النص مأخوذ من «طالبات حياة» مجموعة قصصية قد تصدر قريبا للكاتبة تبعا لاحوال الطقس في باريس والنواحي حين رأيتها آخر مرة قبل أربع سنوات كانت«زينة» ثملة. عائدة من عند «صادق» الثري العربي المقيم في الطابق السابع عشر من عمارة السعادة . كانت تمسك حزمة أوراق مالية لاتزال رائحة البنك تنز منها . هجمت على باب غرفتي حتى كادت تقتلعه، صاحت بكل قوتها -دولارات ،دولارات -من أين لك كل هدا؟ - غطى جسدي بالدولارات وأمرني بلحس كل جزء من جسده وكل لحسة مائة دولار . جن جنونه في الأخير فافرغ حافظة نقوذه، تعريت فقط وربحت ألفي دولار! ألفي دولار ! كانت تبدو مجنونة فعلا وهي تقفز في كل أنحاء الغرفة -ولمادا تفقدين صوابك الآن؟ -لأنني لا اصدق! مند أن بعت أول قبلة بدرهم لاشتري قلم رصاص كانت معلمة العربية قد هددت من لم يحضره ب»الفلقة». كانت تلك أول مرة في حياتي. بعدها لم أتوقف ابد، حتى بكارتي لم تساوي أكثر من قارورة عطر رخيص لكنني على الأقل تخلصت من رائحة دلك البغل الذي وعدني بالزواج ورحل إلى «الطاليان» بعد شهرين من فعلته. كنت قد نلت شهادة البكالوريا. جئت إلى العاصمة التي فتحت لي ذراعيها وتعرفت إلى صادق الدي كان فرصة حياتي . في البداية لم أتصور أن يهتم بي خاصة حينما رأيت جمال الفتيات اللواتي يعج بهن بيته. طوابير لحم ابيض أنيق، معظمهن طالبات جامعيات يقمن في الأحياء الجامعية لكني رأيت هناك أيضا مضيفات طائرات وموظفات - اعتقد أن الخمرة قد عبثت براسك! -لا بل أنت لاتعيشين في هاته الحياة ! - دعينا الآن من هدا ، مادا ستفعلين بكل هدا المال؟ -سأشتري ملابس أنيقة، لأغير عيار الزبائن ولا هيئ امتحانات الشفوي. سأجعل الاساتدة يجرون ورائي كالكلاب وسأحصل على النقط التي أريد. من اجل هدا سأشتري ملابسي من «كول» المتجر الأنيق هناك بشارع» ميشليفن» وسأدخل رافعة راسي إلى «ارميل» متجر الاحدية بشارع «فال ولد عمير» وسأفقئ عيون البائعة الدميمة التي تنظر ألي باحتقار كلما أطلت النظر في الواجهة الزجاجية اللمعة فيمل تبتسم دائما في وجوه « بنات اكدال « الدلو عات النحيفات الملويات اللسان بسبب فرنسيتهن البغيضة لست اقل من بنات اكدال . كل أوراقي رابحة .طويلة القامة,ممتلئة, جميلة الوجه, مؤخرتي تطير عقل الرجال ونهداي ممتلئين ويقفزان من الصحة والرغبة في لمسهما. والآن سأصير أنيقة . سأرتدي أرقى الملابس وسأرتاد ارقي أمكنة العاصمة ولن تنتهي السنة قبل أن احصل على كل ما أريد بفعل الثمالة كانت تضحك وتنفرج أسنانها ليبدو في مكان فراغ وسألتها عن هدا الفراغ في فكها الأعلى -فقدت ضرسين بسبب الويسكي مع محسن. تتذكرين الحارس الشخصي لابن «الشنتو في» كان يجبرني على الشرب يوميا وعلى التقاط صور خليعة لازال يهددني بها لحد الآن . لهدا علي أن أجد أجنبيا يخرجني من هدا البلد بسرعة! - ربما كان من الأحسن أن تهتمي أولا بتبديل ضرسيك. ستكونين أكثر أناقة هكذا! - معك حق. بل سادهب عند طبيب الأسنان «سمير الشرايبي» اللدي كاد يرميني خارج عيادته حين سألته عن إمكانية سداد الفاتورة بالتقسيط لوت زينة لسانها ونطقت الراء والقاف بطريقة نطق أهل» فاس» وهو نطق مستهجن في مناطق» ا بي الجعد» التي تنتمي إليها «زينة». كنت أفكر بنساء هاته المناطق المعروفات بجمالهن الطبيعي الخشن ودفء أحضانهن حين التفتت إلي سائلة بصدق: -خاصك شي فلوس ياالحبيبة؟ هل تلزمك نقوذ؟ - لا شكرا، أريد أن نبقى صديقات فقط! ضحكت ضحكة هستيرية، طافت في إرجاء الغرفة وهي تغالب دموعا تتسابق إلى عينيها. ترنحت، نظرت إلي بعينيها العميقتين قبل أن ترتمي في أحضاني النحيلة . أحس جسدها الممتلئ بين ذراعي. تغمرني أنفاسها الممزوجة برائحة خمر جيد واسمع همسها الرقيق: أنت صديقة مخلصة، بل أنت أخت لي - «لا استطيع الكلام والبوح بما بداخلي أحبها رباه وليس من حقي، اعشق جسدها الدافئ اندس فيه جسدا للرغبة والأمومة،هل ستفهم ادا قلت لها ذلك؟ ابتعدت دائما عن النساء بسبب رغباتي تلك في جسد امرأة، في جسد أم لمادا عيناك مطفأتان أمي ولمادا لم يكن لي نصيب منك؟ التصقت بي أكثر ونادت أمها أكثر من مرة وأنشدت مع فاطنة بنت الحسن -بيك ياميمتي طال عذابي -ياطريق الجرادي وافين كاتدي امي الحبيبة واش كان سبابي -ابابا ابابا الهدية جات يا بابا - سير اقلبي الناس ناعسة ياسيدي وأنا نجري ونبري كان الكحل في عينيها قد ساح تماما واصطبغت وجنتاها بأسود عميق زادها جمالا. مسحت عينيها بطرف قميصها الأسود الموصلين الشفاف. قامت مترنحة . أسقطت رزمة كتب ثورية بعثها لي الرفاق من فاس . حاولت إعادتها إلى مكانها لكنها انبطحت أرضا وقرفصت كبدوية . ظهرها إلى الحائط، في قريتي تشبه الوضعية التي تتخذها النساء للبكاء والنواح على ميت عزيز! شعرها الأسود الكثيف يخفي نصف وجهها، تزيح الخصلات بأصابعها البيضاء الرقيقة المنتهية بأظافر زجاجية مطلية بطلاء ابيض. فكرت أن دوقها راق في كل شيء! أزاحت خصلات متمردة مرة أخرى برقة. أحاطت وجهها المدور الجميل بيديها الرطبتين فيما تدلت شفتها كما يليق ببنت مدللة! نظرت إلي بعينيها العميقتين زادهما «الماسكارا» و»الخمرة» عمقا وسحرا -لمادا تصير المرأة أكثر سحرا وعمقا وهي مخمورة؟ -أغلقت النافدة دون سابق اندار وصاحت: -سأنام الآن ، صادق يريدني هدا المساء أيضا --يبدو انه مغرم! - عادت بعد صلاة الفجر في الغد. أدت فريضتها كما تفعل دائما ادا لم تكن مخمورة . أيقظتني وهي تقفز من الفرح --يريدني أن ارحل معه --كيف؟ -- زواج متعة عزيزتي! -- ما هدا الزواج؟ -- زواج بعقد ومدة صلاحية وتعويض كبير -- دعا.......... -لم أكمل الجملة لان هدا ما تفعله مند سن الخامسة عشر بل وقبلها حين كان الجسد الصغير لليتيمة ابنة خادمة البيوت مشرعا لفتيان الحارة وأبناء المستخدمين . تعلمت مند صغرها أن تبيع خدمات هدا الجسد المرغوب فيه . مند القبلة الأولى حتى الآن ظلت تبيع خدماتها. لم تبحث عن الحب يوما. الغريب أن لها طموحات في الدراسة وهدا ما يجعلها تتابع دراستها في كلية الآداب شعبة الدراسات الإسلامية . - كنت شاردة حين نهرتني بحدة --لمادا تنظرين ألي هكذا؟ -لااعرف بماذا أجيبها أخاف أن تكون قد شكت في مشاعري . كنت دائما أخاف ردود فعلها النزقة كلما نصحتها الصديقات بالإقلاع عن ما تفعله -آخر مرة أجابت أمينة بعنف ظاهر -- أنها زينة الحياة الدنيا !!! -لم أكن انصحها. كنت فقط أراقبها وهي تقود حياتها بكل جنون ولهدا سألتها بكل حياد. -- هل ستوافقين؟ --وهل هده فرصة ترفض؟ -غادرت «زينة»الرباط في ظرف اقل من شهر ولم اعد اسمع عنها إلى أن التقيت «هنية» في « باليما» برفقة «جيوفاني» زوجها الايطالي الذي تجاوز الخمسين سنة وهو مهندس بدار المخزن وهدا مكن هنية من تغيير معارفها والاحتكاك ب»الهاي كلاس». - سقطت على قفاي من الضحك وأنا استمع إليها تتحدث فرنسية متلعثمة، كانت فخورة وهي تخبرني أنها تتعلم الفرنسية في «لاميكال فرانكو مار وكين» -هنية قصة غريبة في حياتي . تعرفت إليها أيام» امنيزيا» و ليالي الرقص حتى الصباح . كانت جنية الحلبة. تجيد كل أنواع الرقص . لااعرف ماللدي قادني إلى التعرف إليها وأنا طالبة جامعية وهي فتاة ليل . -في « امنيزيا» كنا نفقد الذاكرة . ذاكرة الجسد المقموع والمنفي عن واجباتنا الأسرية. كنا نسلمه للموسيقى بدون خوف من الخطر القابع خارج المرقص. نرقص ونرقص على أمل أن تنتهي الليلة في فراش دافئ. -حين تدخل «هنية» إلى الحلبة كان الجميع يفسح لها الطريق: هي سيدة الليل . سيدة المرقص بخطواتها الرشيقة. -كراقصة محترفة كانت تؤدي وصلات «الديسكو» و»الروك»» الصالصا» و»الفلامنغو». - بعد وصلة ساخنة من رقص شرقي محموم تقدم «جيوفاني» قبل سنوات ليطلب يدها أمام الجميع . وافقت للفور فقد كان هدا الايطالي الخمسيني مراد ومبتغى نصف بنات العاصمة لثروته وقوة نفوذه ومعارفه. - هده البدوية القادمة من «المشامش» بضواحي «ابن احمد» كخادمة في البيوت استطاعت في ظرف سنوات من ليالي الرباط أن تصبح مالكة شقة فاخرة في عمارة» السعادة» ناهيك عن الأرض الفلاحية التي استصلحتها لانجاز مزرعة. -كنا في طريقنا إلى» الطنجاوي» لحساء الصباح وهو طقس لم نتخل عنه مند أيام الدراسة، سألت «هنية « عن « زينة» -صاحت وهي تغالب النعاس: --زينة الحياة الدنيا ؟ إنها بخير عقباك ! تستعد للرحيل مرة أخرى . هده المرة إلى الإمارات زوجة شيخ بشحمه ولحمه. والثمن 300 مليون وشقة في حي الرياض. ساجن لأنني احلم أنا أيضا بشقة في هدا الحي لكن العجوز وكانت تقصد «جيوفاني» لايريد. يرى أن الحي بعيد جدا عن المركز! -انهينا الليلة عند «خليل» في فيلا فخمة بشاطئ «الهرهورة». تعرفت على «زفيطلانا « زوجته الروسية التي عاد بها من الاتحاد السوفيتي التي دهب إليها لاستكمال دراسته في الفيزياء النووية. قال انه توقف عن الدراسة واحترف التجارة . -همست هنية في ادني: -لااعرف إلا نوعين من التجارة لامتلاك كل هدا المال، القوادة وتجارة الأسلحة! -انتبهت «زفيطلانا» إلى حديثنا الهامس واستدركت «هنية» --دوقك هائل زفيطلانا. أنت وخليل زوج رائع! - افترقنا بعد مطلع الفجر و اتفقت مع هنية على الالتقاء في مدخل عمارة «زينة». وجدتها بانتظاري واخدنا المصعد حتى الطابق الرابع حيث كانت سيدة متحجبة في انتظارنا بمدخل الشقة رقم 12 -قفزت إلى ذراعي وهي تضمني بكل قوة: --مرحبا مرحبا بأختي الحمد لله أنني سأراك قبل أن ارحل -سلمت على « هنية» ولم اصدق ادني حين خاطبتها هنية» بالحاجة». أحست باستغرابي فأسرعت للقول: --اجل اجل . قمت بالفريضة السنة الماضية . ومند ئد وأنا متحجبة واتبع الصراط المستقيم --ادن، كيف حدث لقاؤك الأخير؟ --في بيت زوجي، انه اعز أصدقائه لا ضرر في دلك مادامت مدة العقد مع زوجي قد انتهت ومادام كل شيء حلال. زوجي تزوج عرفيا ابنة خالتي «سلوى» هل تذكرينها ؟ --اجل كانت طفلة . قلت دلك وأنا أحاول إخفاء امتعاضي فزوج «زينة» كان يقارب الستين -- لم تعد طفلة عمرها ستة عشر عاما . إنها من مواليد 1984 -والداها طارا من الفرحة . «صادق» دفع فيها ضعف ما دفع لي. كانت عذراء وفاتنة! دعك من هدا، حدثيني عنك! لازلت تدرسين ؟ كم مرتبك الآن؟ - تلعثمت وفقدت كل قدرة على الرد،لكنها أنقدتني من اطلاعها على أحوالي الرثة -- دعك من هدا لم نختر نفس الطريق! -دخلت غرفة نومها وعادت بشيء ملفوف في ورق هدايا، مدته إلي بلطف: -_ادخرت لك عطرا فاخرا «شاليمار» هل جربته عزيزتي؟ -همهمت وأنا أمد يدي إلى طابق الحلوى اللديدة -- ليس بعد لكنني كنت سأجربه بعد الترقية القادمة « يازينة» اقصد يازينة الحياة الدنيا!! باريس 2006