1 كنّا نتراءى في الحيّ ولا أحد منّا يعرف ما سيصير عليه الآخر. الحيّ، الوحيد الفريد بين أحياء هذه «الدار البيداء» حينما يقال: «الحيّ» يحيل رأسا على :»المحمدي» دونما حاجة إلى صفة أو إضافة، كباقي الأحياء. كان «الحيّ» حيّا، طلق المحيّا، ربيعيّ الحراك الإبداعي والاجتماعي طوال السنة، حتى كاد أن يكون وحده خامس الفصول. 2 كان زينون يبدو ل «ي» من يراه شامخ القامة والهامة والجسد الرشيق والأنيق والشمشوني الشعر الطويل، كأنه عابر في شريط سينمائي أو احتفال مسرحي ولكنه لا يُتوقع ولا يُتصور راقصا، إلا في خلوة الحضرة الحميمة، لاسيما في هذا البلد الراقص البحر والطير والشجر والحجر الصلد ليل نهار، سوى بشر لا يعترف بحقوق الجسد ويقترف كل ابتلاءاته السرية والعلنية، ثم يرفضها ويبغضها لأبنائه وبناته ونسائه فنا وعلما وهلمّ دحما ورجما. 3 من جميل المفارقات، غير الغريبة، أن لا يعترف لسان العرب، الطويل، بحراك «الشطحات» لغة للجسد وأن لا يعرف «الشطح» في كتب أئمة اللغة وأن يعتبر بدعة عامية مثل متعة «الشطيح والرديح» الشعبي، وأن لا توجد هذه البدعة الممتعة إلا عند رجال التصوّف ونساء التشوّف،في حالات الغيبة والسكرة والفناء والإغماء أو لدى عقلاء المجانين والمولهين،الفرحين والحزانى،الحيارى والسكارى، بلهيب الحبيب ونبيذ الصبابة والعشق والوجد، وفي رأي أحد شيخان السوء أن «الشطحاتِ الشيطانيةَ» الجسدِ والروحِ واللسانِ معا ليست صادرة من أصحاب الطريقة وطلاب الحقيقة إلا في حال استحواذ الشيطان عليهم وهي بالتالي لا تعد جمالا وفنا بل ضلالا وكفرا، فطوبى لهم وهلمّ شطحا وسكرا. 4 كثير من نوابغ الحي : محمد الضمراوي الشاعر المغني كاتب السكيتشات الزجلية عازف البندير في فريق الطيب الصديقي ، مصطفى باخالق الأسمر المنتظر دورا، لم يدركه إلا في الديار الفرنسية، حيث توفيا معا، ولا يزال مقيما فيها ابن الحي أيضا عبد السلام شاكر الممثل مع الصديقي القائل» أنا عييت آ خيرة ! « في مومو بوخرصة» على خشبة سينما «فيردان»، محمد التاجر الممثل الإذاعي قبل « حلاق درب الفقراء»، محمد أحمد باهي المصور لفيلم شبيه برعاة البقر قبل «رواد القلم» والانصراف إلى عمله الصحافي، وغير هؤلاء الأصدقاء، المتجاورين والمتحاورين، المتزاورين والمتآزرين، نوابغ آخرون، منهم من سطع نجمه أو كان يلمع اسمه : بوجميع، باطما، حميد الزوغي، عزيز الفاضلي، محمد مفتاح، ولحسن زينون، ممّن كنّا نكنّ ونعلن لهم ونشنّ عليهم العبارات والنظرات المُحِبَّة والمُعجَبَة. 5 مفاجأة سارة، إذ زفّ لنا، غداة غد، والآن، الفنان النجم الراقص لحسن زينون، مُخرج «عود الورد» ومُدخل الرقص الجسدي التعبيري إلى «المغرب الذهبي» والقاتل والمحيي للأب التقليدي والجديد ، لم يقرّ بحقوق الجسد، ولم ير في فن الرقص غير هزّ البطن، يعتليه جسدا وهلمّ دحما ورجما، ولا يرتضيه أبدا لأبنائه وبناته ونسائه فنا وعلما. لا أعرف موقف الفنان زينون من الفلسفة الرواقية، لكنه حتما واسما أحد سكان مدينتها الكونيةِ Cosmopolis وجمهوريتِها العالميةِ المواطنةِ والأصدقاءِ الحكماء.أو يتمثل في هدوئه وإيثاره وصبره وانشراح صدره على الأقل حكمة سميّه الفيلسوف الرواقي الفينيقي اللبناني القديم زينون الذي سئل يوما : ما الذي يُهرمُ؟ فقال : الغضبُ والحسدُ والغمُّ».وهو بالتالي رواقي زينوني الحبِّ العالمي والسلام الكوني وفلسفي «الشطح» الجسدي والروحي وجمالي المجالسة مشّائي المؤانسة صافي المخاطبة وصوفي المكاشفة. ومثلما كنت في الحي، أظنّ أنّ اسم زينون إنما هو جمع زين. وكما كان في الحيّ، مازال الفنان النجم زينون تُكنُّ وتُعلنُ له وتُشنُّ عليه أينما حلّ وارتحل العباراتُ والنظراتُ المُحِبَّة والمُعجَبَة . 6 وكما قال ماركس أو هيغل أو غوته وأنا والغناء الشعبي الإسباني والمغربي، نقول جميعا، مع النجم الراقص لحسن زينون ومنتهى الجموع الغفيرة : هُنا الوردةُ فلنرقص هُنا رقصا جماعيا أُوهْنا طاح الريال هنا نشطحو اللي ما يبغينا يمشي إلخ وهلمّ جرّا وشطحاً وشكرا!..