اكدت التجارب التنموية لمختلف الامم والشعوب في العالم المعاصر الدور الأساس للتربية والتعليم في رقي المجتمعات وتقدمها على مختلف الصعد وفي كافة المجالات. ليست جودة التعليم والتكوين مؤشرا على تقدم المجتمع الى جانب مؤشرات اقتصادية واجتماعية أخرى فحسب، وانما هي(الجودة) الشرط الضروري لتطوير الاقتصاد وتحديث المجتمع وتحقبق التنمية الثقافية ودمقرطة الدولة والمجتمع واعمال حقوق الانسان وتحرير العقل الفردي والوعي الجماعي من كوابح الابداع. كل المعطيات تؤكد وجود علاقة اقتران بين جودة المنظومة التربوية/التعلبمية/التكوينية من جهة،ومستوى النماء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والازدهار الثقافي من جهة ثانية. فالدول الأكثر نموا والأكثر أنتاجا للسلع ذات القيمة المضافة العالية،والاقدر على الابتكار العلمي والتكنولوجي،هي تلك التي تتوفر على أقوى الأنظمة التعليمية وأرقى الجامعات ومعاهد البحث العلمي، وهي في نفس الوقت تخصص للتعلبم والتربية والبحث العلمي ميزانيات تتقدم ميزانيات كل القطاعات الاخرى، على اعتبار أن الاستثمار في الموارد البشرية هو المدخل الحضاري للتنمية الشاملة والمستدامة. وبالمقابل فان البلدان التي لم تول التربية والتعليم ما يستحقانه من اهتمام ضمن سياساتها العمومية ورؤيتها الاستراتيجية، ما زالت تعاني من كل أشكال العجز الاقتصادي والاستيلاب الثقافي والقهر الاجتماعي والاستبداد السياسي. ومما لا ريب فيه ان السياسة التعلبمية جزء من السياسة العامة لاي بلد بحيث أن الاختيارات التربوية والتعليمية، في بعديها المعرفي والاديولوجي، امتداد للاختيارات والتوجهات السياسية والتنموية. وبالنظر لهذا الترابط الجدلي المتين بين المشروع التربوي/التعليمي والمشروع المجتمعي، قد يكون من باب الاستحالة الموضوعية بناء نظام تعليمي حديث، ناجع،وقادر على لعب دور القاطرة في صيروة التحديث والتنمية المستدامة، دون ارادة سياسية حقيقية، ودون وعي حضاري بأهمية العلم والمعرفة في عالمنا المعاصر، عالم المعرفة والتكنولجيا المتطورة وفنون الانتاج البالغة التعقيد.وبالتالي فان تخلف التعليم ليس الا الوجه الأبرز لأزمة مجتمعية، ولا يمكن اصلاح المنظومة التربوبة الا ضمن خطة تنموية شاملة. بناء على ذلك يمكن فهم الفشل الذي انتهت اليه كل محاولات اصلاح التعليم ببلادنا. لن يكون الاصلاح ممكنا ان لم يقم على الأسس التالية: -فلسفة تربوية واضحة ومنسجمة، تحدد انطلاقا منها مرتكزات ومبادئ وغايات التربية والتعليم. ولعله من نافلة القول ان تكون هذه الفلسفة متشبعة بروح العصر، مأسسة على العلوم الحديثة ومستوعبة للقيم الانسانية الكبرى.والواقع أن أهم معوقات بناء منظومة تربوية فعالة ومنسجمة ومستقرة ببلادنا يكمن تحديدا في اللبس والغموض اللذين يطبعان الاختيارات الكبرى بخصوص نمط التنشئة الاجتماعية التي تسهم المدرسة، الى جانب غيرها من المؤسسات التنشئوية، في تسويقها واشاعتها وشرعنتها. لقد دأب المسؤولون ببلادنا، بمناسبة صياغة مختلف مشاريع اصلاح التعليم، على التوفيق بين رؤى متناقضة تعكس في جوهرها تناقضات المجتمع في أبعادها الاقتصادبة والسياسية والثقافية؛ وهي تناقضات يصعب التوفيق بينضها على مستوى التنفيذ والأجرأة. لذلك ظل نظامنا التربوي/التعليمي نظاما هجينا تتجاور فيه قيم وتصورات وتمثلات متباعدة، منها ما يعود الى أزمنة بائدة وغارقة في العتاقة والتقليد، ومنها ما يرنو الى العقلانية وقيم الحداثة. هكذا يجد المتعلم نغسه ازاء مناهج وطرق ومواقف وسلوكات متضاربة، وفي كثير من الأحيان في قطيعة تامة عن حقائق الحياة اليومية ومقومان المشاركة الايجابية في صنع الحياة وتطويرها. -أرضية معرفية/ ابستمولوجية تؤسس لنموذج تعليمي يمتح من علوم التربية الحديثة والعلوم الانسانية ذات الصلة بالفعل التربوي،ويتمثل المعارف والعلوم المعاصرة الأكثر تطورا.ومن البديهي أننا مطالبون ببناء نموذج تربوي يلائم البنى الاجتماعيةوالثقافية الوطنية والجهوية المتسمة بالتعدد والاختلاف. لقد أبانت كل تجارب التجديد البيداغوجي فشل تحويل ونقل النماذج التعليمية واستنساخها مهما كانت نجاعتها في البلدان التي أنشأتها. - ربط التعليم والتكوين بالاستراتيجية التنموية وبحاجات سوق الشغل والقطاعات الانتاجية الحالية والمقبلة.انه السبيل الكفيل باعادة الاعتبار للمعرفة وبالتالي للمدرسة والمعهد والجامعة. لم يعد مقبولا العمل بمقولة"التعليم من أجل التعليم" أو من أجل محاربة الأمية والتعميم الصوري للتعليم. وبعبارة أخرى لم تعد المؤشرات الكمية معيارا كافيا لتقييم مخرجات النظام التعليمي. فالتعليم والتكوين اللذان لا يؤهلان الفرد للاندماج المهني والاجتماعي، وللمشاركة الواعية في الحياة العامة، بما يضمن للمواطن العيش الكريم،سيؤدي حتما الى نتائج عكسية تتمثل في تبخيس العلم والمعرفة، واستبدالها بمفاتيح أخرى ، وان كانت غير مشروعة، لتحقيف " النجاح". يتطلب ربط التعليم بالتنمية مراجعة جذرية للهندسة التربوية ابتداءمن التعليم الاعدادي، وللمناهج والمسالك والتوجيه والتقييم؛ كما يجب تقوية البعد الجهوي والمحلي قصد تمكين المؤسسة التعلبمية/ التكوبنية من التفاعل المنتج مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. - مأسسة البحث التربوي من خلال احداث مراكز للبحث وطنية وجهوية وتمكينها من الموارد المالية والبشرية الضرورية لضمان نجاعتها العلمية في دراسة الظواهر التربوية في أبعادها المختلفة بغية صياغة الحلول والبدائل على ضوء التحولات التي تعتري المنظومة التربوبة/التكوينية، واستجابة للتغيرات التي يعيشها المجتمع ويشهدها العالم. ان النهوض بالبحث التربوي الميداني، وجعله رافعة لتجديد مستمر للتعليم والتكوين، سيغنينا عن التجريب العشوائي لنماذج مستوردة يصعب على الفاعل التربوي، مدرساكان أم مؤطرا،استيعابها. - وضع نظام تمويلي متعدد المصادر (الدولة، الجماعات ذات الموارد، القطاع الخاص،رسوم الدراسة على أبناء الأغنياء) يسمح بالرفع من ميزانية قطاع التربية والتعليم على نحو مطرد،ويمكن من توفير الفضاءات الملائمة لتعليم فعال ومنتج. -تكوين أساسي جيد وتكوين مستمر حقيقي للاطر الادارية والتعليمية العاملة في كل الأسلاك.