بعد زواج دام عدة سنوات مابين ميلود والزوهرة، ازدان فراشهما بصبي اختارا له من الأسماء عبد المالك، احتفلت الأسرة بهذا المولود الجديد الذي أدخل البهجة إلى نفوس العائلتين الكبيرتين لمكانة المولود الذكر في الوسط القروي، حيث خطا الطفل خطواته الأولى بالبيرات، حيث رأى النور، قبل أن تنتقل عائلته إلى الإقامة بجماعة الشماعية. التحق عبد المالك بداية بالكتاب قبل أن يلج أبواب المدرسة الابتدائية التي لم يستطع تجاوز عتبتها إلى الإعدادية، حيث تم فصله بعد أن كرر القسم الخامس عدة مرات. تلقفته الشوارع كغيره من الأطفال الذين وجدوا أنفسهم خارج فصول المدرسة وفي مواجهة المجهول. وماهي سوى أيام معدودة عن مغادرة عبد المالك المدرسة حتى بدأ في مرافقة الأشرار الذين وجهوه إلى طريق السجائر والانحراف في غياب مراقبة أسرية صارمة. وكطفولته، مرت مراهقته في ظروف صعبة، إذ كانت لاتخلو من تبادل للضرب والجرح بينه وبين أقرانه. كما أنه كان يستعرض عضلاته وسط الحي الذي يقطنه... ظل على هذا الحال سنوات أخرى حتى أصبح يخال إليه أنه الوحيد الذي له السلطة المطلقة في اتخاذ مايراه مناسبا في حق شباب وقاطنة الحي. وقد قاده جنونه هذا الذي يستمد منه عظمته الوهمية إلى خلق بعض القضايا التي لم تكن تتجاوز عقله فقط. كإحساسه أنه مطارد من طرف عصابة ما؟!... أو إحساسه بأنه مهدد في حياته، إلى غير ذلك من القضايا التي كانت تجول في خاطره إلى أن وقع ما وقع! فما الذي حدث؟.. بعد قضائه الليل ساهرا لم يبارح عبد المالك فراش النوم إلا بعد أن تجاوز الوقت منتصف النهار، حيث بعد أن استيقظ تناول فطوره وأشعل سيجارة قبل أن يغادر بيت الأسرة ليقف في أقصى الزقاق وحيدا لأنه لم يستطع في أي يوم من الأيام الاندماج في أوساط الحي أو إقامة علاقات مع أترابه. وماهي إلا لحظات حتى بدأ رأسه يغلي خاصة وأنه شاهد الفقيه قادما في اتجاهه، تحسس عبد المالك السكين الذي اعتاد أن يحمله معه دفاعا عن نفسه من وهم أصبح لا يفارقه وقبل أن يتجاوزه استوقفه في الشارع وسأله عن أسماء الأشخاص الذين بدأوا يهددونه في حياته وفي كافة أنشطته. إلا أن الفقيه أجابه أن لاعلم له بهذا الكلام ولا دخل له في أي شيء يهدد حياته. وقبل أن يستكمل كلامه، استل عبد المالك السكين من جيبه ووجه له ضربة قوية على مستوى الصدر، لحظتها بدأ يستنجد المارة. إلا أنه باغته بضربة ثانية وثالثة إلى أن سقط أرضا وهو جثة هامدة. حينها انسحب عبد المالك في اتجاه منزل عائلته ومنه إلى مقر الدرك. جواد الذي كان قريبا من مكان الحادث رفقة هشام، حيث كانا يصطادان الطيور، أكدا أن الضحية كان قادما من المسجد فاعترض سبيله عبد المالك وبيده سكين طعنه بها إلى أن سقط يتخبط في دمه. وقد كان يصرخ ويطلب منه الكف عن توجيه الطعنات إليه... مؤكدا أنه كان يتمتع بدماثة الخلق وحسن السلوك. وبعد استكمال البحث التمهيدي، أحيل الملف على أنظار المدعي العام لدى استئنافية آسفي الذي استنطق المتهم وأحاله على قاضي التحقيق لإجراء بحث في النازلة، وأمامه، حيث أحضر المتهم من السجن، وبعد توجيه الأسئلة إليه، أجاب عبد المالك ابتدائيا وتفصيليا أن الضحية فرد من عصابة كانت تطارده.. وعندما التقاه ذلك الصباح طلب منه أن يكشف له عن أسماء هذه العصابة ولما رفض أخرج السكين وبدأ يوجه له الطعنات إلى أن سقط قتيلا، فتوجه إلى منزل العائلة، حيث أخبر والدته وتقدم إلى مركز الدرك الملكي من تلقاه نفسه، مضيفا أن السكين التي اعتدى بها على الضحية كان قد استحوذ عليها من مطبخ العائلة عند خروجه من المنزل. أما والد الضحية، فقد صرح أنه كان بمنزله لحظة الاعتداء على ابنه الذي كان يتمتع بسمعة طيبة لدى قاطنة الحي. إلى أن أخبر بظروف الواقعة. بينما هشام وجواد اللذان كان برفقة أصدقائهما بالغابة لاصطياد الطيور، أكدا أن الضحية كان عائدا من المسجد فيما المتهم كان يحمل سكينا في يده.. وبوصول الضحية إلى مكان تواجد المتهم وجه له طعنة أولى فسمعا صراخا وما أن وصلا إلى مكان الحادث حتى كان الفقيه قد غادر الحياة بعد إصابته بعدة طعنات، فيما المتهم توجه إلى منزل عائلته ومنها إلى مركز الدرك، حيث سلم نفسه. وبعد استكمال التحقيق، أصدر قاضي التحقيق قرارا يقضي بإحالة المتهم على غرفة الجنايات لمحاكمته من أجل جناية القتل العمد طبقا للفصل 392 من ق ج. وأمامها، حيث أحضر المتهم في حالة اعتقال مؤازرا بدفاعه، كما حضر دفاع المطالبين بالحق المدني، وتم اعتبار القضية جاهزة للمناقشة بعد أن تعذر إحضار الشاهدين القاصرين، وبعد أن تأكد الرئيس من هوية المتهم التي جاءت مطابقة لمحضر الشرطة، سأله الرئىس عن المنسوب إليه، حيث أجاب أنه لم تكن له نية قتل الضحية عندما وجه له طعنتين على مستوى بطنه، موضحا أن السبب فيما أقدم عليه هو التهديدات التي كان يتلقاها من الضحية... وأنه لم يستعمل السكين إلا بعد أن اعتدى عليه الضحية هو الآخر بسكين على مستوى يده ورجله وحينذاك قام هو بالاعتداء عليه. بعد ذلك تناول الكلمة دفاع المطالبين بالحق المدني الذي التمس إدانة المتهم وفق المسطر في حقه لاعترافه المفصل بارتكابه هذا الفعل. وفي الدعوى المدنية التابعة أدلى بمذكرة مطالب ملتمسا من المحكمة الحكم وفق ماجاء فيها. بعد ذلك تناول الكلمة المدعي العام الذي تطرق إلى ظروف النازلة، حيث التمس إدانة المتهم وفق الملتمسات الكتابية في الأقصى. فتناول الكلمة دفاع المتهم الذي تناول بتدقيق ملابسات هذا الملف، مؤكدا أن موكله لم تكن له النية في إزهاق روح بشرية، وإنما كان في حالة دفاع شرعي عن النفس خاصة وأن الضحية أشهر في وجهه هو الآخر سكينا واعتدى به عليه والتمس في الأخير تمتيع موكله بأوسع مايمكن من ظروف التخفيف. وبعد أن كان المتهم آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها لتصدر القرار التالي: إن غرفة الجنايات لدى استئنافية الجديدة تصرح علنيا حضوريا وانتهائيا في الدعوى العمومية بمؤاخذة المتهم عبد المالك من أجل المنسوب إليه والحكم عليه بعشرين (20) سنة سجنا نافذا. في الدعوى المدنية التابعة قبولها شكلا وموضوعا والحكم على المتهم بأدائه لفائدة المطالبين بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره (15.000درهم) لكل واحد منهما الأب والأم. وأُشعر المتهم أن له أجل 10 أيام لطلب الاستئناف.