حسني مبارك، الرئيس الذي حكم مصر لفترة طويلة والذي كان تجسيدا للفساد فيها، جرى تقديمه لمحاكمة علنية تعد أيضا بدراما علنية، لكن ما لا تعد به هو المحاكمة العادلة، وهو هدف غير هام بالنسبة لبعض المصريين لكنه أمر حيوي لدولة متحضرة. على السلطات العسكرية التي تحكم مصر الآن في انتظار تشكيل حكومة مدنية أن تبذل أقصى جهدها لضمان أن تكون هناك محاكمة عادلة لمبارك بتهم الفساد وقتل المدنيين خلال الانتفاضة التي أطاحت به. في ما يتعلق بالاتهامات بالفساد، هناك الكثير من التشويش. والكثير من الإيحاء بأن الرئيس السابق أخفى ثروة ضخمة تبلغ 470 مليون دولار على الأقل في حسابات ببنوك دولية، لكن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هناك أدلة لإدانته. على الادعاء أن يكون دقيقا في ذلك، وإن لم تتوفر لديه الأدلة، على المحكمة أن تحكم تبعا لذلك. التهمة الأهم والأخطر هي تهمة قتل 800 من المتظاهرين. من المناسب تماما، في الواقع من المرغوب فيه، أن تتم محاكمة مبارك بهذه التهمة. كغيرها من الأنظمة العربية التي يهددها الربيع العربي (مثل نظام القذافي)، من الملاحظ أن حكومة مبارك كانت على استعداد لإراقة الدماء من أجل حماية نفسها. وهذا يعتبر جريمة بقدر ما هو عمل سياسي، لكن على المحكمة أن تكون قادرة على إثبات أن مبارك شخصيا كان على علم بأن قوات مسلحة كانت تشن هجمات على المدنيين. من مصلحة مصر في محاكمة الرئيس مبارك، وبالتحديد إذا ما كان هناك عقوبة تصل حد الحكم بالإعدام، ألا تبدو وكأنها قضية عدالة المنتصر، وهو الوصف الذي ينطبق على محاكمة صدام حسين وإعدامه، كما ينطبق على غيره من الطغاة المخلوعين. مثل هذه التحفظات تقلق حتى بعض المراقبين لمحاكمات نورمبيرغ التي عقدت في نهاية الحرب العالمية الثانية. تمتلك مصر نظاما قضائيا يستحق الاحترام، وهو مأخوذ جزئيا من نظام القضاء الأوروبي في تطبيق العدالة، ويفترض أن يكون حرا من تأثيرات السياسة، لكن الادعاء أعلن عن التهم قبل تلك التظاهرة الكبرى للمحاكمة، ظاهريا للعب على مشاعر الجماهير المحتشدة. بعض المصريين، وانطلاقا من ذلك الاحترام المعتاد لأي رئيس سابق، يخشون أن تقوم المحكمة بمحاباة مبارك في حكمها. وهذا أمر سيثير الكثير من الاعتراضات، لكن سيكون الأمر كذلك مثيرا للاعتراض لو كانت الأحكام قد وضعت لإرضاء المصريين الذين يقفون ضد مبارك. المبدأ الرئيس الذي وضعه نصب أعينهم أولئك الذين ثاروا ضد مبارك، هو مبدأ يتعلق بتطبيق القانون، وهو أمر يجب أن يطبق أيضا حتى في قضية ديكتاتور مكروه. المحاكمة الوحيدة المقبولة هي تلك التي تظهر النظام القضائي المصري نظاما يعمل بمنأى عن السياسة.