانتساب إليه. وترتيبا على ذلك، علينا أن نتدبر أمر تسمية الجائزة: جائزة المغرب للكتاب، تدبر اليقظ النبهان الذي يستعظم اسم الوطن ما دام قد اؤتمن عليه وهو يختار مبدعا أو كاتبا دون غيره من المتبارين أكان شاعرا(ة) أو روائيا(ة) أو قاصا(ة)، أو مترجما(ة)، أو باحثا(ة). نعم، المسألة عظيمة وثقيلة في ميزان الضمير الحي، والقيم الخلقية، والنبل الرائع، والمصداقية، والنزاهة، والموضوعية، والاحتكام -في البدء والمنتهى- إلى النص ولا شيء غير النص، حتى نعطي للجائزة صدقية جديدة، وأحقية معتبرة، وقبولا حسنا، (لا أقول إجماعا) لدى المتلقي المتعدد، وعنفوانا مائزا، وانتشارا وتسويقا للكتاب المتوج الذي يفترض فيه أن يكون متميزا بكل المقاييس، ومتفردا، يشكل إضافة جمالية ومعرفية فارقة، تحظى بالقراءة المَهْدية والمُبَوْصَلة : (من البوصلة)، انطلاقا من تقرير اللجنة: (فهو إثمار قراءة وتحكيم صادقين، ومنزهين). هذا ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن نعمل حثيثا من أجل أن يكون، ويستتب ويتكرس في القادم من الجوائز، علما بأننا نطمح إلى تعديد الجوائز، والرفع من قيمتها المادية والرمزية، إسوة بجوائز عربية، وأجنبية. ومن المفارقات المؤسفة المحيرة، والتي تبعث على السخط والأسى، أن كل من رفع صوته من أجل إصلاح عطب ما، أو أشار، بالأصبع المستقيم، إلى مكمن الداء والخلل، يعاقب من بعض الدوائر المدبرة والمقررة، بالإقصاء، والتهميش، والتجاهل، والحرمان والمحو من لوائح المدعوين إلى الملتقيات، والمهرجانات، والسفريات. فماذا تركنا -يا أصدقائي ويا صديقاتي- إذن، للريعيين، والمستبدين، والطغاة، والظالمين، والتحقيريين الذين لا نهادنهم في ما يأتون، وفي ما يفعلون، ولا نَأْلو جهدا في كشفهم، وفضح ممارساتهم، وسوءاتهم، وعوراتهم؟ ومع تأكيدنا وقناعتنا الثابتة، بنباهة، وأهمية الأسماء القارئة، المشكلة للجان المختلفة، أدبيا ومعرفيا، وترجميا، وحضورا في المشهد الثقافي المغربي العام، فإن المناداة عليهم دائما، وتكريسهم العام بعد العام، أو العام بعد العامين، للبت، والقول الفصل في التتويج والتجويز، هو احتقار ما بعده احتقار لزمرة الأدبيات والأدباء، والشاعرات والشعراء، والقاصات والقاصين، والروائيات والروائيين، والباحثات والباحثين، والمترجمات والمترجمين، والأكاديميات والأكاديميين؛ وهن وهم زمرة مضيئة تعج بهم السوق الثقافية، والمشهد الأدبي العام ببلادنا. وفيهن وفيهم الحاذقون المتابعون لما يكتب، ويصدر، وينشر طوال العام، في مختلف ضروب المعرفة والأدب، عبر عديد المنابر والمواقع الورقية والإلكترونية، مغربيا وعربيا، بالانكباب والتمحيص، وإبداء الرأي المسنود. فلم هذا المحو، وهذا الاستغفال والاستغباء؟ وكيف نسوغ هذه العودة المكرورة المملولة، إلى أسماء بأعيانها؟ إن لم يكن العماء، والاستبداد، والاستفراد بالقرار، وعدم الاكتراث بالرأي الثقافي العام ؟ ! كيف لا نعترض على التأبيد المقيت الذي نحاربه بكل الوسائل المتاحة، وفي أثناء العام المبارك، هبت الجماهير المغبونة لإسقاط التأبيد ما يعني إسقاط الأصنام، ورموز الفساد والاستبداد. والخلاصة هي أنني أقول للأطراف المُقْتَرِحَة والمُرَشِّحَة لبعض هؤلاء الذين نعثر فيهم -لا عليهم- في كل محفل، وكل منتدى، وكل منعطف ودرب: اتقوا الله في عقولنا، ووجداننا، وذكائنا، و مستوانا الأدبي والمعرفي..؟ وقليل من الحياء.. قليل من الشمس لأنها تُحيي القلوب بعد برودتها وموتها. وللمقال صلة... إشارة : العنوان فوقه مقتبس من الكاتبة الفرنسية فرنسواز ساغان Françoise Sagan صاحبة رواية بالعنوان إياه.