نوفيل أوبسرفاتور : ماذا تعلمنا الثورات العربية التي بدأت في تونس ومصر مع العلم أن الكثير من الأمور مازالت لم تنته بعد؟ جان دانييل: علمني، على الأقل، التونسيون في عين المكان، كل يوم، كل ساعة توقظ لدي ذكريات ثورة أخرى، إما ثورة ماي 68 أو «ثورة القرنفل» في البرتغال سنة 1974، أو ذكريات انتفاضات الطلبة في الجزائر سنة 1988 . هذه الأيام المكثفة كانت محفزة لي وذكرتني بأيام الشباب. الملاحظة الأولى، شباب كل الفاعلين في هذه الثورة، من أطلقوا شرارتها كانوا شبانا رائعين. الملاحظة الثانية: دور النساء، نعرف أن النساء في تونس متساويات مع الرجال، لكونهن عرفن كيف يصاحبن الحركة بفعالية. الملاحظة الثالثة في تدخلات هؤلاء أو أولئك نكتشف دائماً دليلا على أنهم يتطورون بفضل الفيسبوك والأنترنيت بأريحية وسهولة وفعالية في عالم الاتصال الجديد. الملاحظة الرابعة أنه بفضل التربية التي تلقوها تونس هي البلد العربي الوحيد الذي يقدم مناهج تعليمية مؤهلة لتكوين مواطنين لاحظنا من خلال التدخلات أن كل واحد كان ينافس الآخر لأخذ الكلمة، ظهر هناك نضج أثار اندهاشي. في الواقع، نحن نعيش، حسب تعبير أوليفيي روي، ثورات ما بعد إسلامية، لم أسمع ولو مرة واحدة شعاراً واحداً من الشعارات التي كانت تؤطر عادة المظاهرات العربية ضد الامبريالية الأمريكية وهيمنة الغرب والاستعمار الفرنسي أو العجرفة الاسرائيلية. بالمقابل، كان الأمر يتعلق بالحق في الاحتجاج، وعدم الخضوع والتمرد، وفكرة الحق في الكرامة الشخصية كواجب. وبينما كنا نحن في باريس، نتحدث عن حقوق الإنسان، كانوا هم يتحدثون عن واجبهم وكرامتهم، كل واحد منهم كان يُظهر ليس فقط أنه ملَّ الإهانة من طرف مستبد، ولكن أيضاً أنه يريد أن يثبت نفسه ليس فقط كمستَجْدٍ، ولكن كمكتسب باحث عن الكرامة، ويبدو لي أننا نشهد شيئاً متميزاً في العمق: إبراز الفرد. بيير هاسنر: قبل كل شيء، هذه الثورات العربية هي إسقاط واضح لثلاث صور نمطية مهيمنة. الأولى وهي فكرة صراع الحضارات والثقافات التي روج لها صامويل هانتينتون. صحيح لا يجب أن ننخدع، فالشباب الذين التقاهم جان دانييل والذين رأيناهم جميعاً على شاشة التلفزة، ليسوا وحيدين في بلادهم. هناك قوى رجعية، الجيش، الاسلاميون ومن يفضلون النظام ويريدون أن تتوقف المظاهرات حتى تستأنف السياحة نشاطها. ولكن الولع ليس فقط ولع القوميين أو المتدينين، بل هو ولع يشتغل أيضاً باسم الكرامة وباسم المثل التي نشترك فيها جميعاً. فهو صراع نجده داخل مختلف الثقافات وليس بين الثقافات. ثانياً الحالة الخاصة لعالم عربي محروم من السياسة. كان يقال فيما قبل، ليست هناك سياسة للدول العربية، ولم تستطع بناء مواطنة، ودول ديمقراطية. فالدول الأكثر قوة في المنطقة هي اسرائيل، إيران وتركيا، أي دول غير عربية، وفجأة دخلت هذه الدول الى السياسة، وهو ما يمكن أن يؤدي الى عواقب غير متوقعة من وجهة نظر العلاقات الدولية، ولكنه عصف بهذه الفرضية الخاطئة المرتبطة بهؤلاء المستبدين الذين لا يتزحزحون. والمفارقة ، مع نسبة شباب يمثل أكثر من نصف السكان، كانت صارخة. ثالثا، بالنسبة للدول الغربية، الأمر يتعلق بفكرة مطمئنة خاطئة تفيد باستقرار هذه الأنظمة الأحادية والاستبدادية. كان يقال إن ما يشتغل هو الرأسمالية المتسلطة أو الأوتوقراطيات المستبدة. وحكوماتنا ورجال أعمالنا يكرهون الأشياء غير المتوقعة للديمقراطية مثل عشقهم باسم النظام، بن علي ومبارك اللذين كانا أعمدة الاتحاد من أجل المتوسط الذي يتصوره ساركوزي. صحيح أن الحصة الأكبر من وجهة النظر الاقتصادية تبقى هي السعودية ، ولا أحد يتجرأ على الاحتكاك بها. ولكن نرى كيف أن هناك قلقاً كبيراً سواء في الصين أو روسيا. الكل يعرف أنها بعيدة عنهم، ولكنها خائفة من العدوى الديمقراطية. وبالتالي استعادت الديمقراطية شباباً جديداً. وعلى المدى المتوسط، هذا لا يعني، مثل العديد من الثورات، بأنها لن تكون ثورات مخدوعة أو ثورات تأكل أبناءها، ولكن المستقبل لهم. جان دانييل: نعرف أن الثورات تُخدع وأنه في الغالب، تجتر الثورة في داخلها عنفاً وتثير ثورات مضادة (ثورة 1789 تلتها ثورة 1793). فالأمر بالنسبة لي لا يعني السقوط في أوهام خادعة! اللهم إذا ما حدثوني عن الثورة، أفكر في 1789، ولا أفكر بالضرورة في الرعب. و العالم كله يفكر في حقوق الإنسان. ومهما وقعت من تقلبات وإحباطات، فإن تحولاً رائعاً سيقع. وهذا ليس بالشيء الهين في التاريخ! ولكن فيما يتعلق بفكرة «صراع الحضارات» لم أنتظر الثورات الحالية لكي أدحض فرضياتها. فالحضارة الاسلامية ظهرت منذ أكثر من ألف سنة، وتخترقها عدة تيارات داخلية ومتناقضة أكثر من إظهار معاداتها للغرب. فالحرب الأكثر دموية وقعت بين المسلمين في العراق وإيران: حوالي مليون قتيل. ولكن هناك شيء آخر قليلا ما نفكر فيه: العديد من المسلمين أعلنوا بوضوح أن الإسلام لا يتناقض في شيء مع القيم الغربية. سمعت في البلد الذي ولدت فيه، من كان يُفترض أن يصبح أول رئيس للحكومة المؤقتة، فرحات عباس، عندما طلب أن يصبح فرنسياً مثل الاخرين، ومنعه مجرمون عنصريون من هذه الإمكانية. قبل وفاته مؤخراً قال الأستاذ الجزائري/ الفرنسي محمد أركون، نفس الشيء، نعم حدث أن سبقت الرغبة في المساواة أو عوضت القومية. نفس الحالة لدى الشباب التونسي المتمرد الذي يطالب بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وفي نفس الوقت، يندد بحق الدكتاتوريين في التصرف في شعوبهم. بيير هاسنر: يبدو لي أننا نرى أيضا ، على الأقل بالنسبة لهؤلاء الشباب، عودة للاسلاموية نحو الأمة، والمثير أنه عندما نشاهد على الشاشة ساحة التحرير، يقول المواطن، الآن أنا فخور بكوني مصريا ، مصر دولة وطنية، نلاحظ فخرهم الفردي والوطني في نفس الوقت. جان دانييل: لابد من الانتباه ! الشاب الذي يقول بأنه فخور بمصريته، فإنه يتحدث عن مصر الجديدة، مصر التي هو بصدد بنائها باسم القيم الكونية. بييرهاسنر: شيء مهم، لا يجب أن نخلط الكرامة الفردية بالكرامة الوطنية. كانت هناك محاولات لقطع الطريق أمام الكرامة الفردية بإعطاء استجابات وطنية، بينما في الحقيقة الديمقراطية هي لعبة المرآة هذه بين حرية الفرد وحرية الوطن. نوفيل أوبسرفاتور: هل هذا المد الديمقراطي في الدول العربية، يعطي شبابا جديدا ل«حقوق الانسان»؟ بييرهاسنر: من حسن الطالع أنه خلال السنوات الأخيرة كان هناك نوع من السخرية من حقوق الانسان في فرنسا، وأرى أن لدينا تجسيدا واضحا للتطلع الكوني لحقوق الانسان، لاسيما وأنه بإمكاننا أن نتساءل ما إذا كان انخراطهم فيها مستقلا عنا، أم أن ذلك راجع إلى تأثير أفكارنا الغربية من خلال الأنترنيت وجالياتهم التي تعيش في الشتات . ولكن في كل الأحوال هذا يعني شيئا ما ضد النسبية، وخصوصا ضد الواقعية السياسية، ضد فكرة أحد كبارالفرنسيين المدافعين عن حقوق الانسان والتدخل الانساني الذي بعدما أصبح وزيرا، قال بأن السياسة الخارجية وحقوق الانسان لا علاقة لها بالأمر! وهذا لايعني بأن الأمر لا يطرح مشاكل: ندافع أكثر عن حقوق الانسان عندما يتعلق الأمر بمصر أكثر منه عندما يتعلق الأمر بالسعودية بسبب البترول. جان دانييل: لم أومن أبدا بأن هناك حقا للتدخل الانساني، والأمر هنا يتعلق بنقاش بيزنطي، لا أعرف سوى واجب المساعدة الذي يتطلب لممارسته ، طلب المعنيين وترخيص المجتمع الدولي، وهكذا فقط يمكن أن نقوم بعمل لا يمكن أن يذكر باستعمار قوة صغيرة من طرف قوة أكبر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي. بدون شك، المجتمع الدولي مصنوع بمعايير حقبة وفي ظروف يمكن أن تتغير، ومجلس الأمن أصبح موضع سؤال بسبب غياب البرازيل أو الهند أو ألمانيا، ومفهوم المجتمع الدولي يعني أنه في وقت معين يمكن القيام بأشياء وعدم القيام بأشياء أخرى، وبالتالي فهو مفهوم نسبي لا يعتبر أنه يمكن أننا نمثل العدالة لأننا نمثل القانون، ولا أننا نضفي الشرعية على ما هو قانوني، ولكن بالفعل هناك لحظات يمكن أن تجتمع فيها شروط التدخل، وهو ما اعتقدنا أنه متوفر بخصوص ليبيا . ولكن بما أن الأمر يتعلق بقوى استعمارية متدخلة وأنه فجأة هيمنت الاخلاق على الواقعية السياسية، أتفهم أنه تطرح بعض الاشكاليات، وأن حل هذه الاشكاليات ليس بالأمر الهين. قبل تشجيع الليبيين على الانتفاضة بروعة (وهم رائعون فعلا) طرحت السؤال لمعرفة ما إذا كانت هناك ضمانة كاملة لتدخل الولاياتالمتحدة والجامعة العربية والأممالمتحدة، وأنا مرتاح اليوم للاتفاق الحاصل بين أوباما وساركوزي وكاميرون حول مبدأ التدخل، رغم أن مناشدة القذافي بالتنحي لا تعني بالضرورة تاريخ رحيله. بييرهاسنر: بخصوص ليبيا أنا جد محرج، هناك تشابهات كثيرة مع يوغوسلافيا وكوسوفو، لأنه عسكريا لا تربح الحرب أبدا بالقصف الجوي، فبالأحرى عبر منطقة حظر جوي، فمدينة سريبرنيتشا كانت ضمن منطقة حظر جوي، لكن ذلك لم يمنع المجازر، والمنطق العسكري ، إذا أردنا القضاء على القذافي أو حماية السكان، يعني التدخل الكلي فعلا وبقوة. من جهة أخرى يجب ألا يقتصر التدخل فقط على القوى الاستعمارية السابقة أو الحلف الأطلسي، لابد أن تكون هناك مشاركة عربية قوية، وخصوصا تسليح الثوار. للأسف قرارات الأممالمتحدة لا تسمح، حسب البعض، بتسليح الثوار ومشاركة العرب باستثناء قطر التي أرسلت 4 طائرات، محتشمة ومترددة. والخطر اليوم هو أن تمتد الحرب وأن يبقى القذافي أو أن يحدث تقسيم للبلاد، وأن يبدو كل هذا مرة أخرى، مثل تلك التدخلات الغربية التي لا تنجح أو تكون بمثابة انتصار بطعم الهزيمة. ساركوزي وكاميرون أخذا المبادرة لأسباب خاصة بهما، أوباما حاول كعادته الإمساك بالسلسلة من طرفيها بقوله: أنا سأبدأ ، ولكن بعد ذلك أنتم تواصلون المهمة، أنا غارق في حربين، هذا يكفي. ربما قد يعود أوباما ويتدخل بهدوء، في الواقع، الوضع هكذا مضطرب وتصعب قراءته، ثم إننا في مواجهة الاعتراض الأبدي: بشار الأسد يطلق أيضا النار على شعبه ولا نفعل شيئا، والرد بطبيعة الحال هو: ليس لأننا لا نستطيع التدخل في كل مكان، لا يجب التدخل في أي مكان، ولكن لماذا بالضبط القذافي؟ لأنه وصف معارضيه «بالجرذان» التي يجب القضاء عليها، كنا على أبواب مجزرة معلنة كبيرة، لم يكن ممكنا عدم القيام بأي شيء. أتمنى ألا نكون قد قمنا فقط بصده. نوفيل أوبسرفاتور: لا شيء حسم في ليبيا ولا في اليمن أو في سوريا ،لكن هل تغيرت المعادلة فعلا في الدول العربية؟ جان دانييل: أولا المعادلة تغيرت في بلدان مثل مصر وتونس. قوة الطموح الديمقراطي كانت بالقوة ، بحيث أن الإسلاميين فرضوا على أنفسهم، مؤقتا أولا، تغيير رغبتهم في الرجوع عن المساواة بين الرجال والنساء، وحرية التعبيروالرأي. لكن المعادلة تغيرت كذلك في دول كنا نعتقد أن ذلك احتمال ضعيف ، بدءا بالمغرب والجزائر. لكن التصريحات الإصلاحية للملك محمد السادس والرئيس بوتفليقة ما كانت لتصدر دون صدى الصدمة القادم من تونس. فالرغبة في امتلاك الكرامة تعبر عن نفسها في كل مكان. ولكن كيف يمكن للولايات المتحدة، ولضمان مصالحها في مصر وفي العربية السعودية، وأيضا في البحرين، أن تزاوج في نفس الوقت بين احترام القيم الديمقراطية والرغبة في الحفاظ على مصالحها البترولية أو الجيوسياسية؟ ورغم ذلك فالحركة ستستمر، ولست متشائما حول نتائج الحمى الديمقراطية. بيير هاسنر: على المدى البعيد، مرة أخرى، تبقى الدلالة التاريخية والفلسفية للثورات العربية، كاملة. «كانط» كان يقول إزاء الثورة الفرنسية بأنه، كيفما سارت الأمور، فإن شيئا لا رجعة فيه قد وقع فيما يخص نظرتنا للإنسان وللتاريخ. والتعاطف الذي يثيره الحدث يكشف، كما قال، استعدادا لدى البشرية بعدم الانقراض. والثورات العربية هي أهم حدث منذ انهيار جدار برلين. لكن النتائج، على الأقل بالنسبة للجيل القادم، يمكن أن تكون مختلفة من بلد إلى آخر، لأن هناك شيئا مثيرا لدى من يعرفون ، مثلي، أوربا الشرقية، هو الاختلاف بين أوربا الوسطى ولنقل بولونيا ودول البلقان السابقة - يوغوسلافيا أي الدول التي لها في نفس الوقت مشكل الديمقراطية ومشكل القومية، والأقليات والحدود، بحيث يسمم هذا المشكل المشكل الآخر. اعتقد أنه بالنسبة لتونس مصر و ربما المغرب والجزائر ومختلف الدول التي لها ظروف سوسيولوجية مواتية، هناك مستقبل واعد يتشكل، بينما في الدول التي توجد بها أقلية علوية تحكم أغلبية سنية مثل سوريا، أو أقلية سنية تحكم أغلبية شيعية مثل البحرين، حيث مهام الشرطة يضطلع بها أجانب، باكستانيون وغيرهم ، فهذه قضية أخرى. أنظر من جانب إلى مصر ودول المغرب العربي، ثم بعد ذلك سوريا حيث كل شيء يمكن أن ينزلق، وأخيرا اليمن حيث هناك أيضا القاعدة وبنيات قبلية جد معقدة، هنا لا أرى الديمقراطية على المدى المنظور. البحرين لها كل الشروط لاختيار الديمقراطية، ولكن المملكة العربية السعودية هي التي تمنعها من ذلك. جان دانييل: انظروا الى التطور العميق في الدول الإسلامية. هناك توجه في هذه اللحظة نحو ما نسميه الإسلام المعتدل، ألم تصبح تركيا منارة للإسلام الجديد الديمقراطي؟ نشهد أيضا في كل هذه الثورات عودة نحو أسس رئيسية. وبما أن المشاكل الاقتصادية لم تحل، والمشاكل الأمنية غير مضمونة، سنعود إلى اليقينيات القديمة، ويمكن للطموح الديمقراطي واستعادة الكرامة أن يفقدا جانبهما المشرق. ولكن التوازن الذي نسير نحوه هو إدماج أكثر ما يمكن من الديمقراطية في أكثر ما يمكن من التقاليد، وهذا أمر يبدو لي لا رجعة فيه. نوفيل أوبسرفاتور: لدينا تجربة انهيار الشيوعية والانتقالات الديمقراطية الناجحة أو الفاشلة، هذه الثورات العربية جاءت بعد أربعين سنة من الدكتاتوريات المتسلطة، هذه الدول بصدد أن تصبح بمثابة مختبرات سياسية. ما هي ميزاتها وعوائقها من أجل نجاح هذه الانتقالات غير المسبوقة نحو الديمقراطية؟ بييرهاسنر: الميزة هي بالضبط أن هناك أناسا يؤمنون بالديمقراطية. فعندما تعيش في ظل الديكتاتورية نصف قرن، تريد الديمقراطية، هناك طرق مختلفة لكل واحد. الاقتصاد، الأمن، دور الجيش، كل هذه العناصر والترددات ستكون حاسمة . صحيح أن الشباب يشكل ميزة هائلة، ولكن قد يحصل في مصر أن نقضي وقتا، مثل ما حصل في تركيا، فترة تعيش فيها الديمقراطية مصبوغة بالإسلام والسلطة العسكرية، هناك خطر يخيم على هذه الثورات، إنه الفساد. الكثير من الناس استفادوا من الفساد، والأسر الحاكمة أكثر من غيرها. ولكن هذا لا يعني أن الأشخاص العديدين، الذين استفادوا من الفساد، سواء في ا لجيش أو غيره، سيكونون مستعدين لقبول نظام نظيف. إذن هناك العديد من العراقيل وكل شيء رهين كذلك بمساعدتنا. ولكن يبدو لي أن الوقت ليس ملائما لإعداد مخطط مارشال ضخم، رغم أنه ضروري، خاصة وأن الدول الغربية ترزح تحت الديون. جان دانييل: في كل مرة يطرح تحد على أوربا دون أن تجيب عنه، من جهة أخرى ليس هناك «عالم عربي»: هناك دول عربية مختلفة عن بعضها البعض وتطرح مشاكل خاصة. إذا فكرنا مثلا، في طبيعة مشكل الصحراء، بين المغرب والجزائر، وميزانيات تسلحهما الهائلة، وهذا قمة اللامعقول قليلا ما نندد به ، فإذا لم يكن هناك عالم عربي، هناك حاليا مختبر في مصر ،وبشكل خاص في تونس، إذا ما فشلت التجربة التونسية أو أصيبت بمرض انعدام الأمن والفساد، فإن الأصداء السلبية ستكون خطيرة على العالم العربي بأكمله. لابد من القيام بكل شيء لمساعدة تونس. وهناك أشياء كثيرة يتعين القيام بها، أولا العودة إلى هذا البلد، يجب أن تكون عطلنا تونسية: بييرهاسنر: أشاطرك تشاؤمك حول الوضع الراهن لأوربا. بخصوص هذه المشاكل العربية كانت أوربا غائبة. هناك خطران يلوحان في الأفق: خطر أزمة اقتصادية احتدت في مصر وتونس، وخطر العواقب الكارثية للصراع الليبي. في الحالتين أوربا في الصف الأول، هل ستكون لها القدرة والرغبة في مساعدة هذه الدول العربية على بناء ديمقراطيتها؟ أضف إلى ذلك حشود اللاجئين التي تحاول الوصول الى السواحل الإيطالية وردود فعل المواطنين الأوربيين ،الذين يشجعهم الشعبويون اليمينيون في رفضهم. هناك أشياء كثيرة يتعين القيام بها وأشياء كثيرة يجب منعها. عن أسبوعية «لونوفيل أوبسرفاتور