«...عندما طالبتُ بالمرافعةِ الشفويةِ في هذه القضيةِ، لم أكنْ أتصورُ يوماً سيدي الرئيس، أنني سأجد نفسي أقف في دعوى ضد أشخاصٍ لم يخطر ببالي أبداً، أنْ يصدرَ عنهم ما صدر في حق موكلتي زكية حادوش، ولا في حق آخرين... خصوصاً عندما تطورتِ الأشياءُ في المغربِ، ووقع نوعٌ من الانفتاحِ والحرصِ على الحرياتِ وكرامةِ الناس... وهو السياق العام الذي تأسستْ فيه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والتي من بين أهدافها المسطرةِ حمايةُ حريةِ التعبير ِوالصحافةِ والأشخاصِ والمؤسساتِ... تحت الرعايةِ المباشرةِ لجلالةِ الملك، حيث أن القانون الأساسي للهيئةِ يرجع دائماً إليه، نظراً للأهمية التي أعطيتْ لهذه المؤسسة...» بهذه العباراتِ، اِستهل الأستاذ خالد السفياني مرافعته في قضية الطرد التعسفي لزكية حادوش من لدن رئاسة الهاكا ممثلةً في (السيدة أمينة المريني الوهابي) ومديريتها العامة (السيد جمال الدين الناجي)، والتي باتتْ معروفةً إعلاميا باختلاقِ «منصبٍ سمينٍ على المقاسِ»، حيث عرضت النازلة أمام المحكمة الإدارية بالرباط، ظهيرةَ الجمعة 21 أكتوبر 2016، في الملف عدد 763/7110/2016، وذلك إثر صدور قرارين في مواجهة زكية حادوش دون ارتكابها أي خطأ، وتعسفا على المقتضيات القانونية، واتهامها بنسف حدث كبير منظم من قبل الهيئة كان مزمعا تنظيمه يوم 28 أبريل 2016، علما أن المعنية بالأمر كانت قد توصلت باستدعاء مؤرخ في 2 من نفس الشهر لحضور المجلس التأديبي، مما جعل الإدارة تبني قرارات على توقعات وافتراضات، دون حتى أن تتطرق الإدارة لموضوع الحدث الذي قيل إنه سينسف الأفعال الصادرة عن ذلك، وماذا ترتب عن هذا النسف، وهو ما يؤكد الطبيعة الانتقامية والنية المبيتة للطرد، لأن زكية تجرأت على تقديم ترشيح لمنصب علمت بوجوده عبر الانترنيت وهي تشتغل بذات المؤسسة. في هذا الصدد تحدث الأستاذ السفياني عن الفصول 14 و62 و63 من النظام الأساسي لمستخدمي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمتعلقة بإحداث الهيئة واختصاصات المدير العام للهيئة في مجال التأديب، والجهة المخولة بهذا التأديب، علما أن المجلس التأديبي تحفظ على قراره ممثلو المستخدمين. ويسترسل الأستاذ خالد السفياني في مرافعته بالقول: «وبكل صدقٍ سيدي الرئيس، حين عُينَ على رأسِ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أشخاصٌ كانوا مناضلين، لم أكن أتخيل ألا يكونوا إلا حُماةً للديمقراطية، لأنهم كانوا معارضين... وكنتُ أتمنى أنْ يُسمعَ كلامي، وأنْ يُعالجَ المشكل في المجلس التأديبي الذي بُنِيَ عليه قرار طرد زكية حادوش، وما تصورتُ أن نصل إلى المحكمة... كنتُ أتمنى إنهاءَ الأمر هناك... ومع كل الأسفِ حصلَ ما لمْ نتصوره ونتمناه... فأسالتْ القضية الكثيرَ من المداد». السيدة زكية حادوش، سيدي الرئيس، ساهمتْ في التأسيس، واشتغلتْ بالهيئة منذ نوفمبر 2005، ونظراً لاجتهاداتها واستقامتها واستماتتها في القيام بواجبها تدرجتْ في المسؤوليات والمهام... كانت إطاراً في 2005، وفي 2006 إطاراً مكلفاً بالدراسات، وفي أبريل 2009 رُقِيتْ مكلفة بالدراسات مسؤولة على مشروع، وفي 2013 منسقة للأنشطة الخارجية للهيئة... شخص، سيدي الرئيس، كان دائماً في تصاعدٍ في مهامه. لكن، وفي نهاية مارس 2016 حيث بداية الحكاية، علمتْ زكية حادوش أن منصباً أُحدثً بالهاكا، مديرية التعاون الدولي، عبر الانترنيت، ودون إعلام بالمنصب أو إخضاعه لمبدأ المنافسة، فشعرتْ أنها أهل للمسؤولية، ورشحتْ نفسها للمنصب. ولما وصل العلم إلى الذين قرأنا فيهم خيراً، بدأ التهديد، وفي 02 أبريل 2016 حُررتْ دعوتُها للمجلس التأديبي (تحرير استباقي سيدي الرئيس)، لكن زكية حادوش رشحتْ نفسها للمنصب. ولم تكن الإدارة مطالبة بأكثر مِنْ أنْ تقول لمنْ مارستْ حقها، إنك لا تستحقين هذا المنصب. وهكذا توصلتْ موكلتي بتاريخ 02 ماي بقرارين؛ الدعوة للمثول أمام المجلس التأديبي في 12 ماي الذي ظل يحمل تاريخ 02 أبريل (وقلنا لعلها كذبة أبريل!)، وبإصدار قرار الدحرجة من منصبها وحرمانها من تعويضات 8000 درهم، بقرار بلا تعليل، وذلك في 05 ماي 2016، قبيل انعقاد المجلس التأديبي. لكننا السيد الرئيس، وفي إطار حسن النية، قلنا أننا أمام أشخاص كانوا مناضلين- مع كامل الأسف- فتقدمنا بتظلم إداري لا سند إداري له، وكنتُ أتوقعُ أنْ يقع حل المشكل هنا، إلى درجة أنني اقترحت على ممثلي النقابة الذين آزروا زكية حادوش إلغاء احتجاجات ومظاهرات، لتصوري أن المشكل سيحل حينئذ...لكن ها نحن أمام المحكمة لإرجاع الأمور إلى نصابها. والغريب في الأمر، حسب مرافعة الدفاع في هذه النازلة، هو ادعاء الهيئة العليا أن قرار الدحرجة لم يلحق أي ضرر مادي بالموظفة التي هي إطار عالي وليست وزيرة، أو شيئا من هذا القبيل. أما قرار الطرد، الذي لا مبرر منطقي ولا تعليل قانوني له اللهم حنق وحقد شخصي على زكية حادوش لأنها تجرأت ومارست حقا دستوريا في الترشيح وتكافؤ الفرص، أدى إلى ممارسة أقسى أنواع الشطط في حقها ألا وهو قطع مصدر عيشها، وبالتالي التحكم في رقاب البلاد والعباد دون حسيب ولا رقيب. ما شهدناه في إطار متابعتنا لهذا الملف الشائك، الذي لا يمس سمعة «الهاكا» باعتبارها مؤسسة دستورية للحكامة فقط بل يضر بسمعة بلادنا كذلك، هو التضامن الواسع الذي حظيت به قضية زكية حادوش، وكذا تأكيد المتابعين والمعنيين على ضرورة الاحتكام إلى القانون والعودة إلى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان (أو إلى أبجديات القانون، كما قال الأستاذ السفياني) لإحقاق الحق وصيانة مكتسبات دولة الحق والقانون التي ضربها أولئك الذين خدعتنا مظاهرهم في الصميم، حين أقدموا على الانتقام من مواطنة قالت : «كلنا أبناء هذا الوطن».