بشراكة مع المكتبة الوسائطية بطنجة، نظم «الراصد الوطني للنشر والقراءة»، مساء يوم السبت 14 يناير 2017، حفل تقديم وتوقيع كتاب: «إدوارد سعيد. الانتفاضة الثقافية» لإيف كلفارون، ترجمة الباحث المغربي محمد الجرطي، بمشاركة ثلة من النقاد والباحثين: هشام بن الهاشمي، عبد الله لحميمة، محمد الجرطي، رشيد شباري. وقد شهد الحفل مساهمة الباحث هشام بن الهاشمي بورقة نقدية تحدث فيها عن أهمية الكتاب المحتفى به لكونه يقارب رؤى إدوارد سعيد وتصوراته بنوع من الشمولية، انطلاقا من ثلاثة مداخل أساسية: 1- إدوارد سعيد المفكر في العالم: وهنا يحضر مفهوم التأويلية الدنيوية بوصفه لبنة أساسية في المشروع النقدي ذي البعد الثقافي، والذي يروم من خلاله إلى إدراج الإبداع ضمن اشتراطاته التاريخية والسياسية والثقافية، إلى الحد الذي يصعب معه التمييز بين الناقد الأدبي والمحلل السياسي والمنظر الثقافي، فعبر التأويلية الدنيوية تنسج العلاقة بين النص والمجتمع والواقع السياسي، بما يحتويه من قوى الهيمنة وقوى المقاومة التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في الوعي النقدي، فالنص جزء من العالم وإدراجه فيه جزء من إنتاج المعنى. 2- إدوارد سعيد الناقد المقارن: وقف الكاتب في هذا المدخل عند ملمح هام ميز إدوارد سعيد وهو تعدد اهتماماته، فالإضافة إلى انشغالاته الأكاديمية والتزامه السياسي المتمثل في الدفاع عن القضية الفلسطينية، فهو ناقد موسيقي بامتياز، فقد شغلت الموسيقى مساحة رحبة من كتابات إدوارد سعيد، حيث استلهم من الموسيقى مفهوم القراءة الطباقية التي تستند إلى التعدد الصوتي انطلاقا من صوتين متنافرين بأفق سياسي غالبا ما تم إغفاله في النقد المعاصر، ويتعلق الأمر بالصوت الإمبريالي والصوت المقاوم للنزوع الهيمني. 3 إدوارد سعيد الناقد ما بعد الكولونيالي: يشير فيه إلى لجوء إدوارد إلى التجريب حين صهر بين مرجعيات ومصادر فكرية متنافرة، بيد أنه استطاع صهرها في بوثقة منسجمة ترفض الانشطار لتشييد منهج نقدي وازن قوامه المغايرة، وهو النقد ما بعد الكولونيالي. وفي هذا السياق، اعتبر كلفارون إدوارد سعيد المؤسس الفعلي للنقد ما بعد الكولونيالي، من خلال كتابه المؤسس «الاستشراق»، وفيه وقف عند الأنساق الثقافية المضمرة المرعبة التي تضمنتها العديد من الأعمال الغربية ويتعلق الأمر بتصنيم الشرق وإظهاره في صورة غرائبية تتوافق والصور النمطية الموشومة في المخيلة الغربية حول عوالم الشرق، بغية تسويغ التوسع الإمبراطوري والنزوع الإمبريالي، ولم يقف إدوارد سعيد عند حدود كشف أنساق الاستشراق وفضحه وتعريته، بل أكد أن مهمة الناقد ما بعد الكولونيالي تتحدد في الرد على النزوع الإمبريالي الغربي ومقاومة التصور الكولونيالي، وهي مقاومة لا تعتد بالانغلاق والانطواء، بل تنفتح على إنجازات الآخر. وحول الكتاب نفسه، شارك الباحث عبد الله لحميمة بورقة نقدية اعتبر فيها كتاب: «إدوارد سعيد. الانتفاضة الثقافية» للباحث الفرنسي إيف كلفارون من بين أهم الكتب التي رامت تناول مشروع إدوارد سعيد الفكري والمعرفي، ولكونه أول كتاب يكتب عن إدوارد سعيد في الثقافة الفرنسية بعد عشر سنوات من وفاته، وما يطرحه هذا التأخير من سؤال حول الاستقبال الفرنسي لأفكار سعيد. كما أشار إلى القضايا النقدية التي طرحت في هذا الكتاب وهي جملة من الأفكار التي بلورها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، من قبيل؛ التأويلية الدنيوية، والقراءة الطباقية، والمثقف، والسلطة، والهيمنة، والتمثيلات الغربية للشرق، وقد افترع كلفارون مناقشة هذه القضايا الشائكة بعودة نفاذة إلى حياة إدوارد سعيد، ونشأته الملتبسة والمصطخبة باصطراع هوياتي متعدد، وعودته إلى استرفاد جملة من المرجعيات الفكرية والمعرفية المتنابذة ابستيمولوجيا من مثل جيامبا تيستا فيكو وأنطونيو غرامشي وميشيل فيكو وجام ديريدا وهيدغر ونيتشه ووالتر بنيامين وجوزيف كونراد وغيرهم... واختتم الباحث عبد الله لحميمة ورقته بتوجيه جملة من الملاحظات حول الكتاب تصلّبت في: 1- عدم إشارة كلفارون إلى تأثير نقاد جماعة ييل في فكر إدوارد سعيد، وخاصة في إشارتهم إلى ضرورة تسوية الكتابة النقدية بنظيرتها الإبداعية، 2- عدم إشارة كلفارون إلى طبيعة التوسيع الذي قام به سعيد في تشكيل تصور خاص به في الأدب المقارن، بمعزل عن التصورين الفرنسي والأمريكي، 3 -عدم إشارة الكاتب إلى التحوير الذي قام به سعيد للتقليد النقدي المقارن المكرّس في المدرسة الفرنسية والمتعلق ب»الصورولوجيا» وكيف قام سعيد بجعله يحمل دلالات سياسية وليس تمثيلات صنافية فقط، 4- عدم إشارة الكاتب إلى المقارنة العابرة للتخصصات التي قام بها سعيد استرداها من الاستبصارات النفاذة التي قامت بها المدرسة السلافية في الأدب المقارن، عند رواد كبار من أمثال: نينا فاصون، ونيهنيا غورغي، فيكتور جيرمونسكي وغيرهم.. أما الباحث محمد الجرطي (مترجم الكتاب) فقد تحدث عن ترجمته لكتاب «إدوارد سعيد. الانتفاضة الثقافية» للناقد الفرنسي إيف كلفارون والتي تندرج ضمن الدراسات ما بعد الكولونيالية، حيث يسلط الكتاب الضوء على الإبدال الذي أحدثه إدوارد سعيد في مجال النظرية النقدية لمقاربة النصوص الأدبية متجاوزاً تيار البنيوية وما بعد البنيوية مشدداً على دنيوية النصوص وانغراسها في عوالم المجتمع، وبهذا استطاع إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» تفكيك المركزية الغربية كاشفاً عن الصور النمطية التي رسمها المستشرقون في تمثيلهم للشرق بغية تكريس دونيته وتبعيته. وهكذا شكلت أعمال إدوارد سعيد ثورة معرفية لتقويض المعارف التي أنتجتها أوربا عن المجتمعات العربية والشرقية عموماً متسلحاً بقراءة طباقية لإعادة الاعتبار للشرق المزدرى في التقليد الاستشراقي الأوربي عن طريق تطوير المعرفة عن الشرق بعيدا عن خطاب الاستشراق وتمثيل هذه المعرفة في وجه المستشرقين حسب عملية الرد بالكتابة. آملا أن تحقق هذه الترجمة تفاعلا من طرف النقاد العرب مع خطاب ما بعد الكولونيالية الذي ساهم إلى حد بعيد في إحداث إبدال في حقل النقد العربي المعاصر لتجاوز سكونية البنيوية التي تفرغ النصوص من مرجعياتها الاجتماعية والتاريخية، حيث كانت الدراسات ما بعد الكولونيالية فعالة في ربط النصوص بمحاضنها الاجتماعية. واختتم الحفل الذي تميز بحضور ثلة من النقاد والباحثين والمبدعين والفاعلين والمهتمين بالحقل الثقافي/الأدبي بتوقيع الكتاب المحتفى به، «إدوارد سعيد. الانتفاضة الثقافية».