في هذا الحوار الذي أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مع الأكاديمي والمحلل السياسي الموساوي العجلاوي، يستعرض خلال علاقة الأممالمتحدة مع المغرب خاصة، في جانب كيفية تعامل الأمناء العامين السابقين لهذه المنظمة الأممية في التعاطي مع ملف نزاع الصحراء المفتعل، ثم حلل الموساوي طبيعة السيناريو الذي خطط لبان كي مون وانخرط فيه أثناء زيارته لتندوف والجزائر، كما كشف عن وقائع أخرى عرفتها هذه الزيارة، التي قام بها الشباب الصحراوي المحتجز، وأحرجت الأمين العام للأمم المتحدة، كما لامس محاورنا قضايا أخرى مرتبطة بالموضوع وتناول بالدراسة والتحليل موقف بان كي مون من المسيرة المليونية للشعب المغربي، ثم الإجراءات الصارمة التي اتخذها المغرب فيما يتعلق ببعثة المينورسو وفصل في ذلك، كما تحدث عن مسقتبل العلاقات المغربية والأممالمتحدة ، ثم تنزيل الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية. كيف تميزت العلاقات الدبلوماسية والسياسية فيما يتعلق بقضية الصحراء مع سائر الأمناء العامين لمنظمة الأممالمتحدةمن جهة والمغرب من جهة أخرى؟ في نزاع الصحراء أخذ كل الأمناء العامين مسافة بين الأطراف، وزار بطرس غالي وكوفي عنان المنطقة، وكانت تصريحاتهما مراعية للأعراف الدبلوماسية، رغم أن فترة جيمس بيكر كانت مثيرة من حيث تصريحاته ومخططيه، إذ حصل في أولهما على موافقة الجزائر والبوليزاريو بتقسيم الصحراء ورفض المغرب ذلك المقترح، ومع ذلك كانت تقارير الأمناء العامين متوازنة من حيث الشكل والمضمون، بل إن فان فاسوم، ممثل الأمين العام قدم تقريرا يقول فيه باستحالة قيام دولة في الصحراء، فتحركت الآلة الدبلوماسية الجزائرية لإنهاء مهمته، فجاء بعده كرستوفر روس، السفير السابق للولايات المتحدة في الجزائر، و مهندس المخطط الذي أودى إلى ما وقع في بداية مارس 2016، من وضع إحالات جديدة للصراع في المنطقة تهدف إلى إقبار مشروع الحكم الذاتي وتكبيل عمل الأمين العام المقبل للأمم المتحدة. كيف ترى التصرفات والتصريحات الأخيرة التي أدلى بها خلال زيارته إلى الجزائر وتندوف؟ زيارة بان كي مون للمنطقة تدخل في سياق جولة وداع للقارة الإفريقية، ولاحظنا كيف تعامل مع الأحداث والسياقات في البورندي والكونغو وموريتانيا، ويبدو أن كل تصريحات الرجل نمقت بعناية من لدن فرق العمل المصاحبة لبان كي مون، وتصريحاته في تندوف والجزائر جاءت ترديدا لخطاب اللوبي الجزائريالأممي، فكان بان كي مون في لحظة زيارة تندوف كاري حنكو لروس ولعمامرة، وانخرط الرجل في السيناريو الذي وضع له لدرجة تعامله مع الجمهورية الصحراوية كدولة عضو في الأممالمتحدة فسمع نشيدها وحيى بحرارة رايتها مع إشارة النصر، وتفوه بكلام لم يقو كرستوفر روس على التفوه به جهارا رغم ارتباطاته التاريخية وغيرها مع الآلة الجزائرية. وهنا تفاجأ الجميع، حتى كبار مجلس الأمن، هل الرجل ساذج إلى هذا الحد؟ هل يحاول الظهور بالمنتصر لقضايا معينة؟ هل هو واع بما فعله؟ قد يكون كل هذا وأكثر، لكن ما لم يكن ينتظره هو رد فعل المغرب الرسمي والشعبي، فمارس سياسة الهروب إلى الأمام، وربما لأول مرة سيفهم بان كي مون وللذي سيأتي بعده، أن نزاع الصحراء ليس مسألة هينة، لكن الرجل الذي أراد من جولته الإفريقية البحث عن مسار آخر لن ينسى أبدا قصته المغربية. لقد وقعت حوادث في مخيم السمارة بضواحي تندوف، تم طمسها ، إذ تدفق مئات من الشباب على موكب بان كي مون رافعين لافتات وأوراق يطالبون فيها بصفة لاجئ، التي قد تفتح لهم أبوابا عدة، لكنهم محرومين منها لرفض الدولة الحاضنة وقيادة البوليزاريو إحصاء سكان المخيمات، و يجب العودة إلى الصور والفيديوهات التي نشرت عقب الزيارة، لإدراك الاضطراب الذي حصل في موكب بان كي مون، فحصل أن داست إحدى سيارات بان كي مون على ساقي فتاة، فارتفع غضب الشباب الذين أمطروا سيارات الأمين العام بالحجارة، فاضطر إلى امتطاء طائرة هلكوبتر للعودة إلى تندوف، وهناك قيل له بأن الشعب الصحراوي غاضب من الأممالمتحدة، فوقع ذلك الإسهال في كلام الأمين العام، وكان على المغرب المطالبة بتحقيق أممي لما وقع في المخيمات. مارايك في رد الفعل الذي قام به بان كي مون حيال المسيرة الشعبية قامت بها مكونات الشعب المغربي تنديدا بتصريحاته التي مست بمشاعر الشعب المغربي؟ حاول الناطق باسم الأمين العام تخفيف الضرر بالقول إن ما صدر عنه هو تفاعل شخصي، لكن الرجل لم يكن يزور المنطقة بصفته الشخصية، وعوض أن يعتذر للشعب المغربي، اعتبر تظاهرتي الرباطوالعيون توظيفا، وخرج عن كل الأعراف الدبلوماسية والسياسية في لقائه مع وزير خارجية المغرب، واعتبر التظاهر للتعبير عن غضب الشعب المغربي إهانة لشخصه، وكان ماكرا بتلبيس المغرب تهمة إهانة الأممالمتحدة، وإذا كان الرجل يعتبر نفسه ممثلا للأمم المتحدة، فلماذا نزع عنه هذه الصفة حين انحنى أمام علم جمهورية ، ليست عضوا في الأممالمتحدة، ولا يتجاوز عدد المعترفين بها على الصعيد الدولي الثلاثين بلدا، جلهم من الدول التي تقرأ بالمجهر أسماؤها في خريطة العالم. اتخذ المغرب اجراءت تصعيدية في اتجاه الأممالمتحدة ؟ كيف ترى هذا الموقف المغربي؟ اتخذ المغرب إجراءات ضد الأمين العام، إذ صدم بحجم وسياقات هذه الزيارة، وزاده الأمر هولا التصريحات التي واكبت زيارة بان كي مون للمنطقة، كان على المغرب أن يبدي غضبا وصلابة لمسألتين، الأولى فتح نقاش دولي ومواقف حول حيادية الأممالمتحدة في النزاعات، وعزل موقف بان كي مون عن موقف الأممالمتحدة، ونجح في هذا، خصوصا بعد ردود فعل الأمين العام أثناء لقائه بوزير خارجية المغرب، والمسألة الثانية، أن تظاهرة الرباطوالعيون، كانت رسالة موجهة لسكان الصحراء بأنهم جزءا من النسيج الوطني، وبدأت بيانات الحكومة وتصريحات النخب السياسية والزعامات المحلية من استعمال مصطلح الوحدة الوطنية، وهو أمر بالغ الأهمية من حيث تطور الخطاب الوحدوي من الحديث عن الوحدة الترابية إلى الوحدة الوطنية، أي أن الأمر ليس مرتبطا بمطالب ترابية فقط، بل بالحفاظ على الوحدة الوطنية المغربية، وفي سياق تفكك الأمم في منطقة مينا والساحل والصحراء، هذا المصطلح يحمل رسائل متعددة، خاصة على المستوى الأمني، الذي تأخذه دول المحيط الأوربي والغربي بكثير من الاهتمام. هل تأزم العلاقات مع الأمين العام له تأثير على باقي الأجهزة لمنظمة المم المتحدة؟ هذا ما يجب تجنبه، وهذا أحد أهداف روس وجماعته، يبدو أن تراجع المغرب عن سحب فرقه من قوات حفظ السلام الأممية، قد جنبه السقوط في هذا المقلب، بل العكس هو الواجب اتخاذه، من حضور فاعل وقوي في العمل الأممي، كان الأمر سياسيا، كما الحال في الملف الليبي، أو عسكري من خلال المشاركة في عمليات حفظ السلام، دون نسيان العمليات الإنسانية الجارية هنا وهناك. هل توفقت الديبلوماسية المغربية لحد الآن في الخطوات التي اتخذتها في تدبير هذه الأزمة مع الأمين العام. في القضايا الوطنية يحسن تجنب الحسابات الضيقة، فالممارسة الدبلوماسية المغربية ذات أركان متعددة، والمسؤولية جماعية، وهناك هياكل تحاسب الدبلوماسية أخطأت أم أصابت، لكن مع كل هذا تطور ملف الصحراء يتطلب مقاربات متجددة، وهذا ما يحتم الحاجة إلى هندسة دبلوماسية جديدة، تتميز بالرشاقة والسرعة وأشياء أخرى... لم تنته بعد أزمة الأمين العام، وحين يتم الأمر يمكن إثارة الأسئلة على مستوى المؤسسات أو داخل الرأي العام الوطني. -كيف ترى مستقبل العلاقات بين المغرب والأممالمتحدة بعد هذه الأزمة؟ ستكون سنة 2016 متميزة في علاقات المغرب مع الأمين العام، بيد أن المغرب يجب أن يكون حاضرا في مؤسسات الأممالمتحدة، مبادرا إلى المساهمة أكثر في مؤسساتها وفي قراراتها، لتبيان أم أزمة 2016 هي بين الأمين العام والمغرب، ويبدو أن خطاب مكونات الحكومة المغربية غير متجانس بهذه النقطة، ويحتاج إلى إعادة ترتيب وإدماج. يبدو أن المينورسو قد استهلكت وجودها، فالأممالمتحدة أعلنت عن صعوبة التدقيق في الهويات ومن تم استحالة الحديث عن استفتاء لتقرير المصير، ومع زيادة المخاطر الأمنية في شرق الجدار وتفشي بقع زيت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدول في المنطقة، يمكن للمغرب أن يطالب بمراجعة بروتوكول وقف إطلاق النار الموقع في العام 1991. أمام عدد من المستجدات الدولية والتطورات المتسارعة هل حان الوقت لتنزيل الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية؟ طرح مقترح الحكم الذاتي كخيار للحل السياسي الذي تنشده الأممالمتحدة، وخطاب الملك الأخير في العيون، أشار إلى هذا المقترح كأفق للمفاوضات، وأن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المعلن عنها مؤخرا هي مدخل للجهوية الجديدة، التي ستمكن من إسماع صوت سكان الصحراء « الغائب» في تقارير الأمين العام إلى مجلس الأمن، والدينامية الجديدة في التفاعل مع أزمة الأمين العام سمحت بظهور قوة النخب المحلية، من حيث التظاهر أو التفاعل على مستوى وسائل الاتصال في الأنترنيت، وهذا أمر فاجأ خصوم الوحدة الترابية والوطنية المغربية.