انعقد المجلس الوطني للنساء الاتحاديات يوم الثامن من الشهر الجاري تحت شعار" تنظيم نسائي فاعل من أجل التغيير والديمقراطية" هذا الشعار له دلالة رمزية تسعى من خلاله النساء الاتحاديات إلى الشعور بالتغير والديمقراطية في مسارهن السياسي المتوقف بسبب العراقيل الثقافية، حيث حضرت العضوات من مختلف الجهات والاقاليم حاملات معهن اشكالية تمثيلية المرأة المغربية في مراكز القرار، واشكالية المناصفة ثم مقاربة النوع كأنهن تحالفن كقوة ديمقراطية حول فكرة الانقاذ والاصلاح في الممارسة السياسية للنساء, حيث تقاسمن نفس القيم والمبادئ الكبرى القادرة في اختلافها ان تلتف حول مشروع او برنامج يستجيب لمصلحة التمثيلية السياسية للنساء. وكان للتدخلات صداها التعبوي لتحيز التصور الحزبي للقضية النسائية, فالشعار يوحي بأن النساء المغربيات انتظرن مدة ثلاثين سنة كاملة لتصل سيدتان الى قبة البرلمان, وبعد اربعين سنة وصلت خمسة وثلاثين سيدة للبرلمان, بعد ان جسد ذكوريته منذ 1963 فلم سننتظر سنة اخرى لنصل الى المناصفة والمساواة التي يقربها الدستور الحالي. عرف المجلس الوطني النسائي نقاشا غنيا وجديا وصل فيه عدد التدخلات الى ما يفوق 40 متدخلة, ناقش عدة محاور تهم المسألة النسائية, بالاضافة الى القضايا السياسية التي تفرضها المحطة الانتخابية المقبلة, فمنهن من قدمت تهنئة للمرأة المغربية بمناسبة رفع التحفظات على اتفاقية سيداو. ومنهن من اعتبرت ان مشكل المرأة هو مشكل ثقافي يساهم في عرقلة وصول النساء الى مراكز القرار بسبب تحجر العقليات منهن من طرحت سؤالا وجيها وهو كيف لنا ان نقبل بالمناصفة في الدستور ولا تتجسد في القوانين المؤهلة لتفعيل الدستور. وفي ظل دستور جديد كيف لنا ان نقبل بنسبة %15 لتمثيل النساء في الانتخابات المقبلة. - عدم احترام الثلث في افق المناصفة, كما غابت عن القوانين المنظمة لتمثيلية النساء في الدوائر المحلية بنسبة %20 ناقش المجلس كذلك اشكالية العتبة وطالب بتوحيدها, حيث ان اللوائح المحلية %6 بينما اللائحة الوطنية %3 واعتبرت هذه العتبة ظلم لأنها ستأسس للبلقنة في التمثيلية السياسية للنساء هذا بالاضافة الى مناقشة الوضع السياسي الراهن وكيفية التهيء للانتخابات على مستوى القوانين المصاحبة لها, ثم اشكالية التحالفات الاخيرة...الخ من خلال هذه النقط التي كانت موضوع نقاش داخل المجلس, يتضح ان الفعل السياسي في المغرب ممارسة ذكورية بامتياز, نظرا لعدة اسباب من بينها غياب ارادة حقيقية لإشراك النساء في المجال السياسي الفعلي. وهذا يتوضح اكثر من خلال ما جاء به الدستور. في الفصل 19 الذي يقر بمبدأ المساواة: القوانين المصاحبة لمقتضيات الدستور لم تحترم حتى تصنيف الثلث في افق المناصفة. نوقشت كذلك القوانين المنظمة للانتخابات 2011 والتي اعتبرت بمثابة محطة سياسية مهمة توضح مدى مسؤولية الدولة والاحزاب في تكريس مبدأ الديمقراطية والمساواة، وقد حظي القانون التنظيمي لمجلس النواب بنقاش قوي من طرف عضوات المجلس, خصوصا الفقرة الثانية من المادة 5 التي كانت محور المداخلات, لأنها كانت تؤسس لمبدأ التداول في اللائحة الوطنية والتي تقر ان كل من ترشح للبرلمان باسم الدائرة الوطنية لايعاد انتخابه للمرة الثانية, وفي الحقيقة هو تدبير ديمقراطي يتأسس على إعمال مبادئ الانصاف واعطاء صورة متطورة عن المغرب, باعتماد اجراءات تؤكد ان المغرب يتقدم ولكن النتيجة كانت هي الغاء هذه المادة ,وبإلغائها فتح نقاش مستفيض بين الفاعلات السياسيات, حيث اعتبرن ان اللائحة كدتبير تميزي يجب ان يخضع لمنطق التداول والتجديد بين المناضلات وتكافؤ الفرص والمساواة بين النساء أنفسهن حتى لا تتحول اللائحة الى ريع سياسي يرفضه الحزب، بحكم مبادئه وادبياته المرتبطة بقيم الحداثة والتدبير التنظيمي والشرعية التاريخية. من خلال ما سبق يظهر أن التنظيم النسائي الاتحادي لازال يقود معركة النضال من أجل الرفع من مكانة المرأة المغربية منذ اكثر من 30 سنة وكان السباق لطرح قضايا التمثيلية النسائية داخل الاجهزة الحزبية والمؤسسات المنتخبة ,وذلك بتحصين مكسب اللائحة الوطنية وتوسيعها بما يضمن تكافؤ الفرص والمساواة باعتبارها قيما كونية تساهم في انتاج القيم واعادة انتاج الحقل السياسي بآليات ديمقراطية. فأجرأتها اصبحت شأنا حزبيا, فلابد من احترام الشرعية الوطنية وتمثيلية الجهات والكفاءة السياسية المؤطرة للفعل الحزبي واحترام مبدأ التداول بين المناضلات الفاعلات حتى لا تتحول اللائحة إلى ريع سياسي, فلا يمكن الترشح مرتين في الدائرة الوطنية لان التمييز الايجابي الذي نسعى الى تحقيقه سيتحول الى تميز طلبي والخطاب الملكي الاخير بمناسبة افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية كان واضحا في ذلك, حيث دعا المجتمع السياسي إلى تحمل المسؤولية لإنجاح هذه المحطة الانتخابية من أجل تحقيق المصداقية السياسية للمؤسسات ومحاربة الريع والاحتكار. فهذا الرهان هو خيارنا التقدمي والاشتراكي الذي ينبني على تكافؤ الحظوظ والمساواة بين الجميع, فمبدأ التداول مرتبط بشجاعة فكرية وحضور نسائي تنظيمي وجرأة في الفعل والطاقة من اجل الاقناع والانجاز نحو الافضل, لأن الديمقراطية لا تستقيم بدون ديمقراطية. وفي نهاية أشغال المجلس الوطني النسائي, صودق بالإجماع على البيان الختامي. اليوم، ونحن نعيش لحظة ما بعد الاستفتاء على الدستور الذي أعطى العديد من الاختصاصات المهمة للمؤسسات المنتخبة، التي تحتاج لمنتخبين في مستوى هذا الدستور من أجل ضمان و الدفاع عن التأويل الديموقراطي للنص الدستوري، خصوصا وأن التجربة المقبلة هي أول تجربة على مستوى تفعيل الدستور الحالي المعدل، لذلك ألا يحق لنا التساؤل و المغرب لم يقطع بعد، و بشكل كلي و نهائي مع سماسرة الانتخابات، الذين عاثوا فيها فسادا، واحترفوا شراء الذمم والأصوات.....و هي الممارسات التي لا يمكن القطع معها فقط بالمتمنيات, بل بإعداد الترسانة القانونية لتحصين الانتخابات، و الأهم التواجد في قلب المعركة الانتخابية، لمواجهة المفسدين، أليس بترك المجال فارغا, سواء أثناء النقاش الأولي حول القوانين المنظمة لانتخابات مجلس النواب/المستشارين، و كذا أثناء الحملة الانتخابية من خلال عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، أمام المحافظين و من سيستفيدون من غياب الصوت اليساري والديموقراطي بصفة عامة داخل المؤسسات التي سيتم انتخابها، إذا ما قاطعت القوى الديموقراطية, ألن تظل القوى المحافظة و اليمينية فقط في الساحة و بالتالي ستمثل لوحدها كقوى وازنة ومهمة في المؤسسات, بالتالي سنكون من حيث لا ندري نخدم المشروع المناهض للحداثة والتقدم، و نقوض من الصوت الذي سيدافع عن التأويل الديموقراطي للدستور لصالح التأويل المحافظ له و لنصوصه و لاستعمالاته, خصوصا وأننا سنكون في أول تجربة انتخابية سيتم من خلالها/بعدها انتخاب المؤسسة التي سيتم من داخلها اقتراح النصوص التنظيمية والتطبيقية للدستور، التي تعتبر روح الدستور و جوهره، لذلك فإضعاف الصوت الديموقراطي من خلال المقاطعة لن يكون إلا في خدمة المحافظين و اليمين، و لا يحق لمن قاطع اليوم الانتخابات أن يتباكى على النصوص التنظيمية التي ستكمل الدستور، فالغياب اليوم عن الانتخابات هو غياب يوم غد عن تحقيق ميزان قوى لصالح التأويل الديموقراطي للدستور بمجلس النواب. وبمراجعة الأسباب التي تم تقديمها لتبرير موقف المقاطعة يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات حولها، منها: أولا: انطلاقه من ضرورة مراجعة موقف المشاركة، و الذي أدى في نهاية التحليل الى اعتبار المشاركة في الانتخابات "على قلة هذه المشاركة" غير ذي جدوى، ألا يجب أن نعكس المقاربة هنا و التقييم، و نقول أليس السنوات الطوال من المقاطعة والقطيعة مع المشاركة هل أدى الى توسيع المشاركة السياسية؟ هل أنهى مع الأسباب السياسية التي كانت من وراء موقف المقاطعة؟، أم أنه بالمقابل عزز من موقع المحافظين و اليمين، وكذا المفسدين الانتخابيين، إن الصورة إن عكسناها وعكسنا معها الرؤية لثنائية المشاركة/المقاطعة سنجد أنه كلما تعززت المشاركة السياسية كلما تعزز الصوت الديموقراطي بالمؤسسات الانتخابية، و كلما كانت المقاطعة تقوى معها الصوت اليميني/المحافظ في أبشع صوره السياسية. ثانيا: المقاطعة بمنطق المشاركة، المقولة التي تم ترديدها بكثرة من أجل تقديم إشارة سياسية وواضحة للدولة أن المقاطعة ليست بمقاطعة "للنظام" و للدولة ومؤسساتها، بل هي فقط مقاطعة سياسية للعملية الانتخابية... تعتمد على مسألة كون المقاطعة ستؤدي الى تحسين شروط الانخراط مستقبلا.... هنا يطرح التساؤل التالي: متى كانت المقاطعة تقوي من المشاركة؟؟؟ لماذا لم تحقق هذه القوى التي قاطعت اليوم الانتخابات و التي كانت تقاطع الانتخابات قبل أن تقرر المشاركة في الانتخابات السابقة, سواء الجماعية منها أو التشريعية اكتساحا لهذه المؤسسات عندما قررت المشاركة؟ ان المقاطعة هي في نهاية المطاف تؤدي الى العزلة، عزلة ليست عن الدولة و ليست فقط عن المؤسسات, بل عزلة عن المواطنين و عن الساكنة والناخبين....المواطنون يحتاجون اليوم كما كانوا محتاجين دائما لمن يمثلهم، و يدافع عن مصالحهم الفردية و الجماعية من أجل تحقيق مطامحه/هم، و أن يكون صوته داخل المؤسسات.....اما مقاطعة هذه الاخيرة لن يؤدي الا الى العزلة عن الساكنة و عن المواطنين. ثالثا: ربط موقف المقاطعة بحركة 20 فبراير، الذي يلاحظ على هذه الاحزاب هو انها عندما اتخذت قرار المقاطعة فقط ربطت بين موقفها السياسي من عملية سياسية كبيرة سترهن مستقبل المغرب لسنوات قادمة و ستؤثر على ملامحه المؤسساتية و طبيعتها، و بين الحراك الموجود في الشارع المتمثل في «حركة 20 فبراير" الذي لا ينكر أحد بأنه إلى جانب عوامل سياسية أخرى كان لها الفضل في المراجعة الشاملة للدستور الحالي، مما يطرح سؤالا رئيسيا حول دور الحزب السياسي؟ و من يقود من؟ و من يؤثر في من؟ هل الحزب الذي له رؤية سياسية ومرجعية إيديولوجية هو الذي من المفروض أنه يقود الجماهير ويؤثر فيها وفي حركاتها الاجتماعية؟ أم أن الحركة التي لا تتوفر لا على إيديولوجية، بل تخترقها تناقضات فكرية وسياسية عميقة هي من تؤثر في الحزب؟؟ هل الحزب الذي من المفترض أن له رؤية سياسية واضحة ومنسجمة هو من عليه أن يؤثر في الحركة،و في الحراك أيا كان نوعه، أم أن الحركة الجماهيرية التي لا رؤية لها، اللهم الشعارات السياسية التي ترفعها والتي تظل في جزء واسع منها مجرد شعارات مطلبية ترفعها في مسيراتها وتحركاتها بالشارع، هو من يؤثر في الحزب؟ من هو الأداة التنظيمية التي من المفترض أنها هي من تنظم المواطنين،و المحتجين, هل الاطار الحزبي ام الحركة الجماهيرية التي لا قوالب تنظيمية لها، ولا مؤسسات تنظمها، بل حركة جماهيرية مفتوحة على الشارع، ليس لها من تحاسب و لا من تخاطب و لا في النهاية من يتحمل كامل المسؤولية في الموقف الذي يتم اتخاذه؟ الحزب هو الأداة الطبيعية لتأطير الجماهير و قيادتها. إن هذه الجدلية التي طرحت اليوم، تجعل من سؤل الحزب باعتباره الأداة الطبيعية التي تؤطر المواطنين، محط تساؤل و سؤال و يجعل أصحاب هذه الجدلية محط تساؤل عميق حول مفهومهم للحزب و لأدواره. الحزب السياسي هو من يؤطر الجماهير،هو من يؤثر فيها و يقودها، و يخضع في النهاية لقواعد الديموقراطية التي تعني الخضوع لصندوق الاقتراع على اعتباره مجال تنظيم الصراع السياسي، وليس رهن الحزب الى حراك غير منسجم لا داخليا ولا مطلبيا، ولا موحد الرؤية حول الدولة التي يريد..... إن الأسباب التي تم تبرير بها موقف المقاطعة، تظل ضعيفة، و غير مقنعة، لا سياسيا ولا نظريا، بسبب كون الحالة المغربية اليوم، و منذ انطلاق هذا الحراك المجتمعي لا تشبه الحالة التونسية و لا المصرية على سبيل المثال...، المغرب و«الحركة نفسها ليست في وضع ولا في حالة الثورة على النظام حتى نعتمد الحركة والشارع بمختلف تناقضاته كأداة رئيسية ومركزية في التغيير و في اتخاذ قراراتنا، كما حدث مع النماذج العربية السالف ذكرها، المغرب في وضع و حالة إصلاح، ومطالبة بالتغيير السياسي و الاجتماعي وليس بإسقاط النظام او تغييره كليا، بالتالي يبرز هنا دور الحزب السياسي كمؤطر للشعار السياسي وللحراك في الشارع، و مؤثر فيه لا متأثر فيه, خصوصا على مستوى المواقف الاستراتيجية الكبرى التي تهم المغرب والحزب نفسه. كما يظل هذا الموقف ينم و يعكس رغبة دفينة في الهروب الى الامام و الاتجاه نحو الحل السهل، وتجنب عناء مواجهة المفسدين و الفساد الانتخابي في قلب المعركة الانتخابية لا على هامشها، والدفاع عن الديموقراطية و عن التأويل الحداثي للدستور الذي سيفعل" بضم الياء" بقوة في الولاية التشريعية المقبلة، حيث أن الأغلبية المقبلة هي من ستمرر رؤيتها للدستور من خلال القوانين التنظيمية التي ستمررها، لذلك الدفاع اليوم عن المشاركة هو دفاع عن الصف الديموقراطي، مادام أن المقاطعة لا تؤدي في النهاية الى ايقاف العملية الانتخابية، حتى يقتنع من يقاطع بالمشاركة، بل تجعل المواطنين رهينة المحافظين و المفسدين ومحترفي الانتخابات، هو دفاع عن التأويل الديموقراطي للدستور، وعن الخيار الاجتماعي التنموي.....