اتسعت رقعة الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت قبل خمسة أيام بالقصرين (وسط غرب)، لتشمل، الخميس، العديد من المدن جنوب البلاد، للمطالبة بالتنمية والتشغيل في ظرفية اقتصادية «صعبة» تجتازها البلاد. وتعيد هذه الاحتجاجات، التي احتدمت في مدن كمدنين وجندوبة وتوزر وسيدي بوزيد (مهد الثورة) وصفاقس (عاصمة الجنوب)، إلى الأذهان الأحداث التي اندلعت أواخر 2010، وأدت إلى اندلاع ثورة أسقطت في 14 يناير «نظام بن علي». وشهدت هذه المدن اعتصامات لأصحاب الشهادات العليا الذين يطالبون بالشغل وإرساء تنمية بمناطقهم المهمشة، تطورت إلى مواجهات مع قوات الأمن التي اضطرت، في كثير من الحالات، إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين وضمنهم مواطنون من فئات مختلفة، عمد بعضهم إلى إغلاق محاور طرقية وإحراق الإطارات المطاطية. ودعما لهذه الحركة الاحتجاجية، تظاهر، الأربعاء بشارع (الحبيب بورقيبة) بوسط العاصمة، حوالي 300 شخص، رافعين شعارات تدعو إلى الانكباب على الوضعية الاجتماعية المتفاقمة في البلاد التي تمر بظروف اقتصادية صعبة جراء توقف النشاط السياحي وتراجع الاستثمار. وتفاعلا مع هذه الأحداث والتطورات على الجبهة الاجتماعية، أعرب المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (أقوى مركزية نقابية في البلاد، ذات تأثير سياسي كبير)، عن مساندته التامة للمطالب التي وصفها ب»المشروعة» للمئات من الآلاف من المهمشين والمعطلين، مؤكدا يقينه بأن قضايا الشغل والتنمية لا يمكن أن «تنتظر أكثر من ذلك ولابد من إيلائها العناية الكافية وتقديم البرامج والمشاريع لحلها». وفي هذا السياق، دعا الحكومة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات العاجلة والعملية لتنضاف إلى تلك التي اتخذتها، الأربعاء، من أجل وضع حلول سريعة لأهم المشاكل المطروحة في الجهات المحرومة. وكانت الحكومة التونسية أعلنت عن جملة إجراءات عاجلة لاحتواء الاحتقان الاجتماعي في ولاية القصرين، ضمنها توفير خمسة آلاف منصب شغل في إطار الآليات المعتمدة في برامج التشغيل، بالإضافة إلى إدماج 1410 عاطل عن العمل ضمن آلية مماثلة للتشغيل، وفق ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد شوكات، الذي كشف أيضا عن اتخاذ إجراءات تنموية بغرض رفع التهميش عن المنطقة. وحث المكتب التنفيذي للاتحاد المحتجين على التظاهر السلمي والحضاري المنظم بعيدا عن كل «أشكال العنف والتدمير والإضرار بالأملاك العامة والخاصة وتعطيل الأنشطة»، محذرا، في السياق ذاته، من «تربص الإرهابيين والمخربين لهذه الفرص وسعيهم إلى انتهازها للاندساس بين المتظاهرين وتحويل وجهة الاحتجاجات إلى التخريب والحرق والقتل، وبت الفوضى، باعتبارها الوضع الأنسب للنشاط الإرهابي». وقامت، خلال اليومين الأخيرين، وحدات من الجيش بقصف مدفعي وجوي لمسالك تنقل عدد من المجموعات الإرهابية بمناطق متاخمة لجبال القصرين، تزامنا مع الأحداث التي تشهدها المنطقة، وذلك على إثر رصد تحركاتها بالمنطقة. وفي سياق ذي صلة، أعربت عدة أحزاب خصوصا المعارضة منها عن دعمها للمطالب الاجتماعية المشروعة للمحتجين، منتقدة استمرار تهميش المنطقة، وعدم إيفاء الحكومة بوعودها فيما يخص تحقيق عدد من المطالب التي من أجلها قامت الثورة. وفي وقت سابق من نهار الأربعاء، علق رئيس الجمهورية الباجى قائد السبسي على هذه الاحتجاجات، خلال ندوة صحفية مع نظيره النمساوي هاينز فيشر، قائلا إنها «مشروعة، ودليل على أن تونس تحترم الدستور. ونحن نتفهم هذه التحركات ولكن يجب عدم تهويلها». يذكر أن الاحتجاجات الاجتماعية التي تعرفها مناطق بالجنوب اندلعت على خلفية وفاة أحد المعطلين المطالبين بالشغل، متأثرا بإصابات بليغة جراء تعرضه لصعقة كهربائية بعد صعوده على أحد الأعمدة للاحتجاج على حذف اسمه من قائمة المستفيدين من وظائف أصدرتها المندوبية الجهوية للتربية بولاية القصرين التي فرض بها حظر للتجول ليلا منذ الثلاثاء الماضي.