انتهينا من حكاية الانتخابات، فاز حزب العدالة والتنمية ب 107 مقاعد من أصل 395. أي بالأغلبية النسبية، ويبقى عليه أن يشكل تحالفا قويا لإدارة البلاد، وهي مهمة ليست سهلة بالنسبة لرئيس الحكومة الجديد، عليه أن يبدأ في عملية جمع قطع لغز معقد، إلا أن القطعة الأساسية في هذا اللغز ليست حزب العدالة والتنمية، ولكن الأطراف الأخرى التي ستساعده على إخراج المولود إلى حيز الوجود. الأمين العام الحالي للبيجيدي يتميز بسهولة اللسان، ولهذا فإن إمكانية حصول زلة لسان لرئيس الحكومة في يوم ما، تخيف «البعض»، فيذهب في الحديث عن رئيس حكومة آخر غير الأستاذ عبد الإله بنكيران، وفي هذا السياق فإن اسم العثماني كان يعمّم أكثر فأكثر... إلا أن هذا «البعض» لم يأخذ بعين الاعتبار الشعبية التي يتمتع بها بنكيران بين أهله. تشكيل أغلبية يعني أن الأطراف التي سوف تؤلف الحكومة يجب أن يكون لديها 198 مقعدا في البرلمان على الأقل. حزب الاستقلال، مباشرة بعد الإعلان بأن حزب العدالة والتنمية هو الفائز، صرح أنه مستعد للتحالف مع حزب العدالة والتنمية. إذن نحن أمام عملية سهلة : حزب العدالة والتنمية + حزب الاستقلال = 167. وهنا تبدأ الضبابية. هل يمكن للاتحاد الاشتراكي، وهو جزء من اليسار العميق، أن ينضمّ إلى حزب العدالة والتنمية، وهو جزء من اليمين العميق. إذا كان الاتحاد الاشتراكي مرغوب فيه اليوم، فلأنه يستحيل على حزب العدالة والتنمية التحالف مع الأصالة والمعاصرة. بالإضافة إلى ذلك، ولأن نفس الأسباب تنتج نفس المفعول، فإن الاتحاد الاشتراكي الذي هو في وضعية فقدان الثقة من طرف قاعدته الانتخابية، لا يمكنه أن يخاطر بدفع الثمن غاليا في الانتخابات المقبلة، ويختفي من المشهد السياسي المغربي، المشهد الذي وصل إلى ما هو عليه اليوم من انفتاح ديمقراطي ونزاهة في الاستحقاقات بفضل تضحيات مناضلي الاتحاد طوال نصف قرن. قبل بضعة أسابيع، عندما تشكلت المجموعة الهجينة المعروفة ب»G8»، كتبت مقالا نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 11 أكتوبر 2011 (ويمكن الإطلاع عليه بالفيسبوك عبر الرابط : http://www.facebook.com/notes/omar-abbadi/pour-eviter-la-deception-encore-une-fois/10150353035243563 ، كتبت، وكتب آخرون أيضا، أن هذا التحالف بين أحزاب يمينية وأحزاب يسارية وحزب ذو مرجعية دينية، هو تحالف لا طبيعي ومبادرة لا يمكنها إلا أن يشمئز لها المغاربة. كانت النية الخفية وراء هذه المبادرة هي قطع الطريق على حزب العدالة والتنمية، وكانت النتيجة في آخر المطاف هي أن المغاربة، الذين ليسوا مغفلين ولا هم أغبياء، صوتوا بكثافة لصالح حزب العدالة والتنمية. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. هنا كان للقصة أن تنتهي، لكن ... اليوم، الغريب في الأمر هو أن البعض يتحدث، وبكل وقاحة وبكل طبيعية، عن إمكانية حدوث تحالف بين أحزاب اليسار المتجدِّرين في المرجعية الاشتراكية الديمقراطية وحزب الأصولي المتجدّر في المرجعية الدينية، والذي كان إلى وقت قريب لا يؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية. حذار من الانزلاق نحو المجهول ! أقولها بقناعة منبثقة من غيرتي على هذا الحزب : حذار من اللعب بالنار. إذا انخرط الاتحاد الاشتراكي و حزب التقدم والاشتراكية في الائتلاف المزمع تشكيله، فيمكننا أن نقول وداعا لليسار، ستكون هذه هي نهايته وبداية مهزلة تاريخية. جادل بنكيران ومن معه أن تفضيلهم يميل إلى الكتلة، إلا أن عليهم أن يعلموا أن ميلاد الكتلة كان له سبب تاريخي، أملته ضرورة تشكيل جبهة مشتركة ضد أحزاب «المخزن»، واليوم لم يبق لهذه الجبهة المشتركة عدو مشترك، وحتى في رأي بعض قادة الكتلة فإن جميع الأحزاب على قدم المساواة، بما أنهم حصلوا على ثقة الناخبين من دون تدخل الدولة. فيتعين علينا في أحزاب اليسار الديمقراطي، أن لا نعقد في أي حال من الأحوال زواجا ضد الطبيعة، يجب علينا أن نقتصر على لعب دور المعارضة البرلمانية البناءة والمدافعة عن حقوق المواطنين، لأن بعد ثلاثة عشر عاما في ممارسة الحكم، وحده موقع المعارضة قادر على إعادة كسب ثقة المواطنين من جديد. وبصرف النظر عن هذا اللغز في عملية تشكيل الحكومة الائتلافية، وبكل منطقية سياسية، يمكننا أن نتنبأ أن الأحداث القادمة في المستقبل القريب ستكون جد معقدة. وعلينا أن لا ننسى أن أجمل امرأة في العالم لا يمكنها أن تعطي أكثر من ما لديها.