وصل في الوقت المحدد، مبتسما, بل مسترخيا أيضا والهاتف ملتصق بأذنيه, كنا ستة حول الطاولة, كان ذلك يوم 18 مارس، اليوم الموالي لتصويت مجلس الأمن من أجل التدخل في ليبيا. لقد هنأناه بذلك، كان سعيدا، بل سعيد جدا. فهاهو الآن يتحدث لنا عن السينمائي الدانماركي كارل تيودور، وعن الفيلم الجيد «أوردي» في سنة 1955. كان يود التحدث عن شغفه بالسينما، ولحظات النعيم التي يمسك بها في بعض الأفلام العظيمة. يُسِر أنه شاهد 150 فيلما في سنة واحدة. نتحدث عن مورناو، بونويل، روسيليني، وعن العصر الذهبي للسينما الايطالية التي قامت تلفزيونات برلسكوني بوأدها . يظهر رئيسنا نفسه أنه لا يهزم. ويعترف انها متعة يتقاسمها مع زوجته. سألته لماذا لا يعيشان في قصر الاليزيه. «يحدث ان نقضي به عطلة نهاية الاسبوع». لا أذكر السياق الذي قادنا آلى النقاش التالي، أشرت إلى رواية ««الغريب»» لكامو. فحاول الرئيس أن يورد الجملة الأولى من الرواية: «توفيت والدتي اليوم أوالأمس...» الجميع انخرط، وانتهينا بنطقها بشكل صحيح «توفيت والدتي اليوم، أو ربما يوم أمس، أنا لا أعرف...» ضحكنا، ومرة أخرى تساءلنا عن جنون عظمة القذافي». وقال لنا الرئيس «إن الممرضات البلغاريات كن يتعرضن للضرب والاغتصاب يوميا، وأنه من الضروري إخراجهن من هناك، والثمن كان الدعوة إلى باريس». يسخر الرئيس من المال الذي يدعي نجل القذافي أنه منحه إياه لأجل حملة الانتخابات الرئاسية لسنة 2007 : عشرون مليونا. هل كلفت حملتي الانتخابية عشرون مليونا؛ لقد وضعت مال القذافي في جيبي ,يشير بيده, نضحك. لقد أوقعته في فخ: «سيدي الرئيس ، إذا كلفت الحملة 2007 عشرون مليونا، بكم تقدرون قيمة حملة سنة 2012؟» يضحك، ثم يقول : «بالتأكيد أكثر من ذلك، ولكن نحن لسنا في أمريكا.» وهكذا علمت أنه سوف يتقدم إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة. روحه المرحة معدية. وبما أنني لن تتاح لي في القريب الفرصة لأخاطبه بشكل مباشر، فإنني وددت أن أطرح بعض المشاكل المتعلقة بالإسلام، اللائكية وحزب الجبهة الوطنية: «السيد الرئيس، يمكنكم أن تطلبوا من صديقكم جون فرانسوا كوبي أن يتخلى عن النقاش حول الإسلام؛ أنتم تدركون جيدا أن المسلمين يسيرون في اتجاه الاندماج، وأن الوقت ليس مناسبا لتشويه سمعتهم مجددا؛ قولوا لكوبي بأن يهدأ.» هنا، يصبح الأمر مستفحلا: «حين لا نتكلم تصبح المشاكل أكبر من يتم التغلب عليها؛ السكوت ليس جيدا؛ ومن الطبيعي جدا أن نفكر معا في مكانة الإسلام داخل بلدنا.» تحدثنا عن ابنه لويس، وعن ابني الذي يبلغ نفس العمر. فيسبوك ! هذا الشيء الذي يلتهم أطفالنا؛ وفي كل مرة أجد ابني في حالة تمنعه من إنجاز واجباته.» أخبرته أن ابني هو الآخر مفتون تماما بتلك الوسيلة الإعلامية.» قُدمت لنا المقبلات: نبتة الهليون من منطقة نوغاري وطماطم محلاة. النبيذ الأبيض من نوع «لادوريان 1995» كان رائعا. الرئيس لم يكن يشرب سوى الماء. تحدثنا مرة أخرى حول الإسلام ثم حول بعض استطلاعات الرأي. وهنا، سيكشف لنا الرئيس عن غضبه من بعض الصحافيين. كان مقتنعا بأنهم ظالمين وخبثاء مهما فعلوا. عرض علي مثالا: الأمر شبيه بالانتهاء من كتابة رواية، وقبل أن يتم إصدارها، يعمل بعض الصحافيين على توجيه نيرانهم نحوها ! قلت له إن النقاد الأدبيين أكثر جدية، ولا ينقدون أي كتاب إلا بعد قراءته. وسائل الإعلام تسكن هواجسه. يسرد بسرعة عناوين مجلة «ماريان»: «همجي»، «أحمق»، «ضعيف»... الواضح أنه كان متأثرا بذلك، ولا يعرف ما سيفعله ليجذب إلى صفه وسائل الإعلام، ويجعلها أكثر اعتدالا، وأكثر عدلا. حدثنا كيف رفض حضور البرنامج الذي قدمه الصحافي فريديريك تادي، «»Ce soir ou jamais» وقال: «إنه لا يقرأ كتب ضيوفه. وقلت له لا.» وتحسر على الفترة التي كان يُبت فيه برنامج الصحافي برنار بيفو. عبر عن اندهاشه للمكانة التي خصصتها مجلة «إيل» لمارين لوبين. وقال إنه لا يفهم تحمس وسائل الإعلام لتلك المرأة. وبالنسبة له، فإن وسائل الإعلام هي التي وضعتها في الواجهة. قلت له: «لكن لماذا اعتمد حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية على شعارات الجبهة الوطنية من أجل استقطاب ناخبي هذا الحزب؟» أنكر الأمر، وقال إنه مقتنع بأن حزب اليمين المتطرف حظي بالامتياز بسبب وسائل الإعلام التي سلطت عليه الأضواء.» قدم لنا الطبق الرئيسي: فطائر من لحم الغنم محشوة بالأعشاب، وهي أكلة غاية في اللذة احتسينا معها نبيذا أحمر من نوع «شامبرتان» يعود إلى سنة 1993. لفتت انتباهه إلى الخدمات العمومية في فرنسا، وهي خدمات رائعة لكنها مهددة. رفع يديه إلى السماء وقال لنا إن المال اللازم لضمان جودة الخدمات العمومية غير متوفر. «لا يمكننا رفع قيمة المساهمات، وإلا غادر رجال الصناعة البلاد ونقلوا أنشطتهم خارجها.» اقترحت عليه أن يأخذ المال اللازم من وزارة الدفاع. لكن الأمر غير وارد إطلاقا لديه. في نفس السياق، قلت له: «انسحبوا من أفغانستان، إنها حرب خاسرة.» ذكرنا بأنه قام بإصلاح نظام المعاشات بدون مشاكل تذكر. وحين قدمت لنا التحلية، فطائر من الشوكولاتة بصلصة زعفرانية، حصل هو على جبن أبيض. انتقلنا للحديث عن تركيا. وحسبه، فهي «لن تصبح أبدا عضوا في أوربا». قال هذا قبل أن يضيف: «هل تتخيلون الصعوبات التي كنا سنواجهها إبان الأزمة اليونانية لو كانت تركيا تمتلك القرار؟». بعد احتساء القهوة، رافقنا الرئيس إلى الباب. أتذكر لقاء غذاء مماثل كان قد جمعني بجاك شيراك. ولن أنسى أبدا ما قاله لي وهو يصافحني: «لقد قرأت كتبك بإمعان قبل استقبالك!» أما نيكولا ساركوزي، فقد أراد فقط تحطيم بعض الآراء الرائجة حول مدى ثقافته. وهناك أمر لايرقى إليه الشك: إن رئيسنا عاشق للسينما وملم بها. إنه يحتاج فقط إلى أن يحبه الصحفيون.