في مدننا المغربية وبأحيائنا الشعبية تحديدا، لم تعد وحدها مظاهر الفقر والبطالة وتناول المخدرات وممارسة السرقة، أكثر الموضوعات استئثارا باهتمام الناس، وأبرز مؤشرات البؤس والانحراف المزعجة، التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة الحد من انتشارها، وتحرير الأسر وأبنائها من قيودها الدامية، بل انضافت إليها ظواهر اجتماعية أخرى لا تقل عنها خطورة، من بينها آفة الوشم على الجسد. ذلك أن الوشم أصبح خلال السنوات الأخيرة، من بين التقليعات الجديدة المتفشية في أوساط شبابنا، ولم يعد مقتصرا على بعض ذوي السوابق العدلية، بل انتقلت عدواه إلى عديد المراهقين من الجنسين. حيث صاروا يجعلون من أجسادهم لوحات «فنية» رديئة تثير الاشمئزاز والاستفزاز، باعتماد رسومات مقرفة، تعكس ضحالة فكرهم وعدم نضجهم. وقد تكون تلك «الخربشات» عبارة عن شعارات أجنبية ذات دلالات مخلة بالحياء وضد الدين، كما يمكنها أن تكون مجرد صور ورموز، توضع على الأماكن المكشوفة من الجسم كالوجه، الذراع والرقبة... وتشكل لديهم مصدرا للتباهي والرغبة في التميز، وتمنحهم الشعور بالقوة وإثبات الذات، لذلك نراهم في فصل الصيف وكأنهم في مهرجان لاستعراض زخارفهم، وإبراز الصدور والعضلات لاسيما بالنسبة لأصحاب البنيات القوية. وهم أكثر الفئات الشبابية عرضة للانحراف، من خلال تعاطي التدخين والمخدرات والكحول، وإثارة الفوضى والمعارك... والوشم ظاهرة اجتماعية ونفسية، يتداخل فيها ما هو ديني بما هو اجتماعي وثقافي وتربوي، إذ نجد قلة متشبعة بمرجعية فكرية، تؤمن بالحرية الذاتية وتعتبر أن جسدها ملكا لها، وأن ليس لأي كان حق التدخل في شؤونها الخاصة، بينما هناك فئة ذات مستوى ثقافي وفكري محدود، وغير محصنة أمام أي اختراق يطغى على قدراتها العقلية، فتنساق وراء التقليد الأعمى لنجوم الغرب في الفن والرياضة وخاصة الغناء وكرة القدم، فيما الغالبية المحافظة من أفراد المجتمع ترفضه استنادا إلى المرجعية الدينية، باعتباره مخالفا للشرع وتشويها للجسد، وأن كل من يحمل وشما على جسده يدخل في دائرة المنحرفين أخلاقيا والمهمشين اجتماعيا. فتاريخ فن الوشم «التاتو» يعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام، ظهر على بعض مومياء مصر قبل الميلاد، ولدى الصينيين واليابانيين والهنود والرومان لاعتقادات وأغراض متنوعة، كما أنه ليس جديدا على ثقافتنا الشعبية، إذ عرفه المغاربة منذ عقود طويلة في القرى النائية، بالسهول والجبال، وكانت قبائل الأطلس المتوسط الأكثر تميزا به، باعتباره فأل خير على الأسر وأبنائها، يجلب لهم الحظ ويطرد عنهم النحس والشياطين، حيث تقوم الفتيات والنساء بتزيين أنفسهن، عبر نقش الجلد برسوم وأشكال هندسية متناسقة وملونة بالأخضر، ما بين الحاجبين وعلى المعاصم والذقون، وقد تمتد أحيانا حد الرقبة لدى المكتنزات وذوات البشرة البيضاء. ويعتمد في ذلك على استعمال إبر أو ما شابهها وغرزها في الجلد، لإحداث ثقوب وجروح في أماكن محددة، ثم حقنها بالأعشاب أو الحبر الكيماوي، ما يؤدي إلى إدخال مواد سامة وغريبة في الجسم، قد ينتج عنها انتقال أمراض خطيرة، خاصة عندما يتم استعمال إبر غير معقمة لأكثر من شخص. ويقول النووي: «الوشم أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوها في ظهر الكف، أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر، وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش، وقد تكثره وقد تقلله، وفاعلة هذا واشمة، ومن تطلب فعل ذلك بها فهي مستوشمة». وإذا كان الإسلام أجاز للناس التجميل والتزين بالحناء وحرم الوشم، حيث يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، المتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله». والواشمة هي الفاعلة للوشم، والمستوشمة من يتم وضعه على بدنها. ولا فرق بين الذكر والأنثى ماداما يغيران معا خلق الله. والنامصة، هي من تقوم بقص الحواجب وتخفيفها بالمقص أو النتف، والمتنمصة من تطلب أن يقع عليها الفعل، وهما مشتركتان في المعصية. أما المتفلجة للحسن، فهي من تفرق بين أسنانها طلبا للجمال، كأنهن غير راضيات بمشيئة الله. وأن كبار العلماء المسلمين يعتبرون «التاتو» من قبائح الذنوب وينصحون بضرورة إزالته، لما فيه من تدليس وتغيير لخلق الله وإلحاق الأذى بالذات دون جدوى. فإن بحوثا علمية حديثة، أظهرت أن هناك وجوه تطابق بين النصوص الشرعية والعلوم الكونية، وأثبتت الدراسات والتحاليل العلمية، أن الوشم يتسبب في الإصابة بمرض الإيدز والتهاب الكبد وسرطان الجلد وأمراض أخرى معدية قد تعصف بحياة المستوشم»ة»، جراء تلوث أجهزة الاشتغال. ذلك أن حقن الجلد بمواد كيماوية خطيرة، والجهل بمكونات الصبغات المستعملة، التي غالبا ما تكون مخصصة لأشياء أخرى كحبر الكتابة وطلاء السيارات، مما قد يترتب عنه رفض الجسم للمادة المحقونة بداخله، وإفراز أجسام مضادة لمهاجمتها ومحاولة طردها، تتسبب في تشوهات مقززة ومؤلمة بمكان الوشم. وتستدعي إزالته حفر الجلد، وإجراء عمليات جراحية لزراعة جلد جديد وترقيع المنطقة المتضررة، وقد يلزم الأمر أحيانا لجوء الأخصائي إلى الليزر أو التقشير الكيميائي... وسواء كانت لشبابنا قناعة راسخة بحريتهم الشخصية في التعامل مع ذواتهم، أو كانوا مجرد مندفعين وراء نزوة عابرة في إطار الاستلاب الفكري، فعليهم دائما استحضار مخاطر الوشم وتداعياته، حتى وإن كانوا لم يصلوا درجة الهوس به كما هو الحال لدى الشباب الغربي...