مع تراجع أسعار النفط في السوق الدولي بأزيد من 60 في المائة خلال الشهور الماضية ، وتباطؤ الاقتصاد العالمي ، ولا سيما الاقتصاد الصيني الذي سجل أول كبوة له منذ عقدين، وتباطؤ الاقتصاد الأوربي، بدأت المخاوف تتنامى من دخول الاقتصاد العالمي نفق أزمة جديدة قد تكون أخطر من سابقتها، وهو ما جعل العديد من الخبراء والمراقبين الدوليين يدعون إلى ضرورة مراجعة النموذج الاقتصادي الذي أفرزته العولمة واقتصاد السوق، كما بدأت النداءات تتعلى لاستعادة الأدوار الرئيسية للدولة كي لا يفقد الاقتصاد العالمي بوصلة النمو. من جهة أخرى تسجل البورصات العالمية والعربية تراجعا منذ بداية العام نتيجة المخاوف من تراجع النمو الاقتصادي في العالم خاصة نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وتزداد المخاوف من حصول أزمة اقتصادية ومالية حادة. وقد حذر صندوق النقد الدولي من تراجع الاقتصاد العالمي. وتوقع مسؤول صيني كبير أن أزمة اقتصادية عالمية جديدة باتت ممكنة اليوم. وكانت كبريات الصحف العالمية قد أشارت إلى أن العام الجاري قد يحمل معه أزمة اقتصادية ومالية أسوأ من تلك التي عرفها العالم في العام 2008 . البروفيسور ستيف كين، رئيس قسم الاقتصاديات والتاريخ والسياسات في جامعة كنغستون بلندن ومؤلف عدة كتب تتناول الدراسات الاستراتيجية. قال مؤخرا في حديث لشبكة سي إن إن علامات اهتزاز في أسواق المال في الآونة الأخيرة دفعت الكثير من المستثمرين إلى طرح السؤال حول ما إذا كانت هناك أزمة مالية على الأبواب. ومن البداية، أستطيع أن أؤكد أنّ ذلك غير صحيح وببساطة لأننا لم نخرج من الأزمة الأولى. فيما رأى المنتدى الاقتصادي العالمي أن الدول الغربية الكبرى ستفقد ملايين فرص خلال الأعوام الثلاثة المقبلة نتيجة الثورة الصناعية الرابعة أي تطور المعلوماتية واستخدام الرجل الآلي في الصناعة والعديد من المرافق الاقتصادية. وهذه التوقعات تضغط بقوة على اقتصاديات الدول الأوربية التي تعاني من ارتفاع كبير في معدلات البطالة ويقول الخبير الاقتصادي «إن الأزمات المالية من عيار تلك التي هزت العالم عام 2007 لا تنتهي حقا إلا إذا تمت معالجة ملفات الإفلاس وشطب الديون المتعثرة وإعادة جدولة الديون ودفعها والتضخم. ففي عقد ثلاثينيات القرن الماضي، كان هناك الكثير من مظاهر هذه الملفات الأربعة وكانت النتيجة التي انتهى عليها الأمر أنّ ديون القطاع الخاص الأمريكي انخفضت بمقدار 100 بالمائة من إجمالي الناتج الخام من 130 بالمائة عام 1933 إلى 35 بالمائة بنهاية الحرب العالمية الثانية. وللمقارنة فإنّ انخفاض الديون لم تتجاوز نسبته الآن سوى 20 بالمائة عن ما كانت عليه في عام 2010 عندما بلغت 175 بالمائة من إجمالي الناتج الخام. وهذا يعني أنّنا نحاول إنقاذ الاقتصاد من مستوى ديون يفوق أسوأ مستوى بلغه الكون وذلك أثناء عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. وكنا نعتقد أنّ ذلك سينجح؟» في المقابل قال جيفرى طومسون رئيس معهد المحاسبين الإداريين الأمريكى IMA، إنه من الصعب التنبؤ بما سيحدث على صعيد الاقتصاد العالمى، والجزم بما إذا كنا مقبلين على أزمة مالية عالمية جديدة أم لا، فى ظل الهبوط الحاد لأسعار البترول وتراجع أسواق الأسهم العالمية بصورة كبيرة. وأكد طومسون، فى تصريحات صحفية ، على هامش الملتقى الأول للتوظيف، أنه كان من الصعب التنبؤ بالانخفاض الحاد لأسعار البترول من 140 دولارًا للبرميل إلى أقل من 27 دولارًا حاليًا. وأشار إلى أن هذا الانخفاض جيد لبعض الدول التى تستورد البترول، ولكن فى المقابل سيؤثر سلبًا بصورة كبيرة على الدول التى تعتمد اقتصادياتها على البترول، لافتًا إلى أن دول فنزويلا والبرازيل وروسيا بدأت اقتصادياتها تنكمش بالفعل جراء الانخفاض الحاد لأسعار البترول، هذا من المنظور الكلى. أما على المستوى الأصغر فلهذا الانخفاض الكبير فى الأسعار آثار سلبية جدًا على الشركات التى تعمل فى مجال التنقيب، والتى خفضت استثماراتها .. أما الخبير في صندوق النقد العربي، الدكتور إبراهيم الكراسنة، فأرجع النظرة التشاؤمية تجاه الاقتصاد العالمي إلى معاناة الاقتصادَين الأوروبي والصيني، اللذين يقودان الاقتصاد العالمي، من ركود اقتصادي وتراجع كبير في النمو الاقتصادي، ما سيكون له تأثير كبير في الاقتصاد العالمي ككل. وقال الكراسنة إن "الاقتصاد الصيني تحديداً يشهد تراجعاً كبيراً في الصادرات، وهذا الأمر شديد الأهمية، لأن قطاع الصادرات هو الذي قاد النمو في الاقتصاد الصيني خلال السنوات الماضية، كما انهارت أعمال العديد من الشركات الصينية الكبرى بعد توقفها عن تحقيق أرباح نتيجة تراجع الطلب، فضلاً عن الانهيارات المتواصلة في أسواق المال، وهو ما يؤثر حالياً في الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً، وتراجع الاحتياطات النقدية خصوصاً في الصين»، وأضاف الكراسنة أن «هناك توقعات من جهات عالمية بإمكانية حدوث أزمة اقتصادية جديدة نتيجة لهذا الوضع، إلا أن هذه التوقعات تدفع دولاً عدة لاتخاذ الإجراءات المناسبة للتحوط من حدوث أزمة جديدة ما يقلل من احتمالات حدوثها».