وأنا أبحث بين أروقة معرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء، تلك التي خبرت عناوين دورها ومستويات مشاركتها ونوعية الكتب التي تصدرها- والتي قال عنها محمد الطوزي في ندوة بالمعرض حول « السياسيون والكتابة « أنها تظل بدون متابعة ، وكأننا بصدد سوق يجمع الجيد والرديء- أثارني رواق أمريكا اللاتينية ، حيث لمحت سيدة في عقدها الخامس تقريبا ، تحمل مكبر صوت وبلغتها الاسبانية تدعو المارين في الممرات للتفضل إلى الكراسي التي وضعت بعناية في الرواق من أجل الاستماع إلى شعراء بلدها أمريكا اللاتينية تحديدا بنما، كنت أول المتفضلين، سألت المشرف عن الرواق، من تكون السيدة ،فقال لي إنها سفيرة بنما بالمغرب ، قلت للمشرف هل بإمكاني إجراء لقاء مع الشاعرين، فقدمني لهما ليستقبلاني بحفاوة كبيرة وبفرح – ومعهما السفيرة التي بدأت في إلتقاط صور لنا- وكأني أقوم بإنجاز عظيم في الوقت الذي ألبي فيه رغبة انتابتني وأنا أفتش في ذاكرتي عما علقته الثقافة الأمريكية اللاتينية من نصوص روائية أدمنت عليها في لحظات الزمن الصعب بقريتي المهشمة في مدخل جنوب المغرب إبان زمن الثمانيات. سألت الشاعرين عن إسميهما ، وعن الكتابة الشعرية وعن موقع الشعر في ظل هيمنة النصوص الروائية على المشهد الثقافي في أمريكا اللاتينية ، كما سألتهما عن الشعر الحماسي الثوري الذي غطى الكثير من النصوص الامريكية اللاتينية التي تسنى لي الإطلاع عليها بفضل أستاذي مليح موسى .قال الشاعر Moises Pascul الذي يكتب أيضا الرواية والقصة ، أن لديه خمسة عشرة كتاب في الشعر ومثلها في الرواية والقصة، وأن الوضع الشعري في بنما لا يختلف عن أمريكا اللاثينية ، ففي بنما الثقافة الشعرية فتية تعود إلى مائتي سنة ، والشاعر البنمي يسعى إلى التعريف بإبداعه على مستوى العالم ، وأ ن المواضيع التي يتناولها هي مواضيع تختاره قبل ان يختارها، طبقا لحالة نفسية أوعاطفية، لكنه الشعر الذي يكتبه، في مضمونه مجتمعا بكل أبعاده. وعن الكتابة الثورية والحقد الدفين لأمريكة الشمالية التي تجلى في العديد من الكتابات لدى كتاب أمريكاالجنوبية ، قال Moises Pascul أن هذا المنحى أصبح يقل شيئا فشيئا خصوصا في الكتابة الشعرية والأمر يتعلق بكافة أرجاء أمريكا اللاتينية وليس بنما فقط. إن بنما يضيف الشاعر كدولة صغيرة تبحث عن نفسها وهي تسعى إلى التعريف بثقافتها لأنها كدولة صغيرة هي غير معروفة، لذلك ربما بدأت تكتب في مواضيع أخرى من أجل العالمية ، وأن موضوع الثورية والحماسية في الشعر أصبح قليلا جدا مقارنة مع مراحل سابقة عاشت فيها أمريكا أحداثا في العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية . وأضاف Moises Pascul ، ربما ما يعرف عن أمريكا اللاتينية هو إشكالية الاستبداد و تفشي الرشوة ، لكن مثل هذه المعارض الدولية واللقاءات الصحفية تتيح للآخر في دول شمال إفريقيا والمغرب خاصة معرفة الجغرافية الثقافية لأمريكا اللاتينية وتقريب الشعر اللاتيني لقراء هذه المناطق. وأكد أن لأمريكا عادات قديمة في الكتابة وكمثال على ذلك الشاعر الشيلي بابلو نيرودا Pablo Neruda الذي يعتبر شاعر أمريكاالجنوبية بامتياز. وأكد Pascul أن الرواية حاضرة أكثر من الشعر في دول أمريكا اللاتينية نتيجة أسباب سياسية واقتصادية وإجتماعية ، لكن مع ذلك يفرض الشعر نفسه في كافة الواجهات ، حيث ينظم في أمريكا اللاتينية أكبر مهرجان للشعر ويستضيف شعراء من العالم ككل ، وهذا المهرجان ينظم في الشيلي كما في دول أخرى في أمريكا اللاتينية لكن الملفت للنظر هو الحضور القوي لشعراء العالم.وقال زميله الشاعر javier Alvarado أن الكتابة الشعرية في بنما و بسبب الهيمنة الأمريكية على هذا البلد كانت تتوجه الى المرجعية السياسية من أجل مناهضة الهيمنة الاستعمارية ولكن بعد ذلك بدأت هناك مواضيع أخرى تتسرب الى هذه الكتابات كالحب والجسد والطبيعة وغيرها من المواضيع المختلفة . وعن كتاباته ومرجعياته قال أنه يعتمد مراجع مختلفة في السياسة والمجتمع والحياة والهوية خصوصا هوية الكاريبي وامريكا اللاتينية ككل. وفي كتاباته تلمس هذه الأبعاد ، ففي كتابه الذي يسمى « حياتي في صحن بئيس» تبدو هذه الهوية متجلية في كافة الأقوال الشعرية والتي لا يمكن إخفاءها رغم أن لغة التعبير شعرية. وعن حضور الرواية وتغطيتها عن حضور الشعر قال Javier Alvarado، أن سؤالنا وجيه، ومتداول ، فالكتابة الشعرية في دول أمريكا اللاتينية قليلة جدا لكن حاليا أصبحت تأخذ موقعها في الساحة الثقافية بحيز مهم في كتابات شعراء جدد يبحثون عن نفسهم ويكتبون في مواضيع مختلفة ، وعزز Javier موقف زميله بالقول أن وجودهم في المغرب، وفي معرض الكتاب، هو فرصة للقاء جمهور عريض تواق لمعرفة هذه الثقافة والبحث عن الجديد في الشعر، مؤكدا أن سفارة أمريكا اللاتينية بالمغرب قامت بإحضار كتابها ككل وهذا أمر مستحب وجميل من أجل تبادل ثقافي، ومن أجل المعرفة الفعلية للثقافة في أمريكا اللاتينية. وفي آخر سؤال وجهته للشاعرين كان يمس المشترك القوي بين كتاب المغرب وكتاب أمريكا اللاتينية لكن هناك نقص في التواصل بين الثقافتين، قال لي Alvarado أنه لا يعرف شيئا عن المغرب الثقافي وأنه التقى مغاربة ذات صيف في الأرجنتين ونقل لهما نفس الكلام وأبدى رغبته في معرفة المغرب الثقافي . وقال Pascul جوابا عن نفس السؤال أنه حاول أن يبحث عن أسماء لكتاب من المغرب من أجل ربط العلاقات والتعريف بهم كما التعرف عليهم لكن الأمر لم يتم ولعل مثل هذه اللقاءات كفيلة بذلك ، وصحيح أن اللغة مختلفة والثقافة كذلك لكن الشعر هو لغة التواصل بيننا جميعا فليس المهم أن تكون إفريقيا أو لاتينيا فلغة العالم بالشعر أسمى.