عبد الكبير طبيحالحديث عن البرلمان وتمثيلية النساء هو في العمق فتح للنقاش حول إعادة توزيع السلطة في المجتمع. والحديث عن إعادة توزيع السلطة في المجتمع هو حديث موجه لاقتسام السلطة بين المرأة والرجل، مما يدفع إلى التساؤل: هل للرجل سلطة حتى نطالبه باقتسامها مع المرأة؟ أو ما هي السلطة التي يراد اقتسامها بين المرأة والرجل وكيف؟... أليس الخوض في هذا النقاش هو البدء في التفكير في إعادة تشكيل العلاقات بين الرجل والمرأة في المجتمع، أي إعادة طرح النقاش حول هيكلة البنية السسيولوجية المسندة إلى عماد الرجولة في بناء هذا المجتمع. هل إشكالية الاعتراف بدور المرأة في المجتمع بدأت مع بروز دورها في الهيأت التمثيلية أم أن المغرب سبق له أن فتح ورش المساواة في ميدان أكثر صعوبة وتعقيدا من مجال التمثيلية السياسية للنساء في البرلمان، ألا وهو مجال الأحوال الشخصية، الذي انتهى بسن مدونة الأسرة بكل جرأة و مسؤولية، وبالخصوص في إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة، عندما ساوت تلك المدونة بينهما في اشتراط حصول الإذن من القضاء، سواء في الزواج أو الطلاق بالنسبة للزوج مثله مثل المرأة؟... يمكن أن نقف اليوم على هذا المكتسب المهم والمؤثر في باقي المجالات الأخرى، وهو مجال الأحوال الشخصية لنستخلص أن إعمال مبدأ المساواة في الفرص الانتخابية لا يمكن أن يكون مستحيلا أو صعبا بالنسبة للمغرب. فمشروعية هذه الأسئلة تجد أجوبة لها أو عنها في الدساتير التي عرفها المغرب وفي القوانين التنظيمية للأحزاب السياسية. وقبل محاولة البحث عن أجوبة لهذه الإشكالات من الضروري التذكير بما يلي: إن أي تحليل أو تدارس أو سن لقانون يهم تدبير السلطة في مجتمع معين لا يكون صحيحا وسليما ما لم يستحضر قضية مركزية تتلخص في أن إعمال الفكر التجريبي في سن القوانين المؤسسة أو المهيكلة لمجتمع معين، دون علم مسبق بالأثر الذي ستحدثه في ذلك المجتمع، لأن ذلك الأثر إذا كان سلبيا، فإنه يصعب، بل قد يستحيل إصلاحه بعد ذلك. لذا نجد أن مهندسي الدساتير أو القوانين التنظيمية لا يتجرؤون على سن قواعد تهم مجتمعاتهم قبل أن يكون لهم إطلاع قوي وواسع على تجارب دول أخرى ليستفيدوا منها ويستنيرون بها. إنه من المفيد جدا لمعرفة التحول الذي سيعرفه الوضع المؤسسي لتمثيلية النساء في البرلمان أن نقارن بين ما أتى به الدستور الحالي مع الوضع الذي كان يقره دستور 1996. فعندما نعود إلى دستور 1996، نجده تناول قضية المساواة بين الرجل والمرأة في ثلاث مناسبات: الأولى، في الفصل 5 منه عندما نص على ما يلي: «جميع المغاربة سواء أمام القانون». ثانيا، عندما نص الفصل 8 منه على ما يلي: «الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية». «لكل مواطن ذكر كان أو أنثى الحق في أن يكون ناخبا إذا كان بالغا سن «الرشد القانوني ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية». ونجده ثالثا ينص في الفصل 12 منه على ما يلي: «يمكن لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم «سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها». هذه القواعد الدستورية هي التي -مع الأسف- منعت النص على أن اللائحة الوطنية هي خاصة بالنساء فقط؛ وذلك لأن تلك القواعد أكدت على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهو مبدأ لا يعترف بأي تمييز لفائدة أي طرف. وهذا الإشكال هو ما دفع بالأحزاب إلى الاتفاق، خارج دائرة القانون التنظيمي، على ما يمكن أن يوصف بحيلة قانونية تتمثل في عدم الذكر، في القانون التنظيمي، أن اللائحة الوطنية هي خاصة بالنساء. لكن التزمت تلك الأحزاب، أخلاقيا، بأن لا ترشح في تلك اللائحة إلا النساء دون الرجال. و بهذه الطريقة تم تحاشي اعتراض المجلس الدستوري على اللائحة الوطنية. أما اليوم، فإن مشروع القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب نص بصفة صريحة على تخصيص لائحة للنساء والشباب. فماالذي تغير حتى سمح المشرع المغربي بالنص صراحة في مشروع القانون المذكور على تخصيص اللائحة الوطنية للنساء؟ وهل لا يعتبر ذلك متناقضا مع مبدأ المساواة؟!... من المفيد التذكير بكون مبدأ المساواة المنصوص عليه في دستور 1996 تم سنه بمقاربة عددية، أي حقوق رجل في مقابل حقوق امرأة، دون الاستناد إلى أي خلفية فكرية أو سياسية دافعة للنهوض بدور المرأة. لكن عندما نقرأ الفصول التي تتكلم عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور الحالي، نلاحظ أن الفكر المؤسس لهذا المبدأ لم يكن فكرا محايدا، أي لم يعتمد المقاربة المشار إليها أعلاه، بل تجاوزها ليضفي على مبدأ المساواة وظيفة ناقلة ورافعة لدور المرأة في المجال السياسي بما يمكنها من لعب أدوار أكثر أهمية في الحياة والمجتمع. وهكذا نرصد الفكر المؤسسي في الفصول التالية التي ينقرأها في جدلية مع قراءة الفصول 5 و8 و12 المشار اليها أعلاه. إذ نجد، أولا، أن تصدير الدستور تضمن مبدأ جديدا، وهو حظر ومكافحة أشكال التمييز بسبب الجنس... ونجد، ثانيا، أن الفقرة 2 من الفصل 6 من نفس الدستور تنص على ما يلي: «تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم ..الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم و«... مشاركتهم في الحياة السياسية». ونجد، ثالثا، الفصل 7 من نفس الدستور ينص على: «تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين و«.. تكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير «.. الشأن العام وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في «.. ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل « .. الديموقراطية في نطاق المؤسسات الدستورية». ونجد، رابعا، أن الفصل 19 ينص على مالي: «يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية».. والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة » في هذا الباب من الدستور. «تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء»، «تحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة التمييز». لكن ما هو الفرق بين المبادئ المنصوص عليها في دستور 1996 و التي منعت النص على أن اللائحة الوطنية هي خاص بالنساء و بين المبادئ المنصوص عليها في دستور 2011 و التي سمحت بذلك؟... أليست مقتضيات دستور 2011 هي الأكثر قوة في منع تخصيص اللائحة الوطنية للنساء، خصوصا أن دستور 2011 تميز عن دستور 1996 في كونه أضاف إلى مبدأ المساواة مبدأ جديدا هو حظر ومكافحة التمييز، مما يؤدي إلى الفهم بكون ما ينطبق على الرجل يجب أن ينطبق على المرأة بدون تمييز؟... وإذا كان هذا الفهم صحيحا، فإن النتيجة الحتمية هي استحالة استفادة المرأة من أي تمييز إيجابي كيف ما كان. غير أن الفهم الصحيح، في تقديري، لما حمله دستور 2011 لقضية مكافحة التمييز ومبدأ المساواة لا يمكن أن نستوعبه فقط من قراءة المبدأين، وإنما لا بد من قراءة تلك المبادئ في استحضار لما ينص عليه الفصل 30 من دستور 2011 الذي ورد فيه: «لكل مواطن ومواطنة الحق في الترشيح للانتخابات بشرط بلوغ « سن الرشد القانوني والتمتع بالحقوق المدنية والسياسي. وينص « القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء و« الرجال في ولوج الوظائف اللانتخابية. فالفصل 30 هو الذي يعطي للائحة الوطنية الخاصة بالنساء سندها الدستوري القوي وليس الفصل 19، لأنه سن آلية للسماح بتطبيق مبدأ السعي إلى المناصفة على أرض الواقع المنصوص عليه في الفصل 19. فهذا الفصل هو الذي يترجم التحول الذي عرفه فكر المشرع الدستوري لمبدأ المساواة ولمبدأ مكافحة التمييز. والملاحظ أن هذا الفكر اعتمد منهجية الثابت والمتحول لفك هذه الإشكالية المعقدة عندما أكد على مبدأ المساواة ومبدأ مكافحة التمييز كمبدأ ثابت لا نقاش حوله، بينما سن، لأول مرة، مبدأ متحولا وهو مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في الولوج للوظائف الانتخابية بما يفتح الطريق للقانون في سن الآليات التي تعطي للنساء فرصة، ليس للترشح للانتخابات وإنما، وهذا هو المهم، لولوج الوظائف الانتخابية، أي لكي تصبح عضوا في المجالس المنتخبة. فإقرار لائحة خاصة بالنساء هي ألية دستورية تحمل مفهوما متقدما لمبدأ المساواة ولمبدأ مكافحة التمييز خلافا لما قد يظهر عند أول قراءة لهذه المادة. ستتأكد هذه الآلية التفضيلية للنساء، مرة ثانية، في الفقرة 7 من الفصل 115 من الدستور التي تتكلم عن تكوين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي تلزم أن يتكون ذلك المجلس من نساء قاضيات من بين الأعضاء المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي. فهذه المقتضيات الجديدة في الدستور المغربي هي ثمرة المفهوم الجديد لمبدأ المساواة ولمبدأ مكافحة التمييز، وهو المفهوم الذي أسس لتخصيص لائحة وطنية للنساء خلافا للوضع الذي كان قائما في ظل دستور 1996. لكن من المفيد الإشارة بالمناسبة إلى مفارقة تعرفها وضعة المرأة في المغرب اليوم وتتمثل في كون النساء يبذلن مجهودا كبيرا في التحصيل العلمي في المدارس وفي الجامعات، وهو ما يلاحظ في كون برلمان الطفل، مثلا، والذي يتشكل من الأطفال الذين حصلوا على أعلى النقط في الدائرة الانتخابية التي توجد بها مؤسستهم التعليمية، كان يتكون من أغلبية للأطفال في مقابل أقلية للطفلات. غير أن الوضع انقلب لتتجاوز نسبة الطفلات 60% مقابل انخفاض في تألق الأطفال، وهذا الوضع نلاحظه كذلك في الجامعة. لكن لماذا لا نلحظ هذا التفوق في نهاية الطريق بالنسبة للنساء، أي لماذا لا تكون نسبة النساء في المسؤوليات السياسية والاقتصادية والتمثيلية والحزبية أعلى من نسبة حضور الرجال؟... ألا تلعب أسباب مثل وظيفة الأمومة والاشتغال بالبيت والاهتمام بالزوج والأطفال دورا في تقهقر دور المرأة في المجتمع؟... في الحقيقة لا أملك جوابا شافيا بقدر ما أملك طرح سؤال محرج. بعد هذه النظرة على التحولات التي عرفها مفهوم المبدأين المشار إليهما أعلاه، من المفيد، أكثر، إجراء إطلالة على إشكالية تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة عبر العالم؛ وذلك من خلال دراسة أشرف عليها الاتحاد الدولي للبرلمانات ومركز البحث العلمي و العلوم السياسية بفرنسا، تناولت قضايا متعددة نقتطف منها بعضها... بخصوص الاهتمام بالسياسة والشأن العام، فقد تبين من تلك الدراسة أن الرجال يهتمون بالسياسة بنسبة 58% مقابل 39% من النساء. كما وقفت تلك الدراسة على أن نسبة من النساء تفضل الحديث حول السياسة والشأن العام في الوسط العائلي أو مع الزوج وليس خارج البيت. وعندما ندقق في نسبة 39% المشار إليها أعلاه، نلاحظ ما يلي: - 30% عاملات. -32% مستخدمات. - 48% رئيسات مقاولات. - 58% مهن حرة. - 72% في مجال التعليم. تقف تلك الدراسة كذلك على نتيجة جد قوية تتمثل في خلاصة مفاده أن اهتمام المرأة بالسياسة والشأن العام يتقدم ويتأخر تبعا لمدى استقلالها الاقتصادي والمالي. أما بخصوص الاهتمام بالسياسة في الاتجاهات الفكرية، اليسار واليمين، فتتوزع كما يلي: في اليسار 35% رجال و40% نساء. في اليمين 34% رجال و30% نساء. وقد حصلت سيكولين روايال على 28% من أصوات الرجال وعلى 36% من أصوات النساء. بينما حصل ساركوزي على 28% من أصوات الرجال و34% من أصوات النساء. أما بخصوص الكوطا، فإن دراسة الاتحاد الدولي للبرلمانات وقفت على أن 25 من البرلمانات التي تتكون برلماناتها من أكثر من 30% من النساء اعتمدت النساء لولوج البرلمان على ألية الكوطا. وأكدت تلك الدراسة أن ولوج المرأة إلى البرلمان في تلك الدول فرض إما عن طريق الدساتير أو القوانين التي تلزم بأن تتضمن لائحة الترشيح نسبة معينة من النساء تحت طائلة بطلانها. ومع ذلك، فإن نسبة النساء البرلمانيات في العالم في سنة 1995 لم يتجاوز 11,3%، و في سنة 1999 لم تتجاوز 12,9%. و هذه النتيجة موزعة بين الدول كما يلي: - البلدان الإسكندنافية 38,9%. - البلدان الأمريكية 15,4%. - البلدان الإفريقية 11,5%. - البلدان العربية 30,6%. كما أن تلك الدراسة وقفت على أن أهم نمط للاقتراع الذي يمكن المرأة من فرص أكثر لولوج الوظائف الانتخابية هو النظام النسبي. غير أن نمط الاقتراع النسبي لا يكون وحده كافيا وإنما لابد من أن تكون المرأة في وضع متقدم في ترتيب اللائحة وأن تكون الدوائر الانتخابية موسعة لتحاشي تأثير الزبونية. إن ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة يجب أن لا يكتفى فيها بسن قواعد خاصة بهن في القوانين الانتخابية، بالنظر للانتقادات المتزايدة التي أصبحت توجه للائحة الوطنية ومن أوصاف بالريع الانتخابي، مع أنها لعبت دورا كبيرا في فسح المجال لعدة طاقات نسائية أثبتت جدارتها وأهليتها لتحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام داخليا وخارجيا مثلها مثل الرجل، وإنما يجب أن يتضمن القانون المنظم للأحزاب مقتضيات تمكن من إعطاء الفرصة للنساء في الولوج إلى المؤسسات التمثيلية. وليس فقط الترشح إليها. إن الانتقادات التي وجهت للائحة الوطنية هي التي دفعت إلى تدخل المشرع لإحداث قاعدة قانونية جديدة في مشروع القانون التنظيمي لأعضاء مجلس النواب المعروض حاليا على البرلمان وهي المادة 5 التي تقضي بعدم السماح لمن انتخب في اللائحة الوطنية بأن يعيد الترشح فيها مرة أخرى.