لاتقدم لنا رياضتنا الوطنية دائما، غير البؤس الاجتماعي للرياضيين فحسب، إنها تضع أمامنا أيضا صورا نعتز بها لرياضيين نجحوا في الإرتقاء بأوضاعهم الاجتماعية للأفضل والأحسن.. رياضيون ناجحون تحولوا من مجرد أرقام في كشوفات فقراء هذا البلد، إلى أسماء تتمتع بأفضل ظروف العيش، بل في العديد من الحالات، لمحسوبين على قائمة أثرياء المجتمع ونخبته الغنية.. دائما، حين يطرح السؤال حول أثرياء رياضتنا الوطنية، تفرض المقارنة مع الخارج نفسها بقوة.. ميسي برشلونة يتقاضى مثلا أكثر من40 مليون أورو سنويا (أي أكثر من 42 مليار سنتيم)، فكم من لاعب مغربي نجح في تجاوز عتبة مليار سنتيم في رصيده البنكي؟ للأسف، تغيب الإحصائيات التفصيلية، ويغيب الجرد الحقيقي لعدد أثرياء رياضيينا، كما يغيب التحديد الواضح للائحة المتقاعدين والمعتزلين الرياضيين الذين نجحوا في تجاوز عتبة الفقر وضنك العيش، وعاشوا ما بعد اعتزالهم في وضع اجتماعي مريح، وأكثر من مريح لدى عدد كبير منهم. كيف انطلقوا في مسارهم الرياضي؟ وكيف تحولت أحوالهم وتغيرت أوضاع معيشتهم؟ كثير منهم ولجوا الميدان الرياضي وهم يعانون ضيق الحال، دون رصيد بنكي، وبوضع اجتماعي جد محدود، ليغادروه وهم «لاباس عليهم»، بعدة امتيازات وبرصيد مالي مهم، وبعضهم بمأذونيات للنقل «كريمات»، وببرستيج اجتماعي جديد.. في السلسلة التالية، رصد لبعض المسارات، مع الإشارة إلى رفض عدد كبير من رياضيينا الكشف عن تفاصيل وأرقام أرصدتهم المالية!! هو من اللاعبين الذين يستحقون أن يقف المرء احتراما وتقديرا لهم لما قدمه من عطاء متميز في عالم كرة القدم. ليس لموهبته الرائعة فحسب، بل وهذا هو الأساسي، لما حمله ذلك الصبي القادم من حي بوشنتوف بالدارالبيضاء، من عزيمة قوية استطاع بفضلها تغيير واقع معيشته ومعيشة أسرته، والارتقاء بوضعية محيطه العائلي لمستوى أكثر من جيد. إنه عبدالحق أيت لعريف الذي تألق تحت ألوان الوداد،قبل أن يلتقي نفس التألق في مختلف البطولات بالخليج العربي. فتح اللاعب عبدالحق أيت لعريف عينيه للحياة في الفاتح من أكتوبر من سنة 1983, بحي بوشنتوف، الزنقة 8 المشهورة باسم الدوار، بتراب عمالة الفداء درب السلطان. فتح عينيه في وسط فقير يكاد يضمن لقمة عيش يصارع الأب كل الطواحين من أجل توفيرها لستة أفراد (ولدين وبنتين) وأمهم..الجميع يقطن داخل بيت لايحمل إلا اسم منزل، بيت صنابيره ناشفة دون ماء، و أصحابه يتعبون من أجل توفير سطل ماء من صنوبر مشترك من (لعوينة) الموجودة في رأس الدرب.. يمضي الأب ساعات يومه أمام ( قلاية) يقلي فوقها سمكا يطرحه فوق طاولة محله الصغير .. زبناؤه معظمهم من سكان الحي، أبناء الدرب.. عديدون منهم يتناول ويأكل ما لذ من يدي القلاي دون أن يؤدي ثمنه ويكتفي بترديد عبارة (هاهي عندي تايفرجها مولاها).. كان على الوالد أن يتدبر أمور أسرته بذلك الفتات الذي يجنيه من طرح ما يقليه من سمك أمام زبائنه.. وكان عبدالحق يكبر وينمو وسط ذلك المحيط.. عشق الكرة منذ نعومة أظافره، شأنه شأن أقرانه من أطفال حي بوشنتوف.. لكن الفرق بينه وبين معظمهم،هو أنه انطلق في ملامستها بطريقته هو وليس مثل أصدقاءه.. في لمسته الطفولية للكرة،كان واضحا أنها موهبة وقد انبعثت، كان فنانا منذ صغره، كما كان عنيدا لايقبل بمنطق الانهزام.. هكذا يصفه بعض أصدقاء الأمس من أبناء زنقة الدوار.. بدأت حينها الدعوات توجه أليه للعب في بعض فرق الأحياء.. ساعات اليوم كله يقضيها باحثا عن معشوقته الكرة, ومع ذلك, لم يكن ينسى واجبه في مساعدة والده في قلي وبيع السمك، كان هكذا يجاهد من أجل هجران تلك المعشوقة الساحرة، ليقف بجواروالده في عمله.. ولكونه كان وسيما بشعر أصفر، فلم يتعب الزبناء والأصدقاء في العثور له على لقب سيظل يحمله طويلا، قمرونة، هو اللقب الذي حمله في كل ملاعب فرق الأحياء بسيدي عثمان، بنمسيك، الفداء، درب السلطان وغيرها من الأحياء والدروب قبل أن يستقر به الحال حاملا ألوان فريق نجم الشباب البيضاوي، أحد أعرق الفرق البيضاوية بل والوطنية. كان لابد، أمام تلك الموهبة الكروية الفريدة التي يمتلكها أيت لعريف، أن تلتفت إليه أكبر الأندية الوطنية.. وكان الوداد الفريق المحظوظ الذي نجح في الظفر بخدمات لاعب حي بوشنتوف الفنان.. ولأنه مرضي الوالدين، فإن أول ما فعله وقد بدأت حالته المادية تتحسن وبشكل جيد جدا، هو اقتناء شقة جميلة في حي المعاريف الراقي،حمل معه إليها جميع أفراد أسرته، كما عمل على منح والده تقاعدا مستحقا هجر معه للأبد محل بيع السمك.. ولأنه مرضي الوالدين دائما، فقد ابتسم له الحظ وحصل على عقود احترافية بالخليج العربي ضخمت رصيده البنكي، ورفعته من مجرد قمرونة في محل لبيع وقلي السمك، لشخص استحق اللقب الذي أطلقه عليه بعض الرياضيين في دول الخليج (مارادونا الكرة المغربية)، ولشخص لاباس ولاباس عليه جدا.. واللهم لا حسد.. ومزيدا من التألق مارادونا المغربي..