هل أضحى الغش قدرا مقدرا لا مفر من القبول به، واعتباره ، من ثم ، أحد الأعمدة الرئيسة التي تؤسس عليها مختلف العلاقات والروابط المشكلة ل" يوميات " المواطنين بتمظهراتها المادية والمعنوية ؟ سؤال كبير يتجسد دافع طرحه في الأرقام المقلقة التي كشف عنها البلاغ الأخير للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، بشأن حصيلة عمليات المراقبة الخاصة بشهر مارس 2016، والمتمثلة في "حجز وإتلاف 620 طنا من المنتجات الغذائية غير الصالحة للاستهلاك" ، والتي تهم شتى أصناف المواد الأساسية لتغذية الكبار والصغار: " 193 طنا من اللحوم الحمراء، 96,3 طنا من اللحوم البيضاء، 10,6 أطنان من الحليب والمنتجات الحليبية ، 1,174 طن من العسل، 4402 بيضة للاستهلاك، 99 طنا من العصير، 71 طنا من المشروبات غير الكحولية، 46 طنا من المربى، 41 طنا من البسكويت، 23 طنا من المصبرات النباتية، 10 أطنان من الدقيق المدعم ، و13 طنا من مواد أخرى ذات أصل نباتي"! "حصاد" ليس بالأمر الجديد الإعلان عنه وإخراجه من عتمات المكاتب الضيقة ، ولكن المستجد فيه هو ما تؤشر عليه " قوة" المعطيات الرقمية من اتساع دوائر الغش وقدرة " محترفيه " على التكيف مع "حملات الردع" المتعاقبة ، حيث بمجرد سقوط شبكة في هذه المدينة إلا و"تولد" شبكات أكثر "احترافية" داخل مدن أخرى تعيث في الأرض غشا وإضرارا بالصحة العامة. حقيقة تؤكدها بلاغات دأبت على إصدارها ، في السنوات الأخيرة ، الجهات المعنية بمراقبة وتتبع المواد الاستهلاكية ، في هذه المنطقة الجغرافية أو تلك ، توحي قراءة سطورها وكأن عقارب ساعة "محاربة " ممتهني "تجارة تقريب الخطر من المواطنين" ، توقفت عن الدوران، كما هو شأن نموذجين سبق التطرق لهما خلال فبراير من السنة الفارطة - نستحضرهما على سبيل التذكير فقط - يهمان مدينتين متباينتين " شكلا ومضمونا " ، وهما وزانوالدارالبيضاء . يقول منطوق الأول: «تمكنت اللجنة الإقليمية لمحاربة الغش في المواد الغذائية بوزان، من حجز كمية من شرائح الديك الرومي والنقانق واللحم المفروم، كانت موجهة للاستهلاك، رغم أنها فاسدة أو مجهولة المصدر». فيما أشار الثاني إلى « أنه تم العثور بمستودع بحي مولاي عبدالله بالبيضاء، على 20 نوعا من المواد الغذائية منتهية الصلاحية، كان مُبرمجا توزيعها على محلات تجارية بدرب عمر». مثالان يدفع التأمل في فحواهما إلى طرح تساؤل مفاده : " هل انتفت أسباب الخطر المحدق بمستهلكي المواد المؤشر عليها في خبري وزانوالبيضاء، منذ تاريخ الإعلان عنهما، وما تلته من خطوات وإجراءات قانونية، أم أن عوامل التهديد ارتدت لبوسا آخر للإفلات من عين "الرقيب" وجعلها " تغفو" من حين لآخر ؟ وارتباطا ب"الممارسات الغشية" ، تتبادر إلى ذهن المتتبع للشأن العام، الأخبار المتحدثة عن "غياب الجودة " في تعبيد الطرقات وإصلاح المسالك ، سواء داخل المجال الحضري وما يشهده من أوراش إعادة الهيكلة والتأهيل، أو في جغرافية المجال القروي الذي تعيش بعض أجزائه على إيقاع مشاريع فك العزلة عن سكان الدواوير النائية، حيث يكفي توالي سقوط الأمطار لساعات متواصلة ليفتضح أمر " التوفنة " وما شابهها من مواد يخالف محتواها ما تنص عليه دفاتر التحملات الموقعة من قبل بعض المؤتمنين على حسن صرف المال العام . الأجواء "غير المطمئنة" ذاتها ، أرخت، بظلال من الخوف والشك على قطاع التربية والتعليم ذي الحساسية الاستثنائية بالنسبة لمستقبل المجتمع ، بعدما أكدت الأحداث "غير الصحية" المرافقة لامتحانات الباكالوريا، خلال المواسم الدراسية المنصرمة ، "تورط" بعض الآباء والأمهات في " تشجيع " أبنائهم على "التسلح" بأحدث التقنيات التكنولوجية ل"الجواب " عن أسئلة الاختبار ، معتبرين ذلك "أمرا عاديا يندرج في سياق مسايرة العصر وتلبية طلبات فلذات الأكباد غير القادرين على تحمل ضغوطات الاستعداد للاختبار " ! رياضة بذل أبطال عصاميون، في سبيل إعلاء شأنها وجعل راية البلاد ترفرف عاليا في سماوات العواصم العالمية ، جهودا مضنية ، لم يتردد البعض في تلويث سمعتها " بانتصارات المنشطات " ، دون تقدير للعواقب الكارثية ، آنيا ومستقبليا ، على الصورة العامة " لنموذج " كان محط اقتداء عند الغير . "أشباه فنانين" يقرصنون "إبداعات" خالدة ، ويقدمونها لحنا وأداء ، دون التفكير في أخذ الترخيص من أصحابها أو من ورثتهم - إن كان أصحابها قد غادروا الدار الفانية - ، الذين إن حاولوا الاحتجاج لا أحد يستمع لصرخاتهم ... إنه مسلسل تكاد حلقاته لا تنتهي ، طالت " بصماته" غير الباعثة على التفاؤل، قطاعات حيوية متعددة ، لدرجة تجعل المرء يضع يده على قلبه، خشية أن يأتي يوم تتحول فيه "المسلكيات الغشية " إلى "قاعدة "عوض أن تظل محصورة في زاوية "الاستثناء" !