عرفت العلاقات المغربية – الأمريكية مدا وجزرا على مر السنوات الثلاث الأخيرة بسبب التقلبات في موقف واشنطن إذ ما فتئت الإدارة الأمريكية تكشف عن توجهات دبلوماسية تستهدف العديد من الملفات ذات الحساسية الكبرى بالنسبة للمغرب خصوصا في قضية الصحراء أو من خلال التقرير السنوي لحقوق الإنسان، الذي تشرف على إنجازه الخارجية الأمريكية، وكذا التقارير الموضوعاتية التي تصدرها واشنطن بين الفينة والأخرى. في سنة 2013، تقدمت مندوبة الولاياتالمتحدة الدائمة لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سوزان رايس، بمقترح يروم توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» من خلال إحداث آلية دولية بديلة لمراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وإن كانت بعض الأوساط الدبلوماسية الأمريكية قد عبرت حينها عن استيائها من مسودة المقترح الأمريكي بل واعتبرته قرارا غير استراتيجي ولم يصدر من البيت الأبيض أو البنتاغون أو حتى من وزارة الخارجية بل هو «قرار منعزل»، فإن الأمر في الحد ذاته مؤشر على أن ما حدث في نيويورك يجسد حالة انقسام في الإدارة الأمريكية إزاء ملف الصحراء. غير أن الملاحظ هو أن المقترح الأمريكي لم يأت دون سابق إنذار، بل سبقته عدة تطورات صبت جميعها في اتجاه إثارة مسألة حقوق الإنسان في مناطق الصحراء، بداية بالأزمة التي حاولت أن تخلقها أميناتو حيدر سنة 2009، تلتها أحداث أكديم إيزيك في 2010، وتوقف محادثات منهاست سنة 2012 دون تسجيل أي مستجد في قضية الصحراء، وهي نفس السنة التي أعلن فيها المغرب سحب ثقته من المبعوث الأممي الخاص بالصحراء كريستوفر روس، بسبب مواقفه غير المحايدة في هذه الملف الحساس وتدخل الإدارة الأمريكية للإبقاء عليه، ثم زيارة كيري كينيدي للجنوب المغربي سنة 2013 وإصدار منظمتها تقريرا يوجه اتهامات للمغرب بانتهاك حقوق الإنسان في الصحراء. كل هاته التطورات جاءت لتمهد الطريق لتتقدم واشنطن بمقترح توسيع صلاحيات بعثة المينورسو بإحداث آلية مراقبة حقوق الإنسان، وهو المقترح الذي أثار حفيظة المغرب وعبر عن استنكاره له، وكان من تبعاته التعليق المؤقت للمناورات العسكرية المشتركة بين القوات المسلحة الملكية المغربية والقوات الأمريكية، والمعروفة باسم مناورات «الأسد الإفريقي»، حيث تعتبر أضخم مناورات عسكرية في القارة الإفريقية وتتطلب إعدادا وتحضيرات على مدى عدة أشهر. كما اضطر المغرب لخوض معركة دبلوماسية شرسة تمكن من كسبها في آخر المطاف، وبالتالي أعادت واشنطن في المقترح الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن، بعد أن حذفت منه نقطتي اعتماد آلية مراقبة حقوق الإنسان وتدبير الثروات الطبيعية في المناطق الصحراوية. ولقد تمكن المغرب من كسب هذه المعركة بدعم دول أصدقاء الصحراء، بما فيها إسبانيا وفرنسا وروسيا والصين، رغم مواجهته معارضة شديدة من طرف خمسة بلدان غير دائمة العضوية بمجلس الأمن، بينها بلدان إفريقية وأخرى من أمريكا اللاتينية، معروفة بمواقفها المساندة للأطروحة الجزائرية. تصدي المغرب للمشاريع الأمريكية التي تمس الوحدة الترابية للمملكة داخل مجلس الأمن يعيد إلى الأذهان ما حدث أيضا سنة 2003، حيث سعى مندوب الولاياتالمتحدة لدى مجلس الأمن حينها، جون نيغروبونتي، تبني مشروع المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء، جيمس بيكر، الداعي إلى اعتماد الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية لمدة أربع سنوات، يليها إجراء استفتاء حول تقرير المصير، قبل أن يتم التراجع عن هذه الخطوة، حيث بعث الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش إلى الملك محمد السادس ينفي فيها سعي واشنطن لفرض أي حل على المغرب في قضية الصحراء. وفي وقت لاحق، سيأتي الدور على المندوب الأمريكي الجديد لدى مجلس الأمن، جون بولتون، لكي يذكي نار الانقسام في الموقف الأمريكي تجاه ملف الصحراء، حيث كان من أشد المدافعين عن تنظيم استفتاء تقرير المصير وإضافة مهام مراقبة حقوق الإنسان إلى بعثة «المينورسو». موقف أثار غير ما مرة سجالا بينه وبين مستشار الأمن القومي الأمريكي إبراهام إليوت، الذي يدافع عن الموقف المغربي في قضية الصحراء. ولقد تحدث بولتون عن تفاصيل هذا السجال في كتابه الصادر سنة 2007 تحت عنوان «الاستسلام ليس حلا»، والذي خصص فيه فصلا حول هذا الملف ويجدد فيه مطالبه للإدارة الأمريكية بفرض استفتاء تقرير المصير. ومن بين المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الإدارة الأمريكية رسمت لنفسها مسارا جديدا لعلاقتها مع المغرب، وذلك تحت تأثير الانقسامات المستمرة في المواقف تجاه قضية الصحراء، تعمد الخارجية الأمريكية منذ سنة 2012 إصدار تقريرها السنوي، في جزئه الخاص بالمغرب مقسما على اثنين: «تقرير حقوق الإنسان في المغرب» و»تقرير حقوق الإنسان في الصحراء الغربية»، حيث يتضمن الشق الثاني انتقادات شديدة اللهجة للمغرب، ويتهمه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية من المملكة، علما بأنه في السابق كان التقرير يتعامل مع المغرب بشكل غير مجزأ.