ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهدات من جنوب سيناء (1) هنا القاهرة .. «أخرجوها آمنين»!

والطائرة تستعد للهبوط بمطار القاهرة الدولي، في ذلك الصباح المشمش من يوم الاثنين 9 فبراير 2009، تتوقف النظرات على بنايات متراصة جنبا إلى جنب، متلاحمة ومتماسكة، بعضها يشد في البعض الآخر وكأن عهدا وميثاقا يربطانها على مجابهة الغيب والتمسك باستمرارية الوجود.. إنها مدينة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، المدينة الساحرة المتموقعة بين كثل رملية صحراوية، وكأنها واحة خضراء في وسط براري وصحراء.
«أدخلوها آمنين»، هي ذي العبارة التي يرددها الجميع هناك ببهو المطار.. يا هلاياهلا بأهل المغرب «أجدع ناس».. بدون شك، دخلنا فعلا آمنين، وأمضينا هناك في مدن جنوب سيناء ثم في القاهرة حوالي 15 يوما مطمئنين، وغير متوجسين أو قلقين.. غير أنه وتحديدا في ذلك اليوم الذي كنا نستعد فيه للمغادرة والعودة مجددا لأرض الوطن، سنكتشف أن عبارة «أدخلوها آمنين» ستفقد مدلولها، وستسقط عنها دلالاتها، لقد اهتزت القاهرة، في ذلك اليوم (الأحد 22 فبراير 2009)، على وقع انفجارات مدوية تقول مصادر أمنية مصرية، أنه راحت ضحيتها شابة فرنسية لم يكن عمرها يتجاوز 17 سنة، وإصابة قرابة 20 سائحا معظمهم من جنسية فرنسية بجروح متفاوتة الخطورة!
حدث ذلك في حي خان الخليلي، قريبا من مسجد الحسين الذي لايفصله عن الأزهر الشريف سوى بضعة أمتار معدودة تغطي مجموعة من المحلات التجارية وفندقين:
( فندق الأزهر وفندق الحسين)، وفي محيطهما توجد مقهى (الفيشاوي) الشهيرة والمعروف عنها كونها كانت المقهى المفضلة للكاتب الكبير نجيب محفوظ، وبالقرب منها مقهى (الأمل) المحادية لمسجد الحسين!
حي تاريخي ، معلمة أثرية وثقافية لها نفس الحمولة التي تحملها الأهرامات العظيمة الشامخة وسط منطقة الجيزة! وطيلة أيام الأسبوع التي استغرقتها إقامتنا بمدينة القاهرة، كان خان الخليلي محتضننا الذي نتوجه إليه كل صباح، ونمضي وسط حواريه ومقاهيه، وكل مرافقه الدينية والثقافية، ساعات النهار كلها!
ولأن للعمر بقية، ولأنها مشيئة الله، فالاستثناء حصل في ذلك اليوم بالضبط، كنا نتأهب وبرفقتي مرافقي لمغادرة الفندق للتوجه مباشرة إلى خان الخليلي كالمعتاد، إذا بهاتفي يرن، كان في الجانب الآخر صوت الدكتور وجيه عزام، رئيس المركز الطبي لنادي المقاولون العرب، ورئيس الاتحاد الإفريقي للدراجات، دعانا لزيارة مقر النادي وتناول وجبة الغذاء، وقضاء بعض الساعات في جولة استطلاعية لمقر النادي.. لم نكن لنتردد خصوصا أننا كنا نبحث عن فرصة اكتشاف أحد الأندية الرياضية المصرية الكبيرة، ولم يكن هناك مجال لرفض الدعوة، فقد وجدنا سيارة تابعة للنادي في انتظارنا أمام بوابة الفندق الذي كنا نقيم فيه..
نعم.. لن أتردد اليوم في القول أن نادي المقاولون العرب كان سببا جنبنا الوقوع ربما ضحية لتلك الأحداث المؤسفة التي هزت كل جنبات حي خان الخليلي وجهتنا المفضلة طيلة الفترة التي قضيناها في مصر.. الآمنة!
مشاهدات من جنوب سيناء (2)
سيناء..أرض القمر
عبدالعزيز بلبودالي
لا تتوقف الحياة في مدينة القاهرة ساعات اليوم كله، ذلك ما لمسناه ونحن لانزال في بهو المطار الدولي لعاصمة أرض الفراعنة. الوقت كان لايزال مبكرا،كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، ورغم ذلك تبدو الأجواء وكأن الليل لم يمر من هنا! الحركة دؤوبة، والوجوه التي التقيناها تبدو منهكة، زحمة في المطار وفي خارجه، نظراتنا المستفسرة لم تنتظر طويلا لتجد الأجوبة عند أول من التقيناهم من المصريين، موظفون ورجال شرطة في المطار: «مرحبا بكم في القاهرة المدينة التي لاتنام»
تتعقد الاجراءات هنا أمام المكلفين بمراقبة الجوازات وبطاقات المعلومات، لكنها سرعان ما تنفك سهلة وسريعة الاجراء بمجرد تلبية الطلب وطرح بعض «البقشيش»!
كان من الضروري التنقل إلى محطة أخرى من المطار لامتطاء طائرة تابعة للخط الداخلي للطيران المصري للتوجه إلى مدينة شرم الشيخ عاصمة جنوب سيناء.
بعد ساعة وعشرين دقيقة، كنا في مطار شرم الشيخ.. صور أخرى لاعلاقة لها بما شاهدناه في مطار القاهرة.. نظافة، حسن استقبال، عدم تعقيد الإجراءات.. في ساحة المطار موقف للسيارات والحافلات.. طاكسيات تستعمل سيارات رفيعة ومن طراز جديد.. وعدد كبير من الحافلات الفارهة التي تخصصها وكالات الأسفار للسياح.
وجهتنا كانت مدينة «نويبع» وتبعد عنها مدينة شرم الشيخ ب 175 كيلومتر تقريبا!
بالحافلة، رحب بنا «ماهر» السائق الشاب الذي لم يتردد في منحنا كل المعلومات عن سيناء.. لم تبدو على محياه أدنى علامات عدم الرضى أو الامتعاض وهو يرد عن أسئلتنا الكثيرة طيلة الطريق الممتدة بين شواطئ البحر الأحمر المطل على خليج العقبة.
سيناء.. وتعني «أرض القمر»، وتسمى كذلك لأن القمر يعكس أشعته الفضية على رمال شواطئها!
وهي تعتبر من أجمل المناطق السياحية في العالم،
وتشمل : سياحة دينية سياحة غوص وبحر والسياحة الصحراوية (السفارى).
استرسل «ماهر» في مدنا بكل المعلومات، ظل طيلة الثلاث ساعات التي استغرقتها رحلتنا إلى مدينة نويبع، هادئا ومبتسما، علما أنه لم يخلذ إلى الراحة منذ أزيد من عشر ساعات من العمل! كان شابا نحيل الجسم، لايتجاوز عمره 26 سنة، درس في جامعة القاهرة، وحصل على الاجازة في اللغات..يقول:«لم أبحث عن وظيفة حكومية بعد حصولي على الشهادة الجامعية.. لأني أعلم أنها لن توفر لي تلك الحياة المريحة التي أطمح إليها.. فضلت الاشتغال كسائق في جنوب سيناء وبعيدا عن أهلي في القاهرة ب 600 كيلومتر، فذلك يدر علي براتب شهري يصل إلى 1000 جنيه مصري ( ألف وخمسمأة درهم بالعملة المغربية)»!
وعن ظروف العيش في سيناء، يضيف:« ربما تكون تكاليف العيش هنا مرتفعة بالمقارنة مع القاهرة، لكني هنا أعيش في أجواء جيدة خصوصا برفقة السياح ، ولا أحتاج إلى أي شيء.. أستغل بعض الرحلات أقوم بها للقاهرة من حين لآخر، لأمر على أهلى للزيارة»
وعندما سألناه عن حالته العائلية، ابتسم وهو يجيب:«لست مضطرا للزواج والارتباط.. في شرم الشيخ أعيش حياتي كما أريد.. كل شيء متوفر هنا»!
مشاهدات من جنوب سيناء (3)
«سانت كاترين».. أرض الأنبياء
عبدالعزيز بلبودالي
وصلنا «المقهى» وهي عبارة عن خيمات مجتمعة في سفح أحد المرتفعات على هامش مدينة «سانت كاترين».
الطقس جميل، نسمات رياح البحر، وشمس صحراوية دافئة، ومجموعة من السياح من جنسيات متعددة، مرحون، يرقصون على إيقاع موسيقى غربية.. وقنينات جعة مثلجة! كل اللغات كانت حاضرة، الألمانية، الروسية، الإنجليزية، الإيطالية، و العبرية! يهود يحملون الجنسية «الإسرائيلية» كان عددهم يفوق عشرة أفراد.. بعد أن رقصوا وغنوا وتبادلوا القبل، اجتمعوا وأحاطوا بأحد الأهرامات صغيرة الحجم منتصبة غير بعيد عن «المقهى».
لمح «ماهر» السائق نظراتنا المستفسرة الفضولية، وتقدم لطرح كل التوضيحات.
اسم سيناء مرتبط باسم النبي موسى عليه السلام، ففي أحد جبالها تلقى التعاليم العشرة، وعلى تربتها تمت أهم الرحلات التاريخية والدينية. ومن أهم معالم سيناء دير سانت كاترين الذي بني في القرن السادس الميلادي ، وكذلك الدير الموجود في سفح جبل سيناء والذي عنده كلّم الله النبي موسى عليه السلام. والدير يحتوي على مكتبة كبيرة زاخرة بالكتب الدينية و كتب التاريخ والثقافة، إضافة إلى آلاف القطع الأثرية المحفوظة.
إلى جانب ذلك، يوجد في «سانت كاترين» مبنى «العدل» وتحفظ فيه جماجم الموتى القدماء ويعرف باسم كنيسة الميلاد ( كنيسة هلنين). وبجنبه، يتواجد مسجد صغير بني من حجر «الغرانيت» في العصر الفاطمي.
هنا في «سانت كاترين»، مر النبي موسى، ومن هنا كذلك انطلق النبي عيسى.. ومن هنا مر النبي إبراهيم ومشى وسار فوق ترابها وأرضها.
في وسط كل المآثر والمعالم التاريخية والدينية التي تحملها مدينة «سانت كاترين»، ينتصب هرم صغير يحج إليه اليهود و«الإسرائليون». يقول الشاب «ماهر» عن هذا الهرم: «يُحكى أن يهوديا ولد ونشأ هنا في سيناء، في بدايات القرن 20 الماضي، وبعد حرب أكتوبر في سنة 1973، اضطر للرحيل نحو فلسطين المحتلة، ولكنه ظل شديد التعلق بأرض سيناء، شأنه شأن عدد كبير من اليهود. وفي منتصف السبعينيات، قرر ذلك اليهودي العودة مجددا لأرض ظلت في وجدانه ولم ينجح في قطع علاقته بها.. كان العمر قد تقدم به، ورغم ذلك لم تخنه رجلاه في التقدم مشيا عبر مدينة «أيلات» ب «إسرائيل» في اتجاه مدينة «طابا» بسيناء، مقررا أن يقطع رحلة على الأقدام وكأنه يقوم بحج الوداع لمكان ظل مقدسا بالنسبه إليه.. وفي رحلته، حمل رسالة ينشد فيها دفنه في نفس المكان الذي يُعثر فيه على جثته بعد وفاته!
وكان له ذلك، حيث حل بسانت كاترين، وبها توفي، وعثر على رسالته وسط أغراضه.. فدفن تلبية لرغبته، وبني على قبره هرم صغير سيظل عنوانا لليهود.. ومحجا لهم، ورمزا للعديد منهم الذين يتمسكون بقناعة راسخة في ذهن معظمهم ، مفادها أن سيناء أرض بناها اليهود، وإليها كل يهودي يعود»!
مشاهدات من جنوب سيناء (4)
مدن تحت «حكم» الأعراب البدو!
عبدالعزيز بلبودالي
تنتشر قوات السلطات المصرية في كل المحاور والطرقات في مدن سيناء.. نقط تفتيش عديدة تترجم أجواء «حالة الطوارئ » القائمة، ومراقبة أمنية متواصلة، وتشترك معها قوات الأمم المتحدة الحاضرة بالمكان منذ سنة 1973.
يقول «دليلنا» السائق «ماهر»: «تعتبر قناة السويس المعبر الحدودي الرئيسي الذي يفصل بين مصر ( يعني مدينة القاهرة) وبين قطاع سيناء. في هذا المعبر، يخضع المصريون إلى إجراءات صارمة للمرور إلى سيناء!
على هذا المستوى، لا يسمح لأي مواطن مصري بالمرور إلا إذا أدلى بترخيص وتأشيرة من طرف وزارة الداخلية ووزارة السياحة.. وكثير من المصريين يحرمون من الترخيص ويستحيل عليهم بالتالي زيارة سيناء»!
فيما بعد، سنقف فعلا على هذا المعطى، وسنلاحظ أن معظم «المعمرين» في سيناء، هم من جنسيات أجنبية! وأعداد قليلة جدا من المصريين يعيشون فوق تربة هذه الأرض، ومعظمهم يشتغلون في الفنادق، والملاهي، أو في المحلات التجارية! بل إنه في مدينة «شرم الشيخ» مثلا، هناك أمكنة لا يشكل فيها حضور المصريين أكثر من اثنين في المأة فقط من مجموع المتواجدين!
كل اللافتات المنتصبة أمام المحلات العمومية، تحمل خطوطا باللغتين العربية.. والعبرية!
بين «شرم الشيخ» و«طابا» يمتد فضاء شاسع يلفه شريط طبيعي متنوع يشمل الصحراء، البحر والجبل، وتتخلل هذا الشريط مدن صغيرة تعتمد بشكل أساسي على السياحة كمورد اقتصادي غني ويعرف حركية كثيفة.
تتوسط هذا الفضاء، مدن شرم الشيخ، طور، ذهب، سانت كاترين، نويبع، طابا. وعلى طول هذا الشريط، يحضر «السكان الأصليون» وينادونهم في سيناء بالأعراب البدو.
يرفض الأعراب البدو كل مظاهر التمدن الحاضرة في القطاع... ويتمسكون بتقاليدهم وبأعرافهم، وبتشددهم القبلي المتعصب!
في سيناء، يتمسك الأعراب ب «حكمهم وسلطتهم» خارج وصاية الدولة المصرية. صحيح، كما يوضح السائق «ماهر»، أنهم وقعوا على «اتفاقيات تفاهم» مع مؤسسات الدولة المصرية، ومع ذلك لم تنجح أية مساعي رسمية في إدماجهم أو الوقوف ضد «حريتهم» أو الحد من تجوالهم وفرض «سلطتهم»! حتى أن الدولة قامت في السنوات الأخيرة، ببناء أحياء سكنية «حضرية» وسط براري الصحراء، وأهدتها لهم بحثا عن استمالة تفاهمهم.. أغلب هذه الأحياء السكنية لاتزال فارغة وغير مسكونة!
في «سانت كاترين» مثلا، تظهر «سلطة» الأعراب البدو واضحة على طول الشريط الممتد إلى مدينة نويبع. الإبل والجمال وسيلتهم في التحرك والتنقل، يفرضون الأتاوات على جميع المشتغلين في القطاع الحر والسياحي بالخصوص. فمثلا، في تلك «المقهى» الموجودة في تراب مدينة سانت كاترين، وهي كما سلف الذكر عبارة عن خيمات في سفح أحد المرتفعات، ينتزع الأعراب حوالي 30 ألف جنيه ( 45 ألف درهم مغربي)، من صاحبها شهريا! هذا الأخير، يكتري «المقهى» بمبلغ 40ألف جنيه يؤديها شهريا لمالكها الأصلي وهو صاحب محطة البنزين الوحيدة بالمنطقة!
يحكي أحد عمال فندق بمدينة نويبع، أن الأعراب لايترددون في معاقبة كل من يرفض «أوامرهم وتعليماتهم» ويمكن أن يذهبوا إلى حد القتل والاغتيال، كما حدث مرارا! ويضيف أن «إسرائيل» عجزت عن مواجهتهم أيام كانت تحتل سيناء، وأجبرت على منحهم «حرية التصرف» التي مازالوا يتمتعون بها إلى حدود اليوم.
هذا البطش، وهذه القوة، جعلت الدولة المصرية تعيد ترتيب مواقفها إزاء الأعراب البدو، بحيث أنها نجحت في ربط علاقات «منفعية» مع الكثير منهم. وعدد منهم، كما يؤكد محدثنا، تحولوا في كثير من الأحيان إلى «وسيلة في ملك الدولة تستعملها لتصفية حسابات سياسية على الخصوص».
في سيناء لايوجد صوت للمعارضة.. باستثناء صوت.. أو «سوط» الأعراب البدو!
مشاهدات من جنوب سيناء (5)
مدينة «نويبع».. رأفت الهجان مرّ من هنا !
عبدالعزيز بلبودالي
ترتبط مدن طابا، سانت كاترين ونويبع فيما بينها عبر ساحل البحر الأحمر.. شريط ممتد يطل على خليج العقبة، ومن خلاله على السعودية والأردن، ثم فلسطين المحتلة. وعلى طول هذا الشريط، تصطف المنتزهات والمنتجعات، ومجموعة من الفنادق والإقامات السياحية.
في الطريق عند مدخل مدينة نويبع، وفوق رمال الشاطئ، تبدو إحدى البنايات الجميلة معماريا وهندسيا.. إنه فندق «رأفت الهجان» عميل المخابرات المصرية الشهير.
رأفت الهجان، شخصية حقيقية، كما يؤكد «أشرف» المشتغل في مجال النقل بمدينة نويبع. أسرته لاتزال تعيش في أحد أحياء مدينة القاهرة، يوضح «أشرف»، بينما اضطر أبناؤه إلى مواصلة العيش في ألمانيا موطن والدتهم، بعد أن رفضت السلطات المصرية منحهم الجنسية المصرية عقب وفاة والدهم!
يقول صديقنا «أشرف» : «هو لغز لم نجد له أي تفسير.. كيف ترفض مصر منح الجنسية لأبناء رأفت الهجان «الجندي المجهول» الذي قدم خدمات جليلة لمصر؟ للأسف، لاتحتفظ الذاكرة المصرية لرأفت الهجان إلا بروايات تُحكى عن بطولاته وإنجازاته، جسدها باقتدار الفنان الكبير محمود عبدالعزيز في مسلسله الشهير«رأفت الهجان».. لقد عاش الهجان هنا بجنوب سيناء، وبها اشتغل، أيام الاحتلال الإسرائيلي، في القطاع السياحي. وعبر سيناء، اقتحم «إسرائيل» قبل ذلك بفترة طويلة.. لم يبق من أثر لرأفت الهجان هنا بجنوب سيناء سوى فندق قام ببنائه في آواخر الستينيات.. فندق جميل يوجد حاليا في ملكية المخابرات المصرية».
نويبع.. مدينة السكينة والهدوء. بنايات متوزعة بين الإقامات الفندقية المطلة على البحر الأحمر، وبين «المدينة» وهي عبارة عن مساكن شعبية على بعد عشرة كيلومترات. في جانب آخر من هذه المنطقة، توجد محطة الميناء، وتعد مركزا لخط تجاري وسياحي نشيط جدا يعرف حركية كثيفة. وعند مدخل الميناء، حيث يصطف «أسطول» من الشاحنات ذات الحجم الكبير تنتظر المغادرة، يوجد تجمع لبعض المحلات التجارية والمقاهي الشعبية.
تعرف هذه المقاهي، بعد صلاة عصر كل يوم، إقبالا كبيرا للمصريين المشتغلين بالميناء أو بالقطاع السياحي والفنادق.. تصطف مجموعة من المقاهي جنبا إلى جنب في شكل دائري، وفي وسطها توضع الكراسي والطاولات أمام عدد كبير من شاشات التلفزة وتحت غيوم من دخان الشيشة! المشهد يبدو كقاعة سينمائية واسعة جدا.. شاشات هنا وهناك تعرض غالبيتها أفلاما للرقص الشرقي، وللأعراس الشعبية، فيما تخصصت بعضها في عرض أعراس من أقطار عربية أخرى.. خاصة من المغرب!
«الشيخات» وكل المجموعات الغنائية الشعبية المغربية، لها حضور بمقاهي مدينة نويبع! ذلك ما اكتشفناه ونحن نتبادل الحديث مع «أحمد» الذي يشتغل نادلا في إحدى تلك المقاهي! أعراس مغربية «قرصنت» لتباع في سوق مدينة نويبع. يقول «أحمد»: «هناك زبناء يلحون على (سيديات) الأعراس المغربية.. اللباس جميل.. والرقص ممتع.. وكل الطقوس كويسة أوي أوي»!
مشاهدات من جنوب سيناء (6)
100 دولار مقابل .. جسد إسرائيلي!
عبدالعزيز بلبودالي
تعتبر مدينة طابا من أجمل مناطق جنوب سيناء. بلدة صغيرة، تعتمد بشكل أساسي على القطاع السياحي كمورد اقتصادي. من بعيد، تبدو طابا شبه جزيرة تخترق البحر الأحمر، ومن البديهي أن تلفها مجموعة من المنتجعات السياحية، والإقامات والفنادق الفاخرة، يحتل فيها فندق «طابا» رأس القائمة كأبرز فندق يعتبر معلمة معمارية وسياحية في المدينة.
في مدخل مدينة طابا، عبر مدينة سانت كاترين، وعلى بعد مسافة متوسطة وسط البحر، تنتصب قلعة صلاح الدين الأيوبي، القائد العربي الذي انطلق من تلك الجزيرة الصغيرة في طريقه أو«بحره» نحو تحرير القدس!
تحتل القلعة مساحة مهمة من الجزيزة، ولاتزال تحمل معالم وآثار الحقبة التي عرفت انتصارات وبطولات صلاح الدين الأيوبي، كما تضم سجنا وزنازن يمتد عمرها لقرون. ولزيارة هذه القلعة، يفترض الحصول على ترخيص من لدن مصالح وزارة السياحة المصرية، وترخيص مؤشر عليه!
طابا تتميز كذلك بكونها أقرب مناطق سيناء الحدودية مع «إسرائيل». فالحدود بين الجانبين لا تتعدى أمتارا قليلة، إلى درجة أن تعايشا تولد بين الجنود المصريين والإسرائليين المكلفين بحراسة المكان!
يقول أحد المسؤولين بالمنطقة:« لاتوجد أية مشاكل في هذه النقطة الحدودية.. هناك تفاهم وانسجام وتواصل.. الجندي المصري ينحصر دوره في حراسة المدخل الخاص ب «إسرائيل»، ومنع أي عربي ومصري من ولوجه.. في الجانب الآخر، ياهلا بالوافدين من الجيران»!
بعيدا بأزيد من 160 كيلومتر عن مدينة طابا، تنتصب شرم الشيخ عاصمة جنوب سيناء، وملتقى البحر الأحمر وخليج السويس. مدينة أنيقة ونظيفة بشكل كبير، ملهى كبير، لامكان فيه لغير الترفيه.. والاستجمام!
شرم الشيخ.. قلعة محروسة ومحصنة، تفتيش ومراقبة عند كل الممرات والمداخل. مدينة تتمتع ببنية تجهيزية راقية ومتطورة، طرقات واسعة، إنارة شاملة، فنادق فخمة متعددة، مرافق سياحية وترفيهية تغطي كل المساحات! حانات ومقاهي ومطاعم على طول الطريق، زبناؤها من نوع خاص.. أثرياء الخليج، وأجانب أوربيون يبحثون عن المتعة والاستمتاع!
هنا في شرم الشيخ، عروض تناسب كل القدرات الشرائية، الطبقية الاجتماعية حاضرة في كل ركن من المدينة.. في الشاطئ، في الملاهي، في الكازينوهات، في الأسواق التجارية، وفي الدعارة أيضا!
نساء يعرضن أجسادهن أمام الفنادق والمحلات التجارية، من جنسيات مختلفة، أرخص العروض للأجساد المصرية.. وأغلاها للإسرائيليات والإيطاليات!
الحصول على «المتعة الجنسية» هنا في شرم الشيخ أسهل بكثير من تناول الشيشة في مكان هادئ!
مرة ونحن نتناول «شاي كوشري» في مقهى أمام المركب السياحي (ألف ليلة وليلة)، نمتع أنفسنا بمناظر الفضاء الجميل، صادفت نظراتنا مرور ثلاثة نساء جميلات، فإذا بشاب مصري يشتغل بأحد محلات «البازار» يتقدم نحونا، ويبادر إلى توجيه حديثه إلينا: «الإخوة مش مصريين؟ آه أنتم مغاربة، والله أحسن ناس.. تعرفوا، هنا في شرم الشيخ، كلو جاهز وحاضر، البنات اللي شفتوهم، اثنتين منهن إيطاليتين، وأجملهن إسرائيلية.. ممكن تونسو معاهم.. الإسرائيلية ب 100 دولار لليلة.. أكل ومبيت»!
بالنسبة للمصريات، يقول الشاب المصري:«العرض أكثر من الطلب.. فيه كل الأسعار.. من 10 دولار حتى الخمسين.. بس غرفة الفندق على حسابك يا بيه»!
مشاهدات من جنوب سيناء (7)
البحث عن فقيه مغربي.. وحشيش «يعمل دماغ».. ونساء.. «من غير هدوم»!
عبدالعزيز بلبودالي
شرم الشيخ.. مدينة تشبه ديكورا سينمائيا لفيلم رومانسي شاعري.. هدوء وسكينة، بحر ونساء، ملاهي وكازينوهات، منتزهات هوليودية يخيل للمرء أنه في (والت ديزني): المركب السياحي ألف ليلة وليلة منتجع خليج نعمة سفن ويخوت ومطاعم راسية في البحر مركبات ترفيهية وألعاب للأطفال.. في غياب الأطفال!
نعم، شرم الشيخ مدينة بدون أطفال! وقفنا فعلا على هذه الملاحظة طيلة الخمسة أيام التي استغرقتها إقامتنا هناك. لم نعاين أطفالا في كل مرافق المدينة، حتى في المواقع الترفيهية الخاصة بالأطفال.. وحده السوق التجاري الواقع بالقرب من حي ( مساكن العمال)، يعرف مرور بعض الصبيان والأطفال.. الظاهرة لا تحمل أي سر أو لغز، فمدينة شرم الشيخ يعمرها السياح بدرجة كبيرة، والمصريون الذين يشتغلون فيها، يعيشون بمعزل عن أسرهم، وجميعهم قدموا من مختلف مناطق مصر.
في شرم الشيخ،المصريون لا يجدون أدنى صعوبة في التعرف على هوية الزوار الأجانب، يكفي أن تنطق بكلمة واحدة ليتم التعرف على أصلك وبلدك. فاجئنا ذلك كثيرا حين اكتشفنا أن صاحب محل (البازار) اقتحم جلستنا في مقهى بالجوار، وبدا سعيدا وهو يرحب بنا كمغاربة «أشقاء المصريين». اندهشنا من تلك السعادة المبالغ فيها.. لكننا سرعان ما وقفنا على السر والسبب. فالشاب المصري لم ينتظر طويلا ليبادرنا بالسؤال:«هنا في مصر، فقهاؤكم البارعون في استخراج الكنوز واكتشافها، لهم سمعة طيبة، ولهم مكانة كبيرة عندنا.. بما أنكم مغاربة، أود منكم مساعدة.. أنا من مدينة الأقصر، في الأرض التي يمتلكها والدي، يوجد كنز فرعوني ثمين جدا.. هي حقيقة مؤكدة، الكنز محروس من طرف الجن، وقد قيل لنا أن الفقهاء المغاربة وحدهم من يمتلكون أسرار فك كل الطلاسيم.. إذا كنت تعرفون أحدا منهم، نحن مستعدون لتلبية كل طلباته..»!
في السوق التجاري،غير بعيد عن الفندق، ما أن تعرف علينا، كمغاربة، أحد أصحاب المحلات التجارية هناك، حتى انتفض فرحا ومسرورا:« المغرب؟ ياه.. بلد الحشيش الممتاز.. بتاع الصح واللي بيعمل الدماغ الكويسة.. تعلموا أن الحشيش المغربي هنا في مصر هو الأغلى والأجود؟ يا نفوخي يانا، أرجوكم، بس قطعة صغيرة من الحشيش، وخدوا أية بضاعة تودوها»!
لم يخف محدثنا أنه يتزود ب «الحشيش المغربي» في كل مرة يسافر فيها إلى مدينة مراكش، حيث تربطه علاقات تعامل تجارية مع أحد المغاربة المشتغلين في قطاع الصناعة التقليدية بعاصمة النخيل!
شرم الشيخ السياحية بامتياز، تتوفر إلى جانب كل ذلك على المركز الدولي للمؤتمرات، المقر الشهير الذي شهد العديد من القمم العربية والدولية.. المركز يعد معلمة معمارية جميلة ويحتل موقعا استراتيجيا في مدخل المدينة عبر الطريق القادمة من المطار، وغير بعيد عنه، تمتد شواطئ البحر، شواطئ جميلة جدا، تسقط فيها كل القيود وكل التقاليد والأعراف.. فوق رمالها، ليس هناك مكانا لغير الحرية .. العارية!
نساء يتمتعن ويسبحن ويمتعن أجسادهن «من غير هدوم»!

مشاهدات من جنوب سيناء (8)
المغرب بعيون مصرية.. حشيش، كورة وأفلام للجنس!
عبدالعزيز بلبودالي
تختلف الصور كثيرا من مدن جنوب سيناء، في تجاه القاهرة. يتلاشى البحر خلفا، وتتقزم الجبال، وتنتشر رمال الصحراء.. تغيب كل عناوين النظافة والسكينة والهدوء! تتغير «ماركات» السيارات والحافلات، كما تتبدل «هدوم» المواطنين ورجال الأمن. الضوضاء والصخب يندلعان من بعيد ونحن على مشارف «مصر» القاهرة مدينة 22 مليون نسمة نهارا، و18 مليون ليلا.. مدينة الألف مأذنة، السبعين ألف سيارة أجرة، ومثلها من حافلات النقل العمومية والخاصة.. وسيارات «الحراكة»!
القاهرة، مدينة القناطر والطرقات «العائمة» في الفضاء، مدينة «الفول المدمس والطعمية»، في كل ركن منها، في كل زقاق ودرب، تنتشر محلات الأكل.. يأكلون بشراهة.. وباستمرار وفي كل الأوقات! استنفار أمني وحالة طوارئ.. رجال كثيرون بلحياتهم.. وبنات متحجبات يتلون القرآن في كل مكان.. وغير بعيد، في شارع الهرم مثلا، نساء متحررات، وقاعات للرقص ول «النشاط»!
في نفس الشارع، ينتصب مسرح «الزعيم» للفنان عادل إمام.. لافتة كبيرة تحمل عنوان إبداعه المسرحي القديم الجديد ( بودي كارد)، وتحتها إعلان صغير( مسرح مغلق لأجل غير محدد)! في محيط مسرح «الزعيم»، تشتم رائحة التهديد الإرهابي!
لطفاء وظرفاء، هم المصريرن.. كلامهم «زي العسل»، خصوصا عندما يتعرفوا على هويتنا كمغاربة «أهلا بالمغرب بلد الكورة والحشيش الصح»! ذلك ما يعرفه عامة المصريين عن المغرب، وبعضهم يجهل كل شيء عن المغرب سوى أنه بلد أفلام الجنس بامتياز!
«أسمع عن أفلام مغربية للجنس.. وسبق أن شاهدت أفلاما للبورنو بطلاته مغربيات فاتنات».. مدلول عبارة صادفناها في مناسبات كثيرة ونحن نبادل الحديث مع مصريين يشتغلون في الفنادق، المقاهي أو سائقين. ومنهم من لايعرف عن المغرب سوى «حشيشه» الممتاز «اللي بيعمل نفوخ كويس أوي»!
هي ذي صورة المغرب عند معظم المصريين غير «المثقفين»، كل المحاولات تبوء بالفشل لإقناعهم باختلاف الصورة.. «ستتعب ياصاحبي وأن تبحث عن مشهد لقبلة واحدة في كل الأفلام المغربية.. وإن عثرت على قبلة، فتأكد أن الممثلة من جنسية أجنبية» ذلك ما كان يردده صديقي خلدون، وذلك ما حاولت السيدة زغلول زوجة محمد زغلول العضو الجامعي في جامعة الدراجات المغربية، أن توصله لمن نقابلهم من المصريين.. تعبت كثيرا مدام زغلول وهي تردد على مسامع من التقيناهم «نملك فنا رفيعا في السينما وفي الأغاني.. الممثلات والمطربات عندنا محترمات ويملكن الذوق الرفيع.. عندكم فنانون كبار هذا مؤكد.. وكتاب وأدباء لهم مكانة كبيرة جدا عندنا في المغرب.. من أم كلثوم، شادية، فاتن حمامة، إلى جيل أنغام، شيرين، صابرين.. بس إلهام شاهين خسرتها مع المغرب بتصريحاتها التي شفناها في الجرائد».
بالنسبة ل «عاطف» النادل في مقهى «الفيشاوي» بخان الخليلي، فالمغرب بلد الكورة.. واللعيبة الكبار! «فريقكم الوطني له تاريخ كبير.. بس إحنا الأقوى والأحسن.. الكورة عندنا أحسن بكثير من عندكم.. لنا الأهلي والزمالك.. ذول كفاية عشان تعرفو الفرق»..
أما «عادل» صاحب متجر التجهيزات المنزلية ب «ميدان العتبة» فلا يود أن يعرف عن المغرب سوى أنه بلد «الحشيش الجيد والماركة المعروفة عالميا»..
في القاهرة.. لا مكان لغير العمل والاشتغال. الجميع يعمل.. ويتاجر في كل شيء! رجال ، نساء، شيوخ وأطفال!
«اشتر مني يابيه.. أنا بشتغل عشان بابا وماما وخواتي».
لم يفارقني الطفل «أسامة» الذي لم يتجاوز الثماني سنوات من عمره، إلى أن نجح في إقناعي بمده ببعض الجنيهات.. مقابل علبة «بيسكوي»، كانت كافية لإرضاء «توسل» طفل آخر يتجول في خان الخليلي مادا يده ومرددا : «لله يا محسنين».
مشاهدات من جنوب سيناء (9)
«شاي كوشري للأستاذ بتاع الجرايد»
عبدالعزيز بلبودالي
تنتصب كل الصور تجسد الاختلافات الكبيرة بين مدن جنوب سيناء، ومدينة القاهرة. فرق شاسع بين الهدوء والنظافة، وبين الصخب والضوضاء.. وقلة النظافة!
في شرم الشيخ، اللغة العربية تتوارى خلفا أمام الحضور الكبير للغات الانجليز والطاليان.. والعبرية تتسابق على احتلال الصفوف المتقدمة وكأنها تعلن وتؤكد استمرار الوجود «الإسرائيلي» ولو بعد 36 سنة على الإجلاء!
وتنتعش اللغة العربية، واللهجة المصرية، سويعات بعد مغادرة مدن جنوب سيناء.. اللهجة المصرية جميلة ومفهومة جدا، وتأكد جليا أن السينما المصرية نجحت بشكل كبير في أن تجعل من العرب، مصريين وأكثر من مصريين في بعض الأحيان!
«شاي كوشري وصلاحو للأستاذ بتاع الجرايد» هي ذي العبارة التي يحلو ل «عاطف» نادل مقهى «الفيشاوي» ترديدها أمام مسامعي كل صباح يوم جديد. فأن تقتني أكثر من خمسة صحف كل صباح، يعتبر عند بعض المصريين من عامة الشعب، أمرا يسترعي كل الانتباه. الأمر لا يتعلق بغياب الرغبة في قراءة الصحف، بقدر ما هو مرتبط أساسا بغياب القدرة الشرائية عند معظم المصريين، علما أن ستة جنيهات (9 دراهم مغربية) كافية لاقتناء خمسة صحف يومية! في مرات عديدة، أطالع إحدى الجرائد، ونظرات تلاحقني وتنتظر مني الإفراج عنها.. وما أن أضعها، حتى يبادر أحدهم «متسولا» الاطلاع عليها! أما حين أمدها له «هدية» يحتفظ بها، يتحول إلى «إنسان سعيد» يكاد يطير فرحا!
في القاهرة، تتحرك نبضات الحياة ساعات اليوم كله، وتختلف بحسب المناطق والشوارع والأحياء. في ميدان العتبة مثلا، بخان الخليلي، تتقلص تلك النبضات ساعة فقط قبل أن يعلن آذان الفجر استئناف دورانها بالسرعة المألوفة!
«العتبة» حي شعبي يحتل مساحة شاسعة بين حي الحسين وشارع محمد علي بخان الخليلي، وهو عبارة عن مركز تجاري كبير، تعرض في محلاته وجنبات ممراته كل السلع من ملابس تقليدية وعصرية، وتجهيزات الكترونية، تحيط بها مجموعة من المقاهي والمطاعم، ومحلات للأكل «متجولة» بواسطة عربات مجرورة! وخلافا لبعض المناطق الأخرى في القاهرة، كشارع الهرم، أو مجمع التحرير، فلامكان في «العتبة» لغير علامات الحقد الذي يحمله المواطنون تجاه السلطة ومؤسسات الدولة!
عندما وجهت السؤال لأحد أصدقائي المصريين عن غياب مثل تلك الصور كبيرة الحجم للرئيس حسني مبارك، كما هو الحال في مجمع التحرير أو في شارع الهرم، كان جوابه: «الناس هنا مشغولين بالبحث عن كسرة العيش والخبز.. لا وقت لديهم للنفاق.. الناس بتعيش ظروفا صعبة، تتألم بصمت، وتنظر إلى الماضي بشوق.. بالأمس عبدالناصر خلف لنا قناة السويس.. السادات أعاد لنا سيناء.. أما اليوم، فالرايس مبارك لم يترك لنا غير ابنيه جمال و.... واعتقني يا أخي دانتا حتوديني في ستين داهية»!
تذكرت صديقي وزميلي جلال كندالي وأنا أقف أمام مكتبة في وسط حي «العتبة»، سألت عن مجموعة من المؤلفات مدني جلال بعناوينها، لم أعثر عليها.. كانت المكتبة متخصصة في بيع مؤلفات دينية فقط! عندما اطلع صديقي المصري على العناوين التي كنت أحملها لتلك المؤلفات، ابتسم وقال«لاقتناء المؤلفات ذي، لازم تكون غني يا أستاذ»..
مشاهدات من جنوب سيناء (10)
يوم كامل مع المشير عامر، و«المرأة التي حكمت مصر»

عبدالعزيز بلبودالي
لم يكن يخطر ببالي، ومعي رفيقي عبدالخالد خلدون، ونحن نلج أبواب النادي الرياضي ل «المقاولون العرب» بمنطقة «المقطم» في مدينة القاهرة، أننا نخطو نحو مشاهدة شريط يحكي تاريخ مصر.. غير الرياضي!
كانت المفاجأة في البداية، ونحن نقترب من مقر النادي.. إنه شبه مدينة متكاملة المرافق! مقر النادي يحتل مساحة أرضية شاسعة جدا، ويضم العديد من المرافق الرياضية والترفيهية والطبية. وفي أعلى الهضبة(المقطم) التي يحتل جزء كبيرا منها، يستقر مطعم النادي الفخم.. مطعم غير عادي، وله خاصية تحيل مرتاديه إلى عناوين تاريخية من سجلات الثورة المصرية!
لم يكن المطعم سوى تلك الإقامة الفاخرة التي كان المشير عبدالحكيم عامر، الرجل القوي في ثورة الضباط الأحرار، يفضلها لقضاء لحظات الترفيه عن الذات، والهروب من صخب الأحداث السياسية والعسكرية، والانزواء في أحضان برلنتي عبدالحميد الفنانة السينمائية أو «المرأة التي حكمت مصر»!
في ركن من المطعم، قاعة منعزلة تطل من أعلى على مدينة القاهرة، أو على جزء كبير منها. نفس «العفش»، نفس الأثاث، نفس الكراسي، نفس الطاولات، التي كانت تؤثت هذا الفضاء الذي كان يملكه المشير عامر، ويقضي فيه معظم أوقاته! لقد تم الاحتفاظ بكل ذلك في مكانه بالضبط لحدود اليوم.. وكأن التاريخ لم يتحرك، وكأن المشير عامر مايزال يتردد على المكان!
اخترت نفس الكرسي الذي كان المشير عامر يفضل الجلوس فوقه، علق على ذلك مرافقي مازحا: «وكأنني أرى عبدالحكيم عامر جالسا يتأمل القاهرة من أعلى»، أجبته على الفور:«لاينقصني في هذه الجلسة المريحة.. سوى برلنتي عبدالحميد»!
يحكون عن تاريخ جمال عبدالناصر، السادات، المشير عامر، العبور وحرب أكتوبر، باعتزاز كبير. ويعتبرون صور ذلك الأمس البطولية، من صور تاريخ الأهرامات وحضارات الفراعنة! «مصر أم الدنيا» في كل شيء، حتى في العوز والفقر والفوارق الاجتماعية الحاضرة بقوة في كل ركن من محيطها!
لا لغة تعلو فوق لغة التشكي والاحتياج في مدينة القاهرة، ولا لغة تعلو فوق لغة التذمر والاستياء والاحتجاج.. الصامت!
معاينة بسيطة في شوارع القاهرة، تكفي لرصد عمق المجتمع المصري بكل تجلياته وظواهره.. المشهد مفتوح للنظر والمشاهدة.. بؤس في مساحات متعددة، وعز في أماكن محدودة.. مشهد وصفه أحد الأصدقاء المصريين يشتغل صحافي في جريدة يومية: « بص وشوف يا بيه، مصر عاملة كده، ذي طاولة، يحيط من حولها رجال الدولة والسياسيون يتقاسمون أموالا كثيرة فيما بينهم.. بالقرب منهم، أيادي الفنانين ولاعبي الكورة ممدودة تلتقط ما يسقط من أوراق مالية.. بعيدا، وفي الدرجات السفلى، يجتمع عامة الناس من الشعب المصري يتنافسون ويتنازعون حول ما يسقط من المائدة من فضلاتها من النقود المعدنية زي القروش والملاليم..»!
ومع ذلك.. هي مصر أم الدنيا فعلا.. كل التحيات لك يا مصر.. كل إعجابي لك ياقاهرة.. وكل تقديري واحترامي لك يامصري، يا سليل الفراعنة العظماء، وابن النيل الرائع.. سنظل نعتز ونفتخر بك يا مصر.. أرض الثقافة والأدب، أرض الفنون والطرب الرفيع، أرض المواطنة وعشق الإنسان لبلده ووطنه وتاريخه.. أرض الورشات الكبرى والعمل والمشاريع حيث لا مكان للكسل، أرض اللقاءات، أرض العرب جميعا.
تحياتي وتشكراتي لجميع من أسعدتني الظروف بلقائهم والتعرف عليهم من المصريين الطيبين والودودين.. إلى «أشرف» بمدينة نويبع، إلى «عاطف» بمقهى «الفيشاوي» بخان الخليلي، إلى «أبو أحمد» سائق الطاكسي،إلى «ماهر» بشرم الشيخ، إلى «أميرة وسيد» بالقاهرة، إلى «أيمن» و إلى «الدكتور وجيه عزام» بنادي المقاولون العرب..
تحيات أخوية صادقة من أرض المغرب.
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.