أيام قليلة وتتجه أنظار الملايين من عشاق الساحرة المستديرة من كل أنحاء العالم صوب القارة الإفريقية لمتابعة فعاليات واحدة من أهم بطولات كرة القدم وأكثرها جذبا للأنظار، حيث تستضيف غينيا الاستوائية والغابون بطولة كأس الأمم الإفريقية الثامنة والعشرين، خلال الفترة من 21 يناير الجاري إلى 12 فبراير المقبل. فعلى مدار أكثر من نصف قرن، منذ انطلاق البطولة الأولى في السودان عام 1957، شهدت البطولة العديد من التغيرات والتحولات المهمة التي جعلتها بين بطولات الفئة الثانية مباشرة في عالم الساحرة المستديرة بعد بطولة كأس العالم، حيث تقترب في قوتها من بطولتي كأس أمم أوروبا وكأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا). وتستأثر البطولة في نسختها الثامنة والعشرين باهتمام كبير بعدما شهدت التصفيات المؤهلة إليها موجة من المفاجآت، أطاحت بمجموعة من أبرز المنتخبات الكبيرة لصالح منتخبات لا تحظى بالشهرة أو الخبرة أو التاريخ في هذه البطولة. وكانت أبرز هذه المفاجآت هي خروج المنتخب المصري صفر اليدين من التصفيات، بعد فوزه باللقب في آخر ثلاث بطولات وتعزيز رقمه القياسي في عدد مرات الفوز باللقب (سبع مرات). كما تقام البطولة بالتنظيم المشترك بين دولتين للمرة الثانية فقط عبر تاريخها، حيث سبق لغانا ونيجيريا أن استضافتا البطولة بالتنظيم المشترك فيما بينهما عام 2000، مع الفارق الهائل في الخبرة بين منظمي البطولة عام 2000 من ناحية ومنظمي البطولة المقبلة من ناحية أخرى، حيث تشارك غينيا الاستوائية للمرة الأولى في النهائيات بينما تشارك الغابون للمرة الخامسة فقط. ولذلك، قد تقتصر طموحات أصحاب الأرض هذه المرة على اجتياز الدور الأول، خاصة فيما يتعلق بمنتخب غينيا الاستوائية بينما قد يطمح المنتخب الغابوني إلى تفجير مفاجأة والمنافسة على الوصول للأدوار النهائية. وفي نفس الوقت، قد تكون مفاجآت المنتخبات الصغيرة ذات الخبرة المتواضعة، مثل منتخب النيجر في التصفيات دفعة لها من أجل تفجير مزيد من المفاجآت في نهائيات البطولة. وكانت البطولة الافريقية أحد أهم أسباب تأسيس الاتحاد الأفريقي للعبة، حيث اجتمع عدد من كبار الشخصيات البارزة في عالم كرة القدم الإفريقية في العاصمة البرتغالية لشبونة يومي السابع والثامن من يونيو 1956 لتأسيس الاتحاد وتنظيم المسابقة بداية من 1957. وجرى الاتفاق على أن تكون السودان، التي حصلت على استقلالها في يناير 1956، مقرا لاستضافة البطولة الأولى. وبني ملعب جديد بالخرطوم خصيصا لهذا السبب وافتتح في 30 سبتمبر 1956. وفي نفس الوقت صيغت قوانين المسابقة وكانت المشاركة متاحة أمام منتخبات جميع الدول الأعضاء بالاتحاد، كما جرى الاتفاق على أن تقام البطولة كل عامين تحت إشراف لجنة التنظيم والدولة المضيفة. وربما جاءت البداية هزيلة حيث انطلقت فعاليات البطولة بمشاركة ثلاثة منتخبات فقط، واستمر ذلك في البطولة الثانية كما شهدت البطولات الأولى بعض الارتباك في الأعوام التي أقيمت فيها البطولة. ولكن الموقف تغير سريعا لتقام البطولة بشكل منتظم كل عامين، كما تضاعفت قوة البطولة بمرور الوقت وازدادت المنافسة على الوصول إلى النهائيات، التي ارتفع عدد المنتخبات المشاركة فيها إلى 16 منتخبا في الوقت الحالي. ويشتعل الصراع كل عامين على الوصول لنهائيات البطولة، حيث يشارك في التصفيات التي تقام على مدار نحو 18 شهرا أكثر من 50 منتخبا تتنافس على بطاقات التأهل الستة عشر للنهائيات. وتساعد هذه البطولة عشاق الساحرة المستديرة في كل أنحاء إفريقيا على مشاهدة أبرز نجوم القارة، وهم يلعبون ضمن منتخبات بلادهم، بالإضافة إلى الاستمتاع بمهاراتهم الرائعة التي صقلت من خلال احتراف معظمهم في الأندية الأوروبية. ونجحت هذه البطولة في التغلب على عوائق اللغة والدين والمسافة للتقارب بين الشعوب الإفريقية، كما نجحت في الكشف عن العديد من المواهب والمهارات من كل أنحاء القارة السمراء. وبالنظر إلى تاريخ وإحصائيات البطولة، عبر تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن، نستنتج أنها لم تتوقف عند حد وإنما كانت ولا تزال نموذجا رائعا للتطور في عالم كرة القدم، كما تمثل معرضا لأبرز النجوم والمنتخبات الذين تركوا أثرا واضحا في تاريخ البطولة.