فإدارة المؤسسات التعليمية والأساتذة في حاجة لفرصٍ تتيح لهم إبراز جودة أدائهم وتثمينها؛ والتلاميذ وأولياء أمورهم لهم الحق في التمتع بنظام تربوي ذي جودة عالية بالنظر إلى المنافسة التي تزداد حدَّة يوما بعد يوم في جميع الميادين؛ كما أن التطور السريع الذي تشهده حياة الفرد والمجتمع في كل الجوانب الاجتماعية والمعرفية والتكنولوجية والاقتصادية... أدى إلى تزايد متطلبات الحياة وتعقدها، مما نتج عنه انشغال الآباء والأمهات عن تربية أبنائهم سعيا وراء تحقيق هذه المتطلبات، بالإضافة إلى عجزهم المتزايد عن مسايرة التطور العلمي والمعرفي والثقافي والقيمي، الأمر الذي جعل المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تربوية تتحمل مسؤولية أكبر في إعداد الأجيال الناشئة للحياة وللاضطلاع بمسؤوليات المستقبل، والمشاركة الفعالة في تحقيق شروط التنمية الشاملة والمستدامة للفرد والمجتمع في جميع المجالات. إن التطور السالف الذكر أدى إلى ارتفاع سقف مطالب المجتمع وانتظاراته من المدرسة، باعتبار التربية والتعليم واسطة وقنطرة بين هذه الانتظارات وحاجات المجتمع التنموية التي تترجمها مخرجات المدرسة، تلك المخرجات التي لم تُثبت فعاليتها وجدواها تبعا للنتائج والرتب التي حصل عليها تلاميذنا في التقييمات الوطنية والدولية، الشيء الذي قد يجد تفسيرا له في عدم توفر منظومتنا التربوية على استراتيجية أو منهجية لتطوير جودة الخدمات التربوية التي تقدمها. لكن، ماذا تعني جودة المدرسة أو مدرسة الجودة؟ ما الذي يجعل المدرسة جيدة؟ إن الإجابة عن ذلك تختلف باختلاف زاوية النظر: فالآباء والأمهات يعتبرون المدرسة جيدة، ومن خلالها المنظومة التربوية، عندما يحصل أبناؤهم على نتائج جيدة. وقد يرى الأساتذة الجودة من خلال تنوع العرض التربوي وشموليته وفي الفرص التي تتيحها لهم مؤسساتهم لتعزيز أدوارهم وأدائهم وتحسين وضعياتهم. أما التلاميذ فيعتبرون مؤسساتهم جيدة طالما يحسون بالمتعة والاطمئنان داخلها... لذلك ينبغي القول إن جودة المدرسة هي نتيجة التفاعل بين هذا وذاك: فالجودة لا ترتبط فقط بالأثر المتحقق، بل أيضا بالفعل التربوي نفسه وببنياته. فماذا ينبغي للمدرسة عمله، وماذا بإمكانها عمله؟ من خلال التأمل في واقع الحال، نلاحظ أن الطلب المتزايد على التمدرس والمجهودات التي بذلت لتعميمه كلها عوامل أدت إلى اعتماد استراتيجية ركزت على الاستيعاب الكمي لهذا الطلب على حساب نوعية العملية التربوية ومخرجاتها. بتعبير آخر، وإذا كانت الجودة في معناها العام تعني مطابقة المنتوج للالتزامات والتوقعات، فإن السؤال عن جودة المدرسة هو سؤال عن مدى تحقق انتظارات المجتمع من المدرسة...، سؤال يُفضي بدوره إلى التساؤل حول ضرورة تدبير الجودة بالمؤسسات التعليمية. فإذا كان الغرض من إدارة الجودة بصفة عامة، استنادا إلى العلاقة الموجودة بين التكلفة والفائدة وبغض النظر عن المجال وطبيعته، يكمن في تحديد أهداف واضحة مع الحرص على شفافية عملية صياغتها، وتطوير آليات بلوغها وقياس تحققها، وإذا ما حاولنا ربط ذلك بالمجال التربوي، فسنَخلُص إلى كون تدبير الجودة بالمؤسسات التعليمية شأن يهم كل المتدخلين في الحقل التربوي من أطر تربوية وإدارية وشركاء وقطاعات ذات الصلة...، وهو لا يقتصر على مجال دون الآخر، بل يهم كل المجالات المرتبطة بالمؤسسة، سواء داخلها أو خارجها. أما عن كيفية تدبير الجودة، فلا يُقبل أن يتم بالشكل المعمول به الآن، لأن تدبير الجودة ينبغي أن يضمن للمؤسسة التعليمية فاعليتها، وضمان هذه الفاعلية يقتضي الحرص على ضمان التفاعلات داخل الثالوث الهرمي المتكون من المدخلات والسيرورة والمخرجات: فالفاعلية تتوقف على جودة المخرجات المتمثلة في جودة الأثر التربوي التعليمي، هاته الجودة التي تقوم، من جهة، على جودة المدخلات من خلال توفير الشروط الملائمة من بنيات تحتية ومنهاج وموارد...، وعلى جودة السيرورة التعليمية التعلمية (جودة العمليات التربوية والتعليمية داخل المدرسة) من جهة أخرى. وفي هذا السياق لا ينبغي إغفال الدور المحوري للتطوير المستمر لهذين المدخلين الأخيرين بهدف تحسين جودة المنتوج المرتقب. غير أن تحسين جودة هذا المنتوج يرتبط حتما بتطوير مدرسة الجودة، وذلك باعتبار عملية التطوير هذه لا تتم إلا داخل المدرسة ولا تنظم إلا من قِبَلها. لذا نعتبر أنه ليس فقط من واجب إدارة المؤسسة التعليمية، بل ومن حقها أيضا أن تتحمل النصيب الأعظم من مسؤولية السهر على تطوير جودة الخدمات التربوية التي تقدمها. وفي نفس الإطار نرى أن المؤسسة التعليمية ملزَمة بتطوير آلياتٍ تتحقق بواسطتها بشكل منتظم من بلوغها للأهداف المتوخاة (تقييم داخلي ينطلق من كون المؤسسة تتعلم وتتكون باستمرار، ويمكِّن هذه الأخيرة من مراجعة أدائها وتَعَرُّف نقط القوة ومواطن الضعف لتحديد التدابير التصحيحية اللازمة). وهي ملزمة أيضا بالمشاركة في العمليات التقييمية التي تنظمها وتدبرها المصالح الخارجية ولا سيما الدراسات الوطنية والدولية المقارنة (تقييم خارجي يتم التخطيط له وتنفيذه من قبل جهات خارجية لا تنتمي للمؤسسة، ويهدف إلى الوقوف على أداء المؤسسة، وحسب الحاجة إلى مراقبتها ومن خلال ذلك إلى افتحاص جودة النظام التربوي وتطويره). واعتبارا لما سبق، فإن السؤال عن تدبير الجودة بالمؤسسات التعليمية يصبح ذا أهمية بالغة. لذا فنحن في حاجة إلى آلية موجِّهة تدعم استقلالية المؤسسة وتساعدها على تقييم أدائها وتطوير مؤهلاتها، آلية يُمكن أيضا أن تُعتمد مرجعا للتقييمات أو التفتيشات الخارجية التي تخضع لها. وفي هذا السياق نقترح إطارا للعمل بستة مجالات متفرعة عن الثالوث الهرمي السالف الذكر، يتضمن كل واحد منها مجموعة من العناصر والمؤشرات المتداخلة في ما بينها رغم محاولة تصنيفها، وذلك بحكم طبيعة العملية التربوية. أولا: نتائج المؤسسة نمو شخصية المتعلمم, اكتساب الكفايات النوعية؛اكتساب الكفايات المنهجية التحليلية؛اكتساب المهارات العملية التطبيقية؛التدرج التكويني للمتعلم؛نتائج تقييم المؤسسة لأدائها وإشعاعها الخارجي. ثانيا: جودة التعليم والتعلم -إنجازالبرامج (الأهداف والمحتويات)؛العرض المدرسي في علاقته بتنمية الشخصية؛استراتيجيات التدريس (طرائق، منهجية، تفاعلات صفية...)؛الكفايات المستهدفة وتقييمها؛الدعم التربوي؛الأنشطة خارج حجرات الدرس. ثالثا: الحياة المدرسية العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة / حجرة الدرس؛المؤسسة / حجرة الدرس باعتبارها مجالا للحياة؛مشاركة التلاميذ وأولياء أمورهم في الحياة المدرسية؛انفتاح المدرسة على محيطها الخارجي. رابعا: تسيير المؤسسة جانبية مدير المؤسسة ومؤهلاته في علاقتها بالمجتمع المدرسي؛جانبية مدير المؤسسة ومؤهلاته في ارتباط مع تدبير الجودة؛المسؤولية المشتركة (الإشراك في تحمل المسؤوليات)؛التدبير / التنظيم الإداري والمالي؛تنظيم سير الدروس / المشروع التربوي. خامسا: مهنية الأطر التربوية وتطوير قدراتها تنمية القدرات بشكل يستجيب للحاجيات الفعلية؛تطوير الكفايات المهنية؛ مساهمة الأساتذة في إرساء ثقافة العمل الجاد والتواصل داخل المؤسسة؛تدبير الموظفين والأطر (الترشيد)؛ظروف العمل الصحية المواتية. سادسا: استراتيجيات تطوير الجودة المناهج والبرامج الدراسية؛معايير وآليات تقييم العملية التعليمية والعمل التربوي؛معايير وآليات تقييم مدى تطور المؤسسة في شموليتها؛آليات المقارنة مع المؤسسات الأخرى؛التوثيق والتخطيط الاستراتيجي؛حسين البنية التحتية الأساسية للمؤسسة ولمحيطها الخارجي. أما العلاقة أو التداخل بين هذه المجالات الستة فيمكن فهمه كالآتي: يستدمج تسيير المؤسسة المجالات الخمسة الأخرى، وذلك باعتبار المؤسسة، كما سلفت الإشارة، مسؤولة عن التنظيم والتدبير الجيد بهدف تطوير جودة خدماتها. وجودة النتائج ثمرة لتسيير المؤسسة من خلال استدماج المجالات المتبقية، في حين تمتد مهنية الأطر التربوية وتطوير قدراتها على مجالي الحياة المدرسية وجودة التعليم والتعلم. أما استراتيجيات تطوير الجودة فهي شاملة لكل المجالات، ما دام التطوير في هذا الإطار يعني تطوير مدرسة الجودة لفائدة كل الفئات المتدخلة ولفائدة المجتمع برمته. وفي الختام يمكن القول إن جودة المدرسة تنعكس بشكل واضح على نتائجها وآثارها التربوية، وتظهر قبل أي شيء من خلال المسار الدراسي الناجح للتلاميذ الذين يرتادونها والكفايات المكتسبة من قبلهم. لكن رضا باقي الأطراف المعنية بأداء المدرسة وإشعاعَ هذه الأخيرة في محيطها ومسايرتها لتطلعات المجتمع هي كذلك مؤشرات لمدرسة الجودة.