يعتقد أن الربيع العربي الذي انطلق من تونس, اشعلت شرارته الشرطية البلدية فايدة حمدي، المسؤولة عن إقدام البائع المتجول محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده، بعدما صفعته, رواية مشكوك في صحتها. ماذا لو أن محمد البوعزيزي لم يتلق أية صفعة من الشرطية البلدية فايدة حمدي في نهاية صبيحة يوم 17 دجنبر 2010 وسط مدينة سيدي بوزيد؟ ماذا لو أن البوعزيزي لم يضرم النار في جسده أمام مقر الوالي بعدما لم تجد احتجاجاته كي يعيدوا له ميزانه المحتجز؟ في المساء عندما يهم للنوم في منفاه السعودي، لابد أن زين العابدين بن علي يعيد الشريط من آخره.و ماذا لو...؟ نفس السؤال يحول ايضا في ذهن حسني مبارك على سريره في مستشفى شرم الشيخ, صفعة مشؤومة، امرأة ملعونة، ربما يقول علي عبد الله صالح، بشار الأسد أو معمر القذافي في مخبئه. لولا فايدة حمدي، ربما سيكونون الآن مازالوا في أماكنهم مطمئنين يحتسون السلطة كما يحتسون شرابا منعشا تحت ظلال وارفة. وبذلك هي الفوضى، الثورة، الديمقراطية، كل هذا... ربما هي البطلة التي أضرمت النار في البارود، وأشعلت فتيل ثورة كانت محاصرة لمدة طويلة، وتورمت ثم تورمت الى حد أنها عصفت ببلد بكامله تم اجتاحت جزءا من العالم. ربما من واجبنا أن نهنأها, وننصب لها تمثالا, بدل ذلك تم تمريغها في الوحل ووصفت بكل النعوت، بدءا من والدة محمد البوعزيزي القروية الصارمة التي أوضحت في يناير الماضي قائلة» »لم تكن المرة الاولى التي تحجز فيها بضاعته, و لكن ان يتلقى صفعة من أمرأة وفي الشارع العام, هذا ما أحرقه من الداخل, عندنا نحن الهماميون [قبيلته] هذا أمر غير مقبول«. فايدة حمدي جسدت الى الأبد السادية الأمنية للمستبدين العرب، وهي سادية غير مقبولة خاصة وأنها صادرة عن امرأة صورتها التي تناقلتها المواقع الإلكترونية منذ يناير، تظهر صورة امرأة شابة بقسمات صارمة وعلى رأسها قبعة، نظرة من فولاد، تقريبا استيهام للتسلط، في الحقيقة تبدو فايدة حمدي أكبر من سنها، هشة ووديعة, انها امرأة حطمتها اربعة اشهر من الحبس وجدل وطني ومحاكمة انتهت بعدم المتابعة يوم 19 ابريل. لقد حسمت المحكمة الابتدائية لسيدي بوزيد الامر, « فايدة حمدي لم تصفع محمد البوعزيزي» لجأت، بعد الافراج عنها الى منزل والديها في مكناسي، الضاحية الفلاحية على بعد 50 كلم جنوبسيدي بوزيد، المنزل المريح والفسيح بجدرانه العارية من الخارج والمصبوغ بالابيض من الداخل, يقع في آخر طريق ترابي يؤدي مباشرة الى حقل زيتون وسلسلة جبال في الافق. والداها[ الطاهر ومريم حمدي] مسنان, الاب يضع ربطة عنق ومعطف عصري ، والأم تحمل أوشاما ووشاحا أحمر على الرأس, مثال متقاعدين كريمين صادقين من الضواحي. تقضي فايدة أيامها في قراءة القرآن، والاهتمام بصغار العائلة والقيام بأعمال المطبخ, كل 15 يوما تزور طبيبا نفسانيا في صفاقس. اليوم، الامور أفضل، ولكن في البداية عند خروجي, لم أكن أنام, لم أكن أحس بالجوع، وكنت أرتعد طوال الوقت«. لا زوج ولا طفل نفذت إضرابا عن الطعام في السجن حتى تربح الحق في محاكمتها, أصابعها ترتعش عندما تقبض على كفها المفتوح انها امرأة بسيطة، لا سياسية، متدينة، وذات جمال تقليدي، وجهها محاط بحجاب يزين شفتيها أحمر شفاه لامع تشدب حاجبيها وتعشق الاقمصة المزركشة والتنورات الطويلة الفضفاضة، عندما نطرح عليها السؤال عن إحساسها بأنها دخلت التاريخ تجيب» ليس لي يد في الأمر، الله هو الذي يقرر كل شيء, كل ما كنت أريده هو العودة عند أبي وأمي.» في سن 46 سنة، ليس لفايدة لا زوج ولا ولد، وهو أمر لا ينظر اليه بعين الرضى في هذا المكان المعزول من البلاد, حتى زملاؤها في العمل، الذين دافعوا عنها منذ اليوم الأول، يقولون ان هذا الأمر ربما قد يفسر قساوتها تجاه الرجال عندما تكون في الخدمة. الاستاذة بسمة النصري، متحمسة ونشيطة مثلما فايدة متوارية, هذه السيدة المبتسمة ذات الوجه الدائري ترتدي حجابا مزينا بخيوط مذهبة تضع نظارات طبية عصرية وتستقبل بترحاب في مكتبها المطل على الشارع الرئيسي في بلدة مكناسي تحكي» »اعرف فايدة، والداها جيراني، عندما علمت بحادثة الصفعة في نفس اليوم، صدمت، تابعت الحركة واخذتني الثورة« وفي بداية فبراير, جاء والدا فايدة لرؤيتها وهما في حالة يأس, ابنتهما كانت في سجن قفصة دون أمل في المحاكمة ودون محام للدفاع عنها ودون شرف. اغلب المحامين الذين تم الاتصال بهم رفضوا الدفاع عنها ان لم يطلبوا مبالغ صاروخية, وتواصل المحامية بسمة »والداها« يؤكدان انها بريئة. ذهبت للاطلاع على ملف التحقيق في سيدي بوزيد وهنا لاحظت ان لاشيء تم حسب القواعد, محضر الشرطة يحمل تاريخا متأخرا من اجل احترام آجال الحراسة النظرية، وعندما تم تقديم فايدة أمام النيابة العامة، لم يخبرها أحد بأنه من حقها توكيل محام» النظام في مأزق اعتقال فايدة حمدي الذي تم بأمر من الرئاسة وليس من وكيل الجمهورية ,النيابة العامة, كما هي القاعدة، يعود الى اللقاء الذي تم بقصر قرطاج بين الرئيس بن علي وعائلة البوعزيزي يوم 28 دجنبر. كان النظام الذي يوجد في مأزق يبحث عن تهدئة الغضب الشعبي بتقديم كبش فداء, رغم ان فايدة حمدي خضعت لتحقيق إداري داخلي يوم 17 دجنبر عشية اليوم الأول من المظاهرات وتمت تبرئتها من طرف رؤسائها. في ليلة 28 دجنبر، حضر رجال من الشرطة السياسية لفرقة غورجاني من تونس، وأحضروها وظلت رهن الاعتقال الاحتياطي ثلاثة أيام صحبة زميلين حضرا المشاداة مع محمد البوعزيزي, وتؤكد فايدة استجوبوني عدة مرات لكنهم لم يسيؤوا معاملتي,كانت تكرر روايتها, لم تضرب البوعزيزي، فهذا الأخير هو الذي غضب عندما حجزت ميزانه وسلعته لأنه كان يبيع في مكان يمنع فيه البيع في محطة سيارات الأجرة أمام مقر الولاية »في اليوم السابق، طلبت منه الرحيل وامتثل. ولكن في ذلك الصباح، لم يمتثل ورفض الرحيل. كان غاضبا الى درجة أنه صاح في وجهي وضغط بقوة على أصبعي, أراد أيضا نزع بذلتي روايات سكان سيدي بوزيد كانت أكثر إيحاء «»الآن بعد أن أخذت ميزاني, بماذا سأزن بضاعتي، هل أزنها بميزانك» بعد خمسة أشهر على هذه الوقائع، لم يعد محمد البوعزيزي فقط إيقونة ما بعد 14 يناير. بل قد تم نزع صورته التي كانت معلقة على التمثال الذي يتوسط الساحة الرئيسية في المدينة, لم تبق سوى صورة حسين ناجي الشهيد الآخر الذي صعقه بالتيار الكهربائي عندما تسلق عمود التيار العالي وهو يصيح «كفى من الفقر, كفى من البطالة« «الجميع مازال يحيي الفعل التأسيسي للبوعزيزي, لكن المناضلين السياسيين المحليين بدأوا يحيدون الهالة التي تحيط به كما لو أنه أنجز الثورة لوحده» لامين البوعزيزي, مسؤول نقابي في سيدي بوزيد، يحمل نفس اسم الشهيد المحلي, لكن لا قرابة بينهما, هذا الابتربولوجي غاضب من النخبة في تونس التي تصر على اختطاف الثورة عندما تتحدث عن »ثورة 14 يناير« تاريخ فرار بن علي، بدل »ثورة 17« دجنبر ويوضح »لماذا وقع ذلك هناك؟ ليس ذلك بمحض الصدفة، كانت هناك حالات إضرام نار في تونس من قبل، ومع ذلك لم تتبعها مظاهرت»ا« وذكر حالة بائع متجول في هونستير الصيف الماضي» لا شيء يغيضه أكثر من فرضية »ضربة رعد في سماء صافية«« ويوضح المناضل النقابي «منذ أحداث الحوض المنجمي في قفصة، فهمنا أن النظام هش, كنا نبحث لتحويل كل المظاهرات إلى مناسبة للاحتجاج ضد النظام«، ويذكر كمثال على ذلك التجمع المنظم بعد انفجار قافلة التضامن مع غزة من طرف البحرية الاسرائيلية في يونيه 2010» »بدأنا ب»»تسقط اسرائيل» «وانتهت المظاهرة ب «»يسقط نظام 7 نونبر« [تاريخ الانقلاب الطبي الذي قاده بن علي للإحاطة بالرئيس بورقيبة سنة 1987] و يضيف «»محمد البوعزيزي لم يكن شخصا مسيسا، لكنه كان شابا شهما يشارك في مظاهراتنا»« ويعدد لائحة المظاهرات التي كانت كلها تدريبات عامة, وهكذا يوم 31 نونبر 2010، تم طرد مسؤول نقابي وطني موالي للنظام جاء ينصح بوضع حد لإضراب المدرسين، ولكن كان لابد من فعل يصدم الناس في أجسادهم ووجدانهم لكي تتحرك الجماهير، كان هذا الفعل هو إشعال البوعزيزي النار في جسده. هذه الصفعة مجرد تفصيل في الحديقة العمومية لسيدي بوزيد التي تحولت الى مقهى في الهواء الطلق, يذكر لامين البوعزيزي جان بودريير, الذي كتب عن أحداث 11 شتبنر »»عندما تهاجم العدو في جسده، فإنك تمحيه نهائيا«« تم يحكي النقابي قصة الصفعة الشهيرة» »في الواقع، لقد اختلقنا كل شيء, ساعة بعد وفاته قلنا إنه كان حامل شهادة عاطل من أجل جلب تعاطف هذا الجمهور, بينما لم يكن مستواه التعليمي يتجاوز مستوى الباكالوريا, وكان يعمل كبائع في المواسيم الأربعة، ومن أجل استقطاب وتحريك من ليس لهم مستوى تعليمي ، اختلقنا قصة صفعة فدوى حمدي. وهنا، المنطقة قروية وتقليدية, هذه المسألة تصدم الناس، وفي كل الأحوال الشرطة مثل الولاياتالمتحدة مع العالم العربي, فهي تهاجم الأكثر ضعفا« « المناضل النقابي الداهية أخرج هاتفه النقال من جيبه وهو يبتسم,هذا هو الشيطان، إنه سلاحنا, كانت بضع اتصالات هاتفية كافية لنشر الإشاعة، وعلى كل حال بالنسبة لنا كانت تلك الصفعة، جزئية هامشية، وإذا كان البوعزيزي قد أضرم النار في جسده، فلأنهم رفضوا استقباله في البلدية وفي الولاية« ,وظهر أن انتشار الإشاعة من شخص لآخر سلاح رهيب وفعال، في ظهيرة ذلك اليوم، تجمع حوالي 2000 متظاهر أمام مقر الولاية، »في ذلك اليوم فهمنا في أعين رجال الشرطة أن الخوف تحول الى المعسكر الآخر»«. ولتوضيح تصوره، يقدم لامين البوعزيزي حادثا جزئيا مثيرا وغير متوقع» فوزي، شقيق فايدة حمدي، وهو مدرس في سيدي بوزيد ومناضل في المركزية النقابية ,الاتحاد العام التونسي للشغل, شارك بطواعية في ترويج الإشاعة, »ما كان يهمه هو النضال السياسي، الفعالية, لم يكن يشك في أنها ,أي اخته, ستؤدي ثمن العواقب»، وعند الاتصال به هاتفيا رد فوزي بأنه »لا يريد الحديث للصحافة« ربما الإحساس بالذنب, لأنه ساهم في إدخال أخته إلى السجن. في نهاية الحبس الاحتياطي تم الافراج عن زميلي فايدة حمدي، بينما قدمت هي أمام قاضي التحقيق الذي وجه إليها تهمة »استخدام العنف دون سبب شرعي« في إطار مهامها و»المس بالشرف« و»القذف«. في سجن قفصة تم وضع فايدة باسم وهوية أخرى لتفادي أعمال انتقامية, عندما سقط بن علي يوم 14 يناير، أحست أنها وحيدة أكثر من أي وقت مضى.»أنا أيضا كنت ضحية للنظام,لم يكن باستطاعتي فعل شيء, بعد شهر، تقول فايدة، بدأت أبوح للسجينات المقربات مني, لاحظت أنهن لم يكن حاقدات تجاهي , بالموازاة تعبأ والداها وأقرباءها ومحاميتها في الخارج، يحكي لامين البوعزيزي, «»بدأ شقيقها فوزي يتحدث مع المناضلين واحدا واحدا, قال لنا «»والآ، ماذا نفعل لفايدة الموجودة في السجن؟ يعرفون أننا ضخمنا كل هذه القصة« «استطاع اقناعنا بتشكيل لجنة دعم على الفيسبوك، نحن كنا نناضل ضد بن علي وليس ضد فايدة««. فوضى وانعدام الأمن في مكان يستدعي إليه من الإذاعة المحلية إلى مجموعة التفكير في قناة الجزيرة بقطر يدافع لامين البوعزيزي عن فايدة حمدي، الذين يستمعون إليه مذهولون» بالنسبة لنا محمد البوعزيزي ليس أسطورة عندما نشاهد الجزيرة, هنا نضحك كثيرا, البعض بلغ حد التشكيك في رغبة محمد البوعزيزي في إحراق نفسه, ويؤكدون أنه كان يرفع ولاعة النار كتهديد وأن النار اشتعلت في جسده عرضا.». ويؤكد لامين البوعزيزي في سيدي بوزيد لا أحد يحقد على فايدة, وعندما يواجه بأن ذلك ليس حالة والدة محمد البوعزيزي التي تواصل حقدها ومؤاخذتها ضد فايدة، يرد قائلا »هي تحكي ما تريد, في كل الاحوال السكان غاضبون من عائلة البوعزيزي يتهمونها بأنها توصلت بأموال كثيرة من وراء هذه القضية. العلاقات أصبحت متوترة إلى حد أن عائلة الشهيد انتقلت للاستقرار في مدينة المرسى في الضاحية الراقية للعاصمة تونس، ولكن خلافا للشائعات لم تستقر العائلة في فيلا راقية, بل في الطابق الارضي لمنزل متواضع, والدة محمد البوعزيزي امرأة بدوية صلبة وعنيدة تثير الرفض إلى درجة يلقبونها ب» ليلى طرابلسي»? لسيدي بوزيد احالة على اسم زوجة الرئيس السابق بن علي التي كانت معروفة بتسلطها وحبها اللامحدود للمال. التشبيه قاس ومبالغ فيه ,لكنه يلخص بصدق امتعاض السكان الذين لم يروا تغييرا جوهريا في حياتهم اليومية منذ الثورة، فالوظائف ومناصب الشغل الموعودة لم تتجسد بعد, وكما في باقي المناطق عاد حزب التجمع الدستوري الديمقراطي, الحزب الحاكم سابقا، عاد ليرفع الرأس من جديد, ورجال الشرطة لا يتجرأون على الخروج إلى المدينة تاركين الفوضى وانعدام الامن يزدهر, وبانقلاب غريب للأدوار أخذت فايدة حمدي مكان محمد البوعزيزي كضحية رمزية في سيدي بوزيد. بالموازاة مع حملة دعم فايدة التي بدأت إضرابا عن الطعام يوم 19 مارس لكي تحصل على المحاكمة, تحركت محاميتها بسمة النصري بكل ما تملك من قوة من أجل تسريع الملف الجامد في محكمة سيدي بوزيد, تقول المحامية» قاضي التحقيق الذي طردته الجماهير هجر المحكمة, طلبت تعيين قاض جديد, لا جواب، طلبت السراح المؤقت نفس الشيء, كان لابد أن انتقل لمقابلة وزير العدل يوم 25 مارس في تونس لكي يكلف شخص ما بقضية فايدة. شاهد واحد يوم 13 أبريل تم تنظيم مواجهة مع أربعة شهود في مكتب القاضي إثنان منهم تراجعا عن أقوالهما والشاهد الثالث مطعون فيه لأنه من عائلة محمد البوعزيزي. شاهد واحد فقط هو الذي تشبث بأن الصفعة وقعت, هذا الشاهد واسمه قيس له نزاع كبير مع رجال الشرطة البلدية، ورغم ذلك حددت الجلسة في يوم 19 أبريل تحت عدد 38310 ,عندما وصلت فايدة إلى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد يوم 19 أبريل في الساعة 9 صباحا اكتشفت جماهير غفيرة وكانت دهشتها كبيرة عندما رأت العديد من اللافتات كتب عليها الحرية لفايدة. عائلة محمد البوعزيزي كانت حاضرة, أمه وأختاه وأخوه الأكبر ,أعلن محاموهم أن العائلة تسحب شكايتها ضد فايدة حرصا على التهدئة والصفح, تقول بسمة النصري» قلنا بأننا لا نطلب الصفح ولا ننتظره, لأن فايدة لم ترتكب أي فعل وعلى كل حال لم تكن العائلة طرفا مدنيا، والدعوى ضد فايدة وضعت باسم محمد البوعزيزي عندما كان في المستشفى .توفي يوم 4 يناير متأثرا بحروقه ، عندما صدر الحكم بحفظ الملف, اهتزت القاعة فرحا, ومنذ ذلك الحين استراحت فايدة وبدأت الاجراءات للحصول على راتبها الشهري البالغ 620 دينارا[ 313 أورو] الموقوفة منذ يناير. فايدة حمدي تقول إنها ليست غاضبة من أخيها فوزي, ولكنها لم تره سوى مرة واحدة منذ خروجها من السجن، لكنها بالمقابل غاضبة من وسائل الاعلام التي لطخت اسمها ولم يعودوا لرؤيتها بعد تبرئتها. تريد أن تستعيد عملها كموظفة أمن بلدي ولم لا في سيدي بوزيد, «ليس الآن, مازلت أخاف من ردود فعل الناس في الشارع ومازلت أجد صعوبة في النوم» هناك لم يتغير الديكور, غرفتان بجدران عارية مطلية بالابيض، ثلاث كراسي بلاستيكية، دولاب حديدي، دراجة نارية قديمة مركونة في البهو هي المرأة الوحيدة وسط 9 زملاء رجال الذين طلب أغلبهم الانتقال، البذلات رمز السلطة التي مازالت مكروهة معلقة في مكانها على الجدار، يقول رئيسها السابق عادل الجبلي «ما كانت تستطيع ان تصفع رجلا في الشارع، إذا كانت قد فعلت ذلك كانت الجماهير ستنهشهاو ويختم الحديث بقولة لابن خلدون يجب البحث عن الحقيقة بحذر كبير» يا لها من مدينة حيث سكانها يتفلسفون في كل جوانب الازقة, تغادر سيدي بوزيد متأملا ومليئا بالأسئلة حول مهنتك كمؤرخ للحاضر, وماذا مثلا لو أن داي الجزائر لم يضرب قنصل فرنسا بمروحيته يوم 29 أبريل 1827، هل كانت الجزائر ستفلت من 132 سنة من الاستعمار.. بالتأكيد لا.