عرفت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون نهاية الأسبوع الماضي تغييرا بارزا في هيكلها التنظيمي، لحق بالأساس رأس الجسم القنصلي بعد حوالي سنة من الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015 الذي قدم تشخيصا للاختلالات التي يعيشها عدد من المراكز القنصلية المغربية في العالم، وقدم صورة واضحة عن المشاكل التي يواجهها مغاربة العالم مع البعثات القنصلية المغربية بالخارج. فقد تم تعيين محمد بصري القنصل السابق في القنصلية العامة المغربية في روما العاصمة الإيطالية مديرا للشؤون القنصلية والاجتماعية بالوزارة خلفا لمصطفى البوعزاوي الذي عاش مسار الإصلاح القنصلي رفقة السفير السابق جواد الحيمدي، رئيس اللجنة الخاصة بإصلاح المنظومة القنصلية منذ كان يشغل منصب رئيس قسم التعاون القنصلي والاجتماعي قبل تعيينه على رأس المديرية سنة 2013 خلفا لمحمد علي الأزرق. وقد تأكد بعد سنة من الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015 الذي أثار فيه جلالته انتباه وزير الشؤون الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار إلى ضرورة العمل، بكل حزم، لوضع حد للاختلالات والمشاكل التي تعرفها بعض القنصليات، وإنهاء مهام كل من يثبت في حقه التقصير أو الاستخفاف بمصالح أفراد الجالية، أو سوء معاملتهم، أن إصلاح الجسم القنصلي المغربي في الخارج لن يتم بالنسبة إلى المصالح المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون إلا إذا تخلصت مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بالوزارة من الصورة السيئة التي التصقت بها منذ عقود خلت كونها مقبرة للأطر ومرآبا للموظفين المعاقبين على المستوى المركزي وفي شبكة القنصليات المغربية في الخارج، إلى إن تحولت إلى مشتل لليأس وعدم العطاء. فقد فرض إصلاح المنظومة القنصلية المغربية في الخارج على المصالح المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون إدماج تأهيل مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بالوزارة ضمن مشروع تأهيل شامل للعمل القنصلي حتى تتمكن المديرية من تطبيق جيد لمخرجات الإصلاح القنصلي ويكون عملها فعالا. ولأجل هذا، لابد من تجديد التفكير في تحديد اختصاصات مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعي ورسم الحدود بين القنصلي فيها والاجتماعي، من خلال إعادة هيكلة المصالح المكلفة بالشؤون القنصلية وتعزيز قدراتها وكفاءاتها بجعلها بالأساس مديرية عامة للشؤون القنصلية والهجرة التي أصبحت واقعا يفرض نفسه بعد تحول المغرب إلى بلد إقامة عوض بلد عبور لجاليات متعددة، وتضطلع بالمسؤولية الاجتماعية للجالية المغربية في الخارج التي أثقلت كاهل المديرية وشريكيها في تدبير الملف كل من مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالمغاربة القاطنين في الخارج وشؤون الهجرة. فبعد تعيين محمد علي الأزرق، المفتش العام السابق في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والدبلوماسي، كاتبا عاما للوزارة، خلفا لزميله ناصر بوريطة الذي عين وزيرا منتدبا في وزارة الخارجية، وتعيين محمد لطفي عواد، السفير السابق في تركيا منذ سنة 2009 سفيرا في أوتاوا محل نزهة الشقروني، وتعيين عبد القادر الأنصاري سفيرا للمغرب بجنوب إفريقيا ليشغل منصبا ظل شاغرا منذ سنتين بعد استدعاء سفير المغرب حينها التهامي لكلاوي على خلفية مقتل نور الدين الفاطمي، المكلف بالشؤون القنصلية بالسفارة، وكذا تعيين عبد اللطيف الروجا سفيرا بالعاصمة انجامينا بتشاد محل البشير عطية الله، ومحمد مثقال سفيرا مديرا عاما للوكالة المغربية للتعاون الدولي محل سابقه عبد الرحيم القدميري، من المنتظر أن تعرف الخارجية المغربية في غضون الأيام القليلة القادمة إعادة انتشار في صفوف القناصلة أيضا في إطار حركة انتقالية سنوية عادية. ولا تستبعد مصادر مطلعة أن تختار وزارة الشؤون الخارجية والتعاون مخرجا يمكنها من تحويل أنظار الجسم الدبلوماسي والقنصلي المغربي في الخارج بخصوص «اختلالات» بعض القناصلة الجدد ضمن لائحة أكتوبر وذلك بتفعيلها حركة إعادة انتشار سنوية طبيعية تتوجه فقط إلى عدد من القناصلة المنتهية مهامهم من دفعة وزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق سعد الدين العثماني، ويفتح الباب أمامهم من أجل التباري لشغل مديريات شاغرة لتعيين عدد من المدراء سفراء، مما يجنب الخارجية المغربية الاعتراف بفشل الإصلاح القنصلي على الأقل في الثلث الأخير من الزمن الدبلوماسي لحكومة عبد الإله بنكيران خاصة بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015 والذي قدم تشخيصا للاختلالات التي تعيشها القنصليات المغربية في الخارج. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن المصالح المركزية في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون تنحو منحى عدم تعميم لائحة المناصب الشاغرة لقنصل عام للمغرب في عدد من التمثيليات القنصلية المغربية في الخارج على موقعها الالكتروني كما دأبت على ذلك في إطار الشفافية، ومن المتوقع أن تختار أسلوب «الاختيار» أو «التعيين» وتتراجع عن مبدأ «طلب الترشيح» لاختيار ما لا يقل عن 10 قناصلة جدد يشغلون مناصب شاغرة حوالي 3 منها في فرنسا (مونبوليي، كولومب، باريس) و3 في اسبانيا (مدريد، خيرونا، لاس بالماس) و2 في إيطاليا (باليرمو وروما) وواحد في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوتركيا. وفي سياق متصل أفادت ذات المصادر أن المصالح المركزية في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون لن تتخذ أي قرار «زجري» في حق بعض القناصلة الجدد، الذين تم تعيينهم في إطار الحركة الانتقالية للقناصلة العامين الأخيرة في أكتوبر الماضي، ممن تبين بشكل الواضح «إخفاقهم» الجلي في تدبير الشأن القنصلي المغربي في الخارج. وأوضحت أن مسؤولين سامين في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون «بلغوا من الاقتناع» بعد توقفهم على عدد من الاختلالات التدبيرية لعدد من المراكز القنصلية المغربية في الخارج، ما يجعلهم يؤمنون أن «أي عقاب باستدعاء القناصلة المعنيين ب»الاختلالات» سيشكل لا محالة «ضربة قاضية لهم» ويسائل طريقة تعيين، قد تكون احتكمت للمصلحة الخاصة بدل المصلحة العامة ومصلحة المغرب العليا، وتنصلت من ربط المسؤولية بالمحاسبة كما جاء في دستور يوليوز 2011. وقد اعترفت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون قبل حوالي سنة أن الجسم القنصلي المغربي في الخارج معلول في غالبيته و يستدعي استئصالا عاجلا لمظاهر التدهور الذي يعيشه من خلال إيفاد بعثات افتحاص إلى المراكز القنصلية منذ سنوات ويتطلب إعادة هيكلة المصالح المكلفة بالشؤون القنصلية وتعزيز قدراتها وكفاءاتها. وأشارت المصادر نفسها أنه مهما بلغت «حدة» الاختلالات والمشاكل التي تعرفها بعض القنصليات، ومهما وصلت أيضا «جسامة التقصير أو الاستخفاف «بمصالح أفراد الجالية، أو «سوء المعاملة والتعامل المجحف» لبعض القناصلة الجدد ضمن لائحة أكتوبر في حق مرؤوسيهم لن «تتخذ المصالح المركزية في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أي قرار في حقهم للأسف» . ويذكر أن تشخيص مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون خلص قبل سنة إلى أن إصلاح حوالي أرباع الشبكة القنصلية في الخارج، التي تضم 55 مركزا قنصليا في ربوع العالم تماشيا مع أهداف المخطط الجديد لإصلاح المنظومة القنصلية الذي تسهر على بلورته اللجنة الخاصة بإصلاح المنظومة القنصلية، لا يستقيم إلا من خلال إعمال مبدأ الكفاءة والنزاهة والمسؤولية . لكن تعيينات رؤساء المراكز القنصلية المغربية في الخارج في أكتوبر الماضي جرت وراءها جملة من التساؤلات سواء حول كيفية الترشيح والاختيار والتعيين وحول سبب تخفي وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وراء التشبيب المفرط فيه وكوطا النساء غير المؤهلات، وصاحبتها جملة من التخوفات بخصوص طينة الكفاءات التي ستسير هذه المراكز القنصلية مستقبلا. وعزت ذات المصادر أن أي قرار «تأديبي» قد تتخذه وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وتعلنه للجميع في حق بعض القناصلة الجدد ضمن لائحة أكتوبر، الذين كانوا خلال الفترة الأخيرة محط تقارير داخلية أو موازية أو زيارات تقييم وتحكيم ميدانية، «لن يكون في صالح من هندسوا اللائحة» ومن شأنه أن يكون أكثر ضررا منه نفعا بالنسبة لمن قرروا في اختيارهم. كما أن أي قرار قد يتخذ في حق هؤلاء القناصلة المعنيين وهم، حسب ذات المصادر، لا يتجاوز عددهم الثمانية في بلدان غربية ومغاربية، من شأنه أن يشكل ضربة موجعة لأصحاب القرار في الخارجية المغربية «انزاحوا» عن مطلب إصلاح المنظومة القنصلية المغربية في الخارج بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015، الذي قدم صورة واضحة عن المشاكل التي يواجهها مغاربة العالم مع القنصليات المغربية في الخارج.