لم تعد تفصلنا عن الامتحانات الاشهادية للموسم الدراسي الحالي سوى أسابيع معدودة من مرحلة التلقي إلى مرحلة الاستعداد, خصوصا تلميذات وتلاميذ السنة الأولى والثانية بكالوريا ومنهم من انخرط في دروس التقوية أو ما يمكن أن نسميها الدروس الليلية ومنهم من اختار الشهور الأخيرة للانخراط في هذه الدروس لكسب مزيد من المعرفة استعدادا لهذه الامتحانات، وهناك من المؤسسات الخصوصية من توقف كل شيءفقط لتلقن تلاميذتها الدروس والتمارين للموارد التي سيمتحنون فيها,خاصةالسنة الأولى بكالوريا المقبلون على تجاوز الامتحانات الجهوية التي لا تؤثر على الانتقال إلى السنة الثانية بكالوريا ولكن معدلها يحتسب بنسبة 25 في المائة في الامتحانات الوطنية للبكالوريا، إلا أن شريحة مهمة من التلميذات والتلاميذ تختار دائما منحى آخر للاستعداد، هذا المنحى هو خارج عن قواعد اللعبة وهو موضوعنا اليوم .حيث تستعد للإبداع في طرق الغش عوض الاستعداد للامتحانات عن طريق المراجعة .فنجد هذه الشريحة تتوسع موسما بعد آخر وتتطور قدراتها وطرقها وتقنياتها في مجال الغش، حيث تعمل بكل الوسائل لصقل وتطوير قدراتها في تقنية الغش وسرعته للحصول على أكبر قدر من الأجوبة الصحيحة من الأسئلة في العديد من المواد المطروحة في هذه الامتحانات لضمان معدل تحصل به على شهادة البكالوريا رغم ضعف حصيلتها التعليمية، هؤلاء التلاميذ اعتبروا الغش حقا مشروعا لهم وتبقى الطامة الكبرى هي مشاركة الأسر في هذا العبث التربوي، فللأسف انخرطت العديد من الأمهات والآباء والأولياء في هذه اللعبة ، ووفرت لأبناءها وبناتها كل الظروف المناسبة للخوض في هذا المستنقع خاصة المادية منها، فمنهم من اقتنى لابنه أو ابنته بهذه المناسبة هواتف ذكية من آخر الاختراعات آخر وعدسة صغيرة توضع داخل الأذن دون أن تثير أي انتباه, خاصة أنها لا سلكية تلتقط بكل وضوح الأجوبة بعد ارسالها بكل دقة وسرعة من الهاتف الذكي الذي استطاعت صاحبته أو صاحبه اخفاءه عن المراقب داخل قاعة الامتحان، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك, فاختار ساعة يدوية تبدو كأنها ساعة لكنها في الحقيقة حاسوب جد متطور ينقل المعلومات إلى صاحبه وكأنه فقط ينظر في ساعة لمعرفة ما تبقى من مدة الامتحان، إلا أن الخطير هو أن من الآباء من قام بإجراء عملية جراحية لزرع تلك العدسة في أذن ابنته والمؤسف هو قبول بعض الأطباء وعلى قلتهم قد تكون حالات معدودة لكنها تعتبر المساهمة في ارتكاب مخالفة قانونية وبالتالي فهي جريمة يعاقب عليها القانون. ودعونا من التعمق في تقنيات ووسائل الغش ولنذهب إلى أبعد من ذلك ونبحث جميعا عن الأسباب التي جعلت التلميذ أو التلميذة ومعها أسرهما يسلكون طريق الغش للحصول على هذه الشهادة. في البداية يجب أن نكون متأكدين من أن كل تلميذ اختار سلك طريق الغش يدرك أنه بقدراته الحالية لا يستطيع الاجابة عن الأسئلة وبالتالي فهو يحاول كسب الرهان بهذا السلوك غير القانوني، لكنه مجبر على ذلك إن أراد الحصول على البكالوريا، ثم نطرح سؤالا جوهريا لماذا هذا النوع من التلاميذ قدراتهم التعليمية ضعيفة إلى هذا الحد؟ . هناك عدة عوامل جد مؤثرة أعطت هذا المنتوج الفارغ أهمها بالدرجة الأولى المنظومة التعليمية الحالية بعد فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبعد ضياع الوقت والأموال العمومية في ما سمي بالمخطط الاستعجالي ثم منظومة الامتحانات، ونجد أنفسنا مجبرين لإعادة ما سبق وتطرقنا إليه في عدة مقالات تربوية عبر جريدتنا. انه نظام الخريطة المدرسية الذي أفرزته مصالح التخطيط مركزيا وجهويا واقليميا: فحين تفرض مصلحة التخطيط على المؤسسات التعليمية خاصة بالاعدادي خريطة مدرسية للموسم المقبل قبل نهاية الموسم الدراسي الحالي وغالبا في شهر ماي، وتطلب من كل مؤسسة تطبيقها حرفيا, حين تقرر هذه المصلحة على اقسام السنة الثالثة اعدادي والثانية والأولى، إعدادي، ويوم المداومات التي تنطلق كالعادة بمستوى الثالثة إعدادي. فإنه إذا ما تم الاعتماد على كل من يتوفر على معدل 10 على 20، فإن ذلك لا يوفي بالطلب, أي أن عدد الناجحين بهذا المعدل لا يملأ عدد الأقسام المطلوبة.فيضطر الجميع إلى النزول عن المعدل. إلى 9 على 20، ورغم ذلك لا يغطي الأقسام المطلوبة. ويضطر مرة أخرى إلى النزول إلى 8 أو 8 ونصف. لملء الخصاص. وما يقع بهذا المستوى يقع بالسنة الثانية أيضا. وساعتها نحصل على أقسام، أكثر من نصفها انتقل بدون توفره على المعدل الحقيقي. وبالتالي فهم يعتبرون ملحقين وليسوا ناجحين. وأيضا نكون أمام معضلة كبيرة وهي كيف يمكن أن ننقل تلميذة أو تلميذ من مستوى لم يستوعب تعلماته، ولم يفلح في فهم وإدارك مواده, إلى مستوى أكثر وأصعب، فما هي النتيجة؟ النتيجة أننا ننتج منتوجا مغشوشا. وأن هذا الجيل الفارغ الذي ينتقل من مستوى لآخر بهذه الطريقة ماذا تنتظر منه أن يفعل؟ وبأي طريقة سيحضر قاعة الامتحانات إن لم يكن مزودا بأسلحة فتاكة. «حجابات قديما - وأجهزة تقنية جد متقدمة حاليا» بالنسبة اليه هي الوسيلة الوحيدة التي ستمكنه من النجاح وكل من يقف في طريقه ينفجر أمامه بكل أنواع العنف,لأن هذه المحطة بالنسبة إليه جد مصيرية. إن منظومة الامتحانات التي تعتمد على المراقبة المستمرة وعلى إنزال عتبة النجاح, تسببت في وقوع حوادث كثيرة، وأيضا المنظومة التعليمية في حد ذاتها , خصوصا حين فشلت الوزارة الوصية وقبلها الحكومة الحالية في ضمان تعليم سليم يعتمد على توفير العنصر البشري, من أساتذة وإداريين ومحاسبين ومعيدين, واعتمدت على حلول أقل ما يمكن أن يقال في حقها أن حلول ترقيعية وغير تربوية. فحين يصل عدد التلاميذ 50 تمليذا في القسم الواحد. وحين تبقى أقسام تنتظر وصول مدرسيها وفي مواد علمية أو لغوية وبمستويات مقبلة على امتحانات اشهادية لما يفوق الشهر بعد انطلاق الموسم الدراسي ؟ ماذا يمكن أن ننتج؟ لم يستفد من هذه الأوضاع إلا مؤسسات التعليم الخصوصي التي وجدتها بعض الأسر. الملاذ الوحيد لتعلم أبنائها. حتى وإن كان ذلك بالغ التكلفة.وتركوا التعليم العمومي بمطباته ومصائبه للطبقة الكادحة وهذا موضوع ثان. رغم سرد هذه الأسباب الداعية لانتشار ظاهرة الغش, فإننا لن نقبل بمثل هذه الممارسات التي تسيء الى العملية التربوية وإلى منظومة الامتحانات وأيضا الى صورة البلد في الجامعات والمعاهد الدولية, وأنما لوضع الأصبع على مكامن الخطر,حتى يتسنى للمسؤولين وقف هذا الخطر السريع الانتشار وإصلاح يما مكن إصلاحه. وفي هذا الصدد جاءت مبادرة العودة إلى عتبة النجاح عبر 3 مواسم - و تطرقت في ملحق سابق الى هذا الموضوع، لكنها لوحدها غير كافية. لأن نتائجها لن تظهر خلال المواسم القريبة مما يجعلنا نطالب المسؤولين ونحن على مشارف هذه الامتحانات بالبحث عن وسائط تقنية مضادة للحد من عمليات الغش والتي بكل تأكيد ستستفيد من آخر التطورات والاكتشافات وأيضا وضع آليات لحماية المراقبين الذين يقومون بواجبهم المطلوب لكنهم يصادفون عدة مشاكل,تصل حد صعوبة وصولهم من قاعات الامتحانات إلى سياراتهم. إذ وجدوها سليمة. ومن غرائب هذه الظاهرة , أنه منذ الساعات الأولى ليوم الامتحانات ترى مجموعة من الأمهات والآباء أمام أبواب مراكز الامتحانات. وبعد خروج أبنائهم فأول سؤال يطرحونه «آش اعمل معكم الأستاذ المراقب؟» إن كان الجواب أنه مسالم تنهال عليه الدعوات الطبية» أما إن كان العكس,فساعتها تصب عليه وابل من السب والقذف ونعته بأقدح النعوت» هذا فقط لمعرفة حجم ومقدار هذه الكارثة التي يشارك فيها العديد من الأسر؟!