مليكة مالك، ملاك .. يمشي على قدمين بين ظهرانينا، آثرت الانتصار لوطنها ولقضاياه ولأبنائه من الطبقات المقهورة والمهمشة والذين على الطرة، والذود عن القيم الانسانية . كانت تتنفس هذه القيم والمبادئ كما تتنفس الهواء. مليكة مالك الاعلامية التلفزيونية المغربية التي ولجت هذا العالم من باب الإيمان بمهنة المتاعب، جسدت هذه الصفة بكل ما في الكلمة من معنى، تماما كما الأرض المعطاء، أعطت وأفنت زهرة شبابها وحياتها كاملة في خدمة مواطنيها وفي خدمة صاحبة الجلالة، لم تستغل شهرتها ومكانتها في المصالح الشخصية، بل كان هذا الأمر آخر ما تفكر فيه تماما كما هم الكبار دائما، فرأسمالها الحقيقي هو إرضاء ضميرها المهني وإرضاء أحلام وتطلعات المواطن المغربي الذي كان يتوق إلى مغرب طافح بالقيم الاثيلة مثل الحرية والعدالة والديمقراطية وتكافؤ الفرص والتعايش والتآخي بين كل مكوناته ،وهو ما جسدته قولا وفعلا في برامجها الحوارية، التي شكلت منارة حقيقية في مغرب التسعينيات من القرن الماضي، إذ سلطت الضوء على كل ذلك في وقت كان فيه المغرب يعيش وضعا سياسيا متأزما، وكان ومازال يعيش لحظة التحكم في كل شيء، لكن الفاضلة مليكة مالك شكلت الاستثناء وأبحرت عكس التيار من خلال تسليط الضوء في برنامجها »"في الواجهة«" على أمراض المغرب من خلال استضافة أسماء وازنة في عالم السياسة والفكر. ثم برنامج »"وجه وحدث" بذات القناة الثانية سنة 1993، وبذلك مهدت هذه الدائرة لما كان سيأتي من تحول في المغرب، وهكذا شكلت معلمة إنسانية ومهنية وقدمت خدمات جُلّى للوطن والمهنة. مازال صوتها يرن في مسامعي، حين اتصلت بها للاطمئنان على صحتها بعدما أبلغني بمرضها الصديق جواد بنعيسى وصديقتها الحميمة الاعلامية مارية لطيفي بظروفها الصحية، كيف ألحت فقيدتنا الكبيرة على ايصال سلامها الحار إلى أفراد طاقم جريدة »الاتحاد الاشتراكي« عاملين وصحافيين وإداريين واحدا واحدا. مليكة مالك، في حياتها العادية كما في مرضها، جابهت المرض بمعنويات مرتفعة وبإباء الكبار، لأنها كانت وستظل في أعين وقلوب المغاربة، كبيرة وحاضرة بعطاءاتها وبمبادئها وقيمها الانسانية التي آمنت بها . يحق للإعلامية مليكة مالك أن تنام الآن قريرة العين، لأنها أعطت الكثير بدون مقابل، ويكفي أنها فارقت الحياة بدون تغطية صحية، وبقدرما أن الأمر يؤلمنا بقدر ما هو شهادة ناطقة عن هذا التعفف والزهد الذي اتسمت به في حياتها. هي مطمئنة فعلا، كما رددت ذلك في آخر ما نطق به قلبها قبل لسانها، كما تروي مريم حليلي ابنة شقيقتها المناضلة نجية مالك، مطمئنة لأنها أدت رسالتها الحياتية والمهنية كما يرتضي ضميرها تجاه أسرتها وعائلتها ووطنها ومهنتها، وليست لديها أسئلة وتوصي خيرا بابنتها زينة الأشقر، وحيدتها لأنها فقدت الأب وفقدت الأم في ظرف سنتين فقط، وكان الوطن أيضا نصب أعينها وهي تتهيأ للالتحاق بالرفيق الأعلى، وطن يتسع لكل أبنائه، وطن حقوق الإنسان والمساواة، وطن تكون فيه الصحة ملك للجميع، »خالتي« تقول مريم حليلي كما يعرف الجميع، قاومت المرض بشجاعة كما كانت كذلك في حياتها ومسارها، وستظل نبراسا لكل الأجيال المقبلة. في عالمها الافتراضي، مازال محبوها وأصدقاؤها يتواصلون معها لأن روحها حاضرة وستظل كذلك، لذلك قررت العائلة الإبقاء على حسابها الفيسبوكي من أجل تخليد ذكراها. مليكة مالك، لأنها إنسانة استثنائية، كان غيابها عنا أيضا استثنائيا، حيث اختار لها القدر أن تفارق الحياة في عيد المرأة، رحم الله فقيدتنا الكبيرة، إنا لله وإنا إليه راجعون.