الظاهر أن هيلاري كلينتون تعتبر الشؤون الداخلية المغربية جزء من حملتها الانتخابية، إن لم يكن أنها تعتبر أن نتائج حملتها الرئاسية مرتبطة بنتائج انتخاباتنا التشريعية القادمة. ذلك، على ما يبدو هو مستخلص ما نشرته المنابر الاعلامية على لسانها. وقرأنا أن زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، المرشحة الديمقراطية التي تصارع من أجل أن تخلف زوجها في البيت الابيض، تتوقع أن يفوز حزب العدالة والتنمية، بالانتخابات التشريعية القادمة، معبرة في الوقت ذاته أن يتولى عبد الإله بنكيران رئاسة الحكومة لولاية ثانية. وحسب يومية «المساء»، فقد كشف موقع «لوموند أفريك» أن كلينتون تتوقع أن يحصل حزب «المصباح» على ما بين 120 و130 مقعدا بمجلس النواب. لا أحد سيفكر أن اغراء الدخول في قراءة الطالع السياسي في البلاد، أصابت السيدة الأولى المفترضة عدواه في المغرب من كثرة ارتدائها للقفطان المغربي وإدمانها على مشاهدة الغروب في براري مرزوقة وعلى مشارف أوزود. فقد ارتبط اسمها بالمغرب، منذ فضيحة التمويلات الخاصة بها والتي يذكر فيها المغرب عبر مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط. وتقول الحكاية، كما روتها صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية أن مؤسسة كلينتون الزوجة قبلت «تبرّعا كبيرا من شركة مملوكة للحكومة المغربية لعقد مؤتمر رفيع المستوى... في مراكش، والذي يطلق عليه اسم مبادرة كلينتون العالمية في الشرق الأوسط وإفريقيا». ذات الصحيفة ذكرت أن «تمويل هذا الحدث بشكل أساسي من مساهمات المكتب الشريف للفوسفاط OCP ... يصل إلى مليون دولار على الأقل..». وارتبط اسمها كذلك، وقتها، باسم المغرب وتحوله الديموقراطي ، من وجهين متقابلين. في البداية،عام 2011 ، أي في السنة التي شهدت انفصال البحر عن مدن الرماد (قصيدة تل الزعتر..) قالت المرشحة، حسب الصحافة الأمريكية قبل المغربية، إن «الحكومة المغربية تمارس الاعتقالات التعسفية وتشهد الفساد في جميع القطاعات». قبل أن تنتقل إلى الإشادة بالمغرب باعتباره «المركز الحيوي للتبادل الاقتصادي والثقافي في منطقة تعيش تغييرات جذرية». واليوم، في سنة انتخابية بامتياز، كما في 2011، تعيد السيدة الديموقراطية نفس التمجيد، إذ «أوضح الموقع - المقصود» لوموند أفريك «- أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كلينتون أشادت بالتجربة المغربية، مضيفة أن المغرب يشكل الآن مثالا ناجحا للتكامل الديمقراطي». هناك إذن خيط ثابت في تعامل السيدة كلينوتون مع المغرب في الأزمنة الانتخابية، وتوزيع الصكوك الديموقراطية، تبعا لميولاتها. هل ستبقى تلك الميولات هي مجرد ميولات سيدة أمريكية يغويها الغرائبي في ثقافتنا؟ لا أحد يمكنه أن يفكر، مجددا أن هذا الاهتمام مسألة طارئة، أو أنه مفصول عن سياق عام بدأ، منذ 2001، مع الضربات التي تلقتها أمريكا على يد «القاعدة». فقد تولدت لدى أمريكا، وقتها قناعة استراتيجية سمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير. وكان جوهره هو فتح الباب للتيارات الدينية، التي رأت أنها معتدلة واندماجها في المسلسل السياسي لدولها، على أساس أن الخطة ستؤدي إلى تقزيم الاطروحات الارهابية والعنيفة وتسمح للتيارات الاسلامية، التي تعرضت للقمع الشرس في الكثير من الاقطار بالاستفادة من الانفراج السياسي. تلك كانت خطة «الخروج من الأعلى».. وليس سرا أن المغرب كان من المتوقع أن يكون المختبر الأول في ... 2002، مع نهاية تجربة التناوب الأول! ولأسباب يطول شرحها تعطلت العملية، وبدأ ما سمي من بعد بحوار مؤتمرات «الدوحة» في قطر.. والمقصود بها «مُنتدى أمريكا والعالم الإسلامي» والذي يُشارك فيه نخبة مُتميّزة من خيرة العناصر والخبرات والعقول في العالم من السياسيين والمسؤولين والأكاديميين وقادة الرأي ورجال الدين ورجال الأعمال والإعلاميين البارزين من الولاياتالمتحدة ومن كافة بقاع العالم الإسلامي (من السنغال إلى أندونيسيا) ليكون بمثابة هيئة لعقد اللقاءات السنويّة بين القادة والمسؤولين من أمريكا والعالم الإسلامي! إذن ليس التفكير في مستقبل المغرب السياسي خارج عن الاجندة العامة لأمريكا، منذ استراتيجية الشرق الاوسط. بعد التجربة المرة «للربيعات العربيات»، لم يبق إلا المغرب نموذجا «للتكامل الديموقراطي»... ونلاحظ تعويض الانتقال الديموقراطي بالتكامل الديموقراطي... من يتكامل مع من؟. إن الرئيس بنكيران ليس في حاجة إلى تزكية أمريكية، حتى ولو كانت مطلوبة في حالات التوازن كما تراه واشنطن، بل المطلوب تكريس قراءة وطنية للربيع العربي، و قراءة محلية سيادية لميجئه إلى السلطة .. وبهذا يكون برنامج هيلاري للاستاذ بنكيران هدية مسمومة يجب أن يردها، علانية.