حالة من الرعب سادت المواطنين/المستهلكين عبر ربوع العالم بعد الموقف الألماني من الخيار الاسباني، والذي تلته ردود فعل متعددة سواء تعلق الأمر بروسيا أو بعدد من الدول العربية ودول أخرى، والقاضي بوقف استيراد مجموعة من الخضراوات وفي مقدمتها الخيار والطماطم والخس من اسبانيا ودول الاتحاد الأروبي، وهو ما أثار حفيظة الأسبان، ثم عادت السلطات الألمانية لتقول بأن سبب الداء الذي أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، هو براعم الفاصولياء. حالة التيهان هاته وانعكاساتها على المواطن المغربي دفعت «الاتحاد الاشتراكي» إلى إجراء حوار مع الدكتور محمد رشيد المسطاسي رئيس سابق لقسم الإنعاش الطبي بمستشفى محمد الخامس بمكناس والرئيس السابق لقسم الأمراض المعدية بمستشفى ابن ر شد بالدارالبيضاء والاختصاصي الحالي في أمراض الكلية، وذلك من أجل تسليط الضوء على حقيقة جرثومة الايكولاي وتأثيرها على صحة الإنسان. { بداية ما هي « جرثومة الايكولاي» ؟ أولا يجب أن نعلم بشكل عام ما المقصود بالشرشورة القولونية، فهي أكثر بكتيريا موجودة في العالم، بحيث توجد في القولون والجهاز الهضمي عند الإنسان وكذا الحيوان، وهذه البكتيريا فيها أصناف وأنواع. كما أنه في الجهاز الهضمي هناك توازن بين هذه البكتيريا وباقي البكتيريات، الأمر الذي قد يكون له مفعول حميد، كالمساعدة على الهضم، لكن إذا ما وقع اختلال في التوازن البيئي الموجود في وسط جسم الإنسان فيمكن لها أن تصبح مرضية. وهناك نقطة ثانية تتعلق بكون هذه البكتيريا ذكية وتستعمل حتى في النطاق الطبي في إنتاج بعض المواد الطبية باستعمال علم الجينات، لذا فإن المشكل أيضا يطرح من كونها أكثر البكتيريا التي تتحول جينيا، علما بأنها في هذه الحالة تمثل كنزا طبيا بالنسبة للمختبر. { ذهبت عدة تصريحات إلى أن أنواعا من الخضراوات هي سبب تواجد هذه البكتيريا والتي أدت إلى وفيات وإصابات ؟ من هذه الزاوية فإن المقاربة العلمية لهذه البكتيريا هي صعبة، وبالنسبة لي فإنه كان هناك تسرع، إذ أستغرب أن الأوساط العلمية لم توقف تلك التصريحات الصحفية في هذا الباب. فهذه البكتيريا تكون في التخمج البولي خاصة لدى النساء حيث تتواجد هذه الشرشورة القولونية ( ليس النوع الذي نتحدث عنه ) بنسبة 60%. وهي تنقسم إلى أصناف، منها نوع يؤدي إلى ما يسمى بالمتلازمة البولية وإلى وقوع قصور كلوي حاد، وارتفاع البولينا في الدم، وفقر الدم عبر تخريب الكريات ثم الإسهال الدموي. وهي عبارة عن حالات معزولة. { بماذا تفسرون ما يشهده العالم اليوم ؟ ما وقع حاليا أن هناك بكتيريا من نفس النوع وقع عندها تحول جيني في الغالب وهي التي حولت الحالات المعزولة التي تحدثنا عنها إلى حالات وبائية. { إذن ما هي الأسباب التي جعلت هذه البكتيريا تتغير جينيا ؟ هناك تدخل الحالة الجينية والحالة البيئية، بحيث أنه يمكن أن تغير وسائل التبريد والتسخين التوزان البيئي ما بين أصناف الشرشورة القولوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى رفع أعداد تلك التي تسبب المرض، إضافة إلى طرق حمل الأغذية وتخزينها وما يصطلح عليه بسلسلة التبريد، وعادة في أغلب حالات هذه المتلازمة فإن الأمر يتعلق بالأكلات السريعة. أما القول بان السبب في ذلك هو نوع من الخضراوات فإني اعتبره كلاما غير منطقي، لأن الأمر يتطلب بحثا مدققا ينطلق من المادة الملوثة وسبب تلوثها إلى أن غاية وصولها إلى صحن المستهلك، وهو ما لايمكن الإعلان عنه بهذه الكيفية خاصة وأن الامر يتعلق ببكتيريا ذكية، التي إذا ما تغير مناخها وتواجدها فهي بدورها تتغير ويمكن أن تنتقل من حالة إلى أخرى، وبالتالي فإن ما يقع لايمكن إلا أن ندرجه ضمن ما يسمى بأمراض الأيادي الملوثة. { كيف يمكن مواجهة تداعيات البكيتريا الضارة ؟ ليست البكتيريا هي من يسبب الأمراض وإنما السموم التي تفرزها، وبالتالي فإن استعمال المضادات الحيوية لايكون له أي وقع عليها، بل على العكس من ذلك فإنها ستكون ضارة لأنها إن هي قضت على البكتيريا فإن سمومها ستتكاثر على اعتبار أنها ستنفجر وتترك سمومها. لذا فمن الناحية الدوائية يجب التركيز على معالجة الأعراض من قبيل الاجتفاف والقصور الكلوي. أما من الناحية الوقائية فيجب على الإنسان أن يتأكد من نظافة ما يأكله وأن يتأكد من سلسلة التبريد والنقل والتخزين، فهذه البكتيريا علمتنا أشياء كثيرة من ناحية المقاربة الايكولوجية. وختاما يجب التأكيد على أن أحسن سلاح للوقاية من الأمراض هو النظافة والتعرف على أصل المأكولات وضبط مسارها، حتى يتسنى تدقيق وضبط المشاكل لمعالجتها من أصلها، إضافة إلى العمل على عدم الإخلال بتوازن الطبيعة عكس ما يعتقد الإنسان أنه يقوم بتطويعها ، في حين أنه عنصر ضمن عناصرها حياته فيها وحياتها فيه.