ابتسمت في وجهها فأدارته عني تاركة البسمة التي ارتسمت معلنة عن الأمل، كسر الأمل وضعف ولازم الفراش كعادته حتى مات، مات لأنه لم يجد طبيبا كغيره من الآمال والأحلام التي استرجعت عافيتها بعد مرض طويل وبعضها دخل في غيبوبة لكنه عاش وتحقق. لماذا تديرين عني وجهك توسلت لا حتى رجعت كنت أنظر إليها متشوقة لوصولها بسرعة، وأنا أكتم البسمة كي لا تدير وجهها من جديد، اقتربت ثم ابتسمت ابتسامتها المؤقتة، فبادلتها إياها ثم أدارت وجهها، وكأنها تعاقبني وبعد ذلك اختفت. كان المكان باردا و مظلما بأشجاره الفارعة التي كانت تطردني وهي تتمايل وتصرخ من شدة البرد. شفق القمر على حالي فأنار الطريق أمامي فإذا بي أرى منازل مغلقة أبوابها، توجهت نحو أحدها برفقة الأمل الذي عاد كي يصاحبني، أمسكت يده بشدة فطرقت الباب الأول فإذا بالصداقة تفتح والأمل يختفي وكأنه الماء الذي يطفئ نار الصداقة، حضنتني بلهفة لا توصف حتى صرت أرتعش كقارب وسط أمواج العرق والدموع التي انهمرت غزيرة كشتاء شباط. ارتحت لها أحسست بالأمان والدفء اللذين كنت أفتقدهما فوجدت نفسي أحكي لها كطفل الثامنة الذي يفر خوفا من العقاب، حكيت لها عما فعلت الدنيا بي، أتت بي إلى مكان مظلم موحش وأدارت عني وجهها، حكيت لها كل شيء، أمنتها على أسراري، حكيت لها عن التاسعة وعن العشرين، حكيت لها عن الطفولة وعن المراهقة ونحن نشرب فنجان القهوة، أخذنا الحديث ولم نشعر بالوقت الذي فات، والمشكلة، أني لا أبالي بفواته فأنا لا أعلم إلى أين العزم بعدما تركتني الدنيا. طرقت الباب الثاني وها هي السعادة تؤهل وتسهل من اشتياقها لي، جلسنا في الشرفة التي كانت تطل على بساتين الريحان والياسمين، حيث كان الكل يعمل في تعاون لخدمة السعادة، رأيت الفرح يضحك بهجة بقدومي، رأيت راحة البال تفترش العشب مستلقية في هدوء وسكينة، أما الحب فكان يسبح في نهر العشق والهيام. يا له من عالم تسوده كل أشكال السعادة، استمتعت كثيرا بلحظة الشروق فأنا وحدي من شاركت الشمس فرحتها به، سمعت صوتا يناديني من تحت الشرفة إنها الحرية تدعوني لتناول الفطور برفقتها، وها أنا ذا أدخل منزل الحرية بعد شوق يكبرني بسنتين، وها هو ذا الحظ ينتظرني في منزل الحرية الغالية كي يدعوني لتناول الغذاء بصحبته، فيالحظي ويا لفرحتي التي لا تشترى بمال، وعلى ذكر المال فأنا مدعوة ليلا لحفل يقيمه المال على شرفه. زرت كل المنازل ولم يبق غير منزل واحد وسط الأشجار، تشوقت لمعرفة من يسكنه، توجهت نحوه فطرقت الباب و انتظرت كثيرا حتى فتح كي أفاجأ بالمرض الذي كنت أتحاشاه طوال الحياة والغريب أنه استقبلني بحفاوة لم يسبق لي أن رأيتها من قبل. تقدمت بخطوة متكاسلة، أغلق الباب وبدأ يعرفني عن رفقاء السوء، ضعف وظلم وخوف، فرحوا كثيرا بقدومي أحسست بملل لم أشعر به من قبل، انتابني صمت غريب، فقدت كل ذكرياتي الحلوة التي عشتها منذ شروق الشمس وها هو الغروب قد حل وأنا ما زلت بهذا المنزل الذي لا أعلم كيف النجاة منه، أخبرتهم عن زياراتي التي قمت بها طوال يومي، حاولت إخراجهم من كآبتهم، لكني أنا من اكتأب عندما علمت بأن كل المنازل التي زرتها كانت مهجورة لم تدخلها صداقة ولا سعادة ولا حرية. غادرت المنزل كي أتأكد من صحة الخبر، طرقت كل الأبواب ولا أحد يرد الصدى، صدمت من الكذب الذي لم أطرق له بابا، فاجأتني الخيانة التي لم أشاركها طعاما، غادرت المكان بسرعة، ظللت أجري والمرض يلاحقني، لم يستطع الإمساك بي فقد حفظت اللعبة. وقفت أخيرا وأنا أسمع صوتا يناديني، لكن هذه المرة من الأعلى، صوت قادم من ظلام حالك كان زرقة، سمعت صوتا يناديني من السماء، إنها الموت التي لطالما بحثت عن منزلها. أخبروني أن منزلها بعيد ولم أصدق وقد آن الأوان على ذلك. فرحت كثيرا، فأنا لن أطرق بابا بعد الآن. فهناك كل الأبواب مفتوحة لمن عمل على دخولها. فإلى كل من تاه بين بيوت مغلقة أبوابها ولا يعلم من يسكنها، فليبن بيته بنفسه.